تجمع العشاق فيما أسموه «شلة أهل الهوى»، وكان من شروطها ألا يدخلها إلا المغرمون، لا يهم لمن الحب، المهم أن تكون محبا، هذا هو تصريح الانضمام لهذه الشلة، وأوجه التثبت من ذلك الأمر كثيرة، منها الكلمة أو اللحن أو فضح الهوى نفسه لأصحابه، فالعاشق لا يستطيع مهما حاول إخفاء عشقه.
كان مؤسس تلك «الشلة» الشيخ زكريا أحمد، وأبرز أعضائها فنان الشعب سيد درويش وهرم الزجل عمنا بيرم التونسى وكل من أحب، يعرفونه أو لا يعرفونه، فالأرواح تتواصل.
وحكى الروائى العالمى نجيب محفوظ أنه عاش أياما مع شلة أهل الهوى، ففى ليلة خرج لحن أغنية أم كلثوم «إيه أسمى الحب معرفش»، كان زكريا يلحن كل مقطع منها ويعرضه عليهم، حتى جاء الصباح فكان اللحن قد نضج، كذلك كان لحن «الأولة فى الغرام» لأم كلثوم، حيث كانوا يسهرون فى بيت أحدهم وزكريا يدندن اللحن على العود حتى أتى الصباح فذهبوا إلى مطعم فول وأكلوا على رصيفه قدرة كاملة وقفص جرجير، وما تيَسَّر من البطيخ، ثم ناموا فى منزل أحدهم واستيقظوا مساءً ليستأنفوا السهرة، وهكذا ظلوا لمدة ٧ أيام، حتى انتهى الشيخ من تلحين الأغنية التى حين غنتها أم كلثوم لأول مرة استعاد الجمهور مطلعها ست مرات ووصف بيرم أعضاء الشلة فى قصيدته «أهل الهوى».
وكما قلنا «شلة الهوى» ليس شرطا أن يجمعها مكان فمهما تباعدت المسافات يجمعهم الحب وربما الخطابات التى حرص على تبادلها الشيخ زكريا أحمد مع عمنا بيرم التونسى فى منفاه.
ولأن ثومة كانت أيقونة أهل الهوى وسلوانهم فى لياليهم، وبما أن الكلمة موجودة واللحن موجود كان لابد أن تكتمل الثلاثية بصوتها.
كان أول لقاء بين بيرم وأم كلثوم فى نهاية عام ١٩٤٠ بعدما طلبت من شيخ الملحنين زكريا أحمد أن يعرفها به، واتفقت معه على مجموعة من الأغانى يلحنها زكريا أحمد، وبدأ بيرم فى أول أعماله الغنائية مع «ثومة» فى أبريل عام ١٩٤١، بتأليف أغنية «أنا وأنت»، ثم تبعها بأغنية أخرى وهى أغنية «كل الأحبة»، حتى وصل مجموع أغانيه لكوكب الشرق إلى ٣٣ أغنية.
وبرغم أن كوكب الشرق من سعت للغناء من كلمات بيرم إلا أن هناك قصة شهيرة عن تخوفها من غناء قصيدة «الآهات» لولا إقناع الشيخ زكريا لها، وعلى الرغم من ذلك حققت الأغنية نجاحًا قويًا جدًا، حتى وإنها ما إن انتهت من الغناء حتى تواصل التصفيق لأم كلثوم أكثر من عشر دقائق، وكانت هذه أطول مدة تصفيق استقبل فيها الجمهور أغنية من أغانيها.
وتوالت الأغانى التى قدمها بيرم لأم كلثوم نذكر منها «حلم» «أنا فى انتظارك» و«الأولة فى الغرام» و«حبيبى يسعد أوقاته» و«أهل الهوى» و«شمس الأصيل» «الحب كده» و«القلب يعشق كل جميل»، وهناك أغان أخرى غنتها أم كلثوم لبيرم وربما كانت أقل شهرة من الأغانى السابقة مثل «أكتب لى من غير تأخير» و«البدر أهو نور» و«أنا ليه أجاسر وأعاتبك»، و«فى أوان الورد ابتدا حبي» و«يا قلبى ياما تميل بنظرة» و«حيران ليه يادموعي». كما غنت له بعض الأناشيد الوطنية مثل أغنية «صوت السلام»، والتى كانت سببًا فى حصوله على ميدالية برونزية من المجلس الأعلى للفنون.
بكاء الندامى إبداع
بكاء وجسدت واقعة وفاة محمد ابن الشيخ زكريا أحمد، مدى عمق العلاقة بين الشيخ زكريا وبيرم، فعندما زارته أم كلثوم لتواسيه وجدته فى حالة سيئة وخشيت أن يقضى الحزن عليه، فقالت أرسلوا إلى نديمه بيرم التونسي، وكان بيرم وقتها بالإسكندرية ولم يعلم بما جرى، وعندما عاد إلى القاهرة، كان قد مرّ على موت محمد ابن الشيخ زكريا ثلاثة أيام، فلما دخل بيرم عليه، لم يشعر به زكريا، عندها أدرك بيرم أن عليه أن يجد طريقة لإخراجه من أحزانه وليس هناك من سبيل لذلك غير الموسيقى والشعر، فأسمعه «الأولة فى الغرام» حتى وصل إلى:
حطيت على القلب إيدي
وأنا بودع وحيدى وأقول يا عين
يا عين بالدمع جودي
وهنا انسابت دموع الشيخ زكريا ومسك عوده ودندن باللحن وهو يبكى ويبكى معه بيرم.
آخر لقاء بين ثومة ونجمى «شلة الهوى»
بعد مشوار طويل من الإبداع الذى وصل عنان السماء، كان آخر لقاء جمع كوكب الشرق مع نجمى «شلة الهوى» فى ديسمبر ١٩٦٠ فى «هو صحيح الهوى غلاب» قبل أن يطوى بيرم أوراقه ويترجل إلى السماء فى يناير ١٩٦١ ليحمل الشيخ زكريا عوده ويلحق به بعد ٤٠ يومًا.
البوابة لايت
تامر أفندي يكتب: أم كلثوم وبيرم والشيخ زكريا وشلة أهل الهوى
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق