الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

تامر أفندي يواصل حلقات السلطنة مع أم كلثوم "16"| ثومة غنواية جيل ورا جيل 

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فلاحة طماى الزهايرة التى حكمت مملكة الطرب.. أول أجر لها كان روبية.. وأول صورة فوتوغرافية كانت فى الزقازيق.. 283 أغنية لأكثر من 170 شاعرا

لم تكن أم كلثوم مجرد مطربة بل كانت ظاهرة لن تتوقف الدراسة حولها، فما حدث كان بمثابة معجزة إذ كيف لعقل أن يتخيل أن هذه الطفلة الصغيرة ابن قرية طماى الزهيرة، مركز السنبلاوين بالدقهلية ابنة مؤذن المسجد تتحول إلى أيقونة عالمية يتوحد شعوب على عشقها وتجمع قلوب بنى وطنها ولم يجتمعوا على شيء قبلها أو بعدها.. أم كلثوم نبت الأرض السمراء وطرح النيل جزء من تاريخ الوطن إحدى ظواهر الإبداع التى أنجبتها بعد فترة مخاضها، أعمدة شخصية مصر التى أسسوا مملكة إبداعها.. نجوم الربع الأخير من القرن التاسع عشر وكأن مصر منذ الأزل كُتب عليها أن يولد الإبداع فيها من رحم العذاب وينفجر ينبوعه الصافى بقرابين من الدماء.. فى هذه الحقبة كان الفن والأدباء وعظماء منهم أم كلثوم إبراهيم السيد البلتاجى «ثومة».


رؤيا الشيخ إبراهيم
كان له ابن اسمه خالد، فى ليله الطويل كان خريره وحفيف الشجر وحديث زوجته فاطمة هم ونسه، يسند ظهره على جدار "المندرة" ويبتهل فيسرى صوته فى شوارع القرية.. فى ليلة ٢٧ رمضان إذ كان فى المسجد خطف النعاس عينه، فجاءته سيدة بلفافة بيضاء أعطته إياها.. فاندهش وسأل وقال لها ما فى اللفافة؟ قالت: منحة الله.. ومن أنتٍ يا ستنا؟ قالت: أنا أم كلثوم بنت رسول الله «ص».
بعد عام من رؤياه وضعت زوجته أنثى فأسماها أم كلثوم وخطأ ما تم ترويجه أن اسمها الحقيقى فاطمة بل هو اسم والدتها.. تحبو «ثومة» فى صحن الدار على أنغام تواشيح وابتهال والدها وزقزقة العصافير على شجر الجميز والتوت فى الخارج.. ثم تسترق بعض الخطوات ويستقيم عودها فتتهت البسملة وبعض حروف السور فيبتسم والدها، تخرج بعد سنوات فى موسم جنى القطن وتغنى مع الفتيات:

أبويا زرع لى جنينة كلها برتقال خالص
أسرح وأروح ألاقى البربرى حارس
والنبى يا بربرى لأبيعك وأسد دين الوسية
واطلع من البلد خالص
فى الليل كانت تقبع بجوار والدها حيث كان يعلم شقيقها القصائد والتواشيح ليساعده فى الموالد، لمح الشيخ إبراهيم ابنته وهى تغنى ما سمعت فابتسم وقال لها: تعالى يا ثومة معايا ليلة شيخ البلد؟ فقالت له: «لا يا أبا مش عايزة أروح»، فأغراها أنهم سيوزعون مهلبية فوافقت على الفور وهناك كانت المفاجأة إذ قدمها والدها للناس فأنشدت: 
بالعربى محمد زالت الأوهام
القرشى الممجد صاحب الأكرام
فرح والدها بابنته وحصنها بحجاب وأيقن صدق ما كان فى رؤياه.
اصطحبها والدها معه فى أول حفلة بالسنبلاوين وكان أعضاء التخت آنذاك يقطعون الطريق سيرا على الأقدام فحملوها تباعا واحدا تلو الآخر حتى وصلوا إلى مكان الحفلة وغنت أم كلثوم:
أقول لذات حسن ودعتني
بنار الوجد طول الدهر آه
توالت الحفلات على الشيخ إبراهيم وأعضاء فرقته بسبب الطفلة الصغيرة ثومة وبدأ يذيع صيتهم فى المدن ويزداد أجرهم، ففكر والدها أن يلتقط لها صورة فوتوغرافية مع أخيها خالد كما يفعل الأثرياء وبالفعل استقلوا القطار إلى الزقازيق لالتقاط أول صورة لهم.


لماذا كرهت ثومة شيخ كتاب قريتها وأحبت شيخ السنبلاوين؟
كان شيخ الكتاب رجلا شديد الغضب لم يسلم أحد من مقرعته، وكان شديد الاستغلال إذ كان يرسل البنات لمساعدة زوجته فى أعمال الدار ولم تكن أم كلثوم على وئام معه وكان بينهما الكثير من الوقائع حتى أنه حين مات لم تُصدق فقد كانت تظن أنه لا يمكن أن يموت مثل الناس ولم تطمئن إلا بعدما ذهبت إلى بيته ورأت زوجته تبكى وانتظرت حتى خروج الجنازة.
وتقول ثومة عن هذه الواقعة: «كنت أظن أنه بموت سيدنا سينتهى إيقاظى مبكرا وذهابى إلى الكتاب، فقد كنت أعتقد أن التعليم مرتبط به، لكن بعد وفاته أرسلونى إلى المدرسة فى السنبلاوين وكنت أذهب سيرا على الأقدام لمسافة ٥ كيلو مترات ذهابا وإيابا ومن وقتها وأنا أترحم على سيدنا شيخ الكُتاب».
لكن ثمة فرقا بين شيخها الذى مات وشيخها فى السنبلاوين فالأول قد أرهبها وكرهها فى التعليم، أما الشيخ إبراهيم جمعة فى السنبلاوين فقد احتضنها وشجعها فأحبته.
زاد خروج أم كلثوم مع والدها فى الليالى وكان البعض يُعايره بأنها بنت ولا يصح أن تغنى بين الرجال فكان يتحايل على ذلك بأن يجعلها ترتدى الجلبية والعقال.


الطفلة أم كلثوم وأولويات عشق الحرف
لم تكن الحروف مجرد منطوق أو حتى معنى لكنها كانت مشاعر لابد أن تسكن «ثومة» وتسكنها هى حتى تستطيع التعبير عنها بكل ذلك الجمال، فى إحدى الليالى كانت تنشد مع أبيها وبطانته هذه الأبيات:
جُلّ من طرّز الياسمين فوق خديك بالجلنار 
وارتضى ذا الجمان الثمين معدنًا من لماك العقار
وصمتت لدى الوصول إلى كلمة «الجمان». لاحظ الأب الأمر وسألها عنه، فردّت بأنها لا تعرف معنى الكلمة، وتخشى إن أنشدت ما لا تفهمه أن توحى بالمعنى أو الإحساس الخطأ، فتبسم والدها وأيقن أن ابنته سيكون لها شأن عظيم.
أعجب آه سمعتها أم كلثوم
لم تكن كل ليالى الصغيرة مٍلاح بل كانت هناك الكثير من المواقف الصعبة لكنها نٌحتت فى ذاكرةثومة وربما ساهمت فى تشكيل شخصيتها فهاهى تقول عن أعجب آه سمعتها، كان التخت على موعد لإحياء ليلة فى قرية أخرى، وكان من المفترض أن يُجهز صاحب الليلة الركائب لكن هذا لم يحدث، فدبر والدها الأمر وقطعوا المسافة وحينما وصلوا إلى القرية لم يجدوا أى مظهر من مظاهر إقامة الليلة، فذهبوا إلى بيت الرجل فإذ به يفتح الباب بامتعاض ويُبلغهم أن الليلة اتلغت، فيسألها والده: مش تقولنا علشان ما نطخش المشوار؟ فيرد فى غرابة: ما البلد كلها عارفة وينادى على جاره: إلا بحق يا محمد مش إحنا أجلنا الفرح.. فيرد جاره: آه، وتقول أم كلثوم: هذه أعجب آه سمعتها من بين كل الآهات التى مرت عليّ.
من بين لياليها التى لا تنسى أنها غنت للكراسي، فقد ذهبت مع والدها إلى إحدى الليالى لكن المعازيم لم يأتوا، وكان والدها قد تقاضى خمسين قرشا أجر الليلة، فطلب منها أن تُنشد، فقالت: أغنى للكراسى يا أبا؟.. فرد: ما دام أخدنا فلوس لازم تغنى يا بنتى وممعناش نرجعهم.
بشرة مواطن السنانية ولقاء الشيخ أبو العلا
بعد أن جابت أم كلثوم معظم قرى الأقاليم، وفى قرية السنانية قابلها شخص يُدعى السيد توفيق زاهر وقال لها لابد أن تسمع العاصمة صوتك، لكنها حولت الأمر إلى مزحة وواصلت الانتقال بين القرى والمدن مع والدها حتى وجدت ضالتها على رصيف محطة السنبلاوين حينما صاح والدها: الشيخ أبو العلا!.. جرت أم كلثوم صوب المنادى عليه دون سابق معرفة غير ما سمعته يوما منه عبر فونوغراف العمدة، تعلقت به وبذراعه واحتفت احتفاء صغيرا فى ليلة عيد بهدية جاءت له، فأحس الشيخ أبو العلا بشغفها فغير قبلته إلى قريتها ودارهم خصوصا.. ذهبت إلى أمها فاطمة وقالت: يا أمى ادبحى كل الفراخ اللى عندك واللى عند كل الجيران، عندنا أحسن واحد فى الدنيا عندنا الشيخ أبو العلا.
دندن وسمعتها وجلست بجواره لا تبرح مكانها فطلب منها أن تٌغنى فأنشدت:
أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا
ملك الفؤاد فما عسى أن أصنعا
تلألأت الدموع فى عين الشيخ أبوالعلا وأدرك أنه أمام طفلة معجزة وأنه لابد أن يذهب هذا الصوت إلى القاهرة.


أول حفلة فى القاهرة 
كان لأحد أثرياء القاهرة ضيعة بجوار طماى الزهيرة، وكان يقيم احتفال ليلة الإسراء والمعراج بها غير أنه فى هذا العام أراد أن يقيم الحفل فى فيلته بمنطقة حلوان، وأراد أن يعرض على حضوره تلك الفتاة الذى ذاع صيتها فى الإنشاد والغناء، لكنه عندما رآها طفلة صغيرة خشى أن تفسد الليلة فاستدعى الشيخ إسماعيل سكر لإنقاذ الأمر، وبعدما أنهى إنشاده عرض على ضيوفه سماع الطفلة من باب التندر فصالت وجالت حتى أن مولانا الشيخ إسماعيل طالبها بالإعادة كلما انتهت.