المشهد الراهن فى الساحة المصرية يومئ – بقول واحد – إلى محاولة لحوح لإعادة إنتاج مؤامرة يناير 2011، وأعنى بالمؤامرة القسم النشط والمؤثر من حركة الشارع الذى عمل بتوجيه 13 جهاز مخابرات دوليًا، وتحرك من خلال تشكيلات: "مجالس الحكماء" و"الائتلافات الثورية" و"حركات النشطاء" و"المجالس التنفيذية الثورية" ليصوغ فصول ومشاهد المؤامرة الهادفة إلى تفكيك مؤسسات الدولة واسقاطها، وهو ما انكشف فى تجليات مفزعة من خلال إذاعة تسجيلات المكالمات التليفونية لرموز ونجوم عملية يناير 2011، وكذلك ما تسرب من أخبار وأسرار التآمر الدولى ضد مصر، والذى انتظم الولايات المتحدة وقطر وتركيا وحماس والاتحاد الاوروبى والتنظيم الدولى للإخوان.
إذ قطعت ثورة 30 يونيو الأسطورية ذلك الاسترسال الإجرامى، وأفشلت الحلقة الأولى من مسلسل المؤامرة المنحطة، وصار علينا – بعد ذلك – مواجهة تجليات الحلقة الثانية من المؤامرة التى بدأت فى أعقاب انتصار إرادة الشعب فى يونيو مباشرة، وأوجز – هنا – بعض بنود أو عناصر إعادة إنتاج المؤامرة فى الاتى:
• اعتصامات رابعة والنهضة وكرداسة وملوى ومحاولة تدعيم ثقافة (المظلومية التاريخية للإخوان) ووصم أى تدخل من أجهزة الدولة لفرض النظام وأحكام القانون والحفاظ على البيئة بأنه عمل دموى وحشى يضرب حقوق الإنسان والزاماتها.
• تفعيل حركة الطابور الخامس داخل المجتمع السياسى المصرى وفى قلب أجهزة الدولة، ومحاولة إفساد عمل السلطة الإنتقالية، عبر إعاقة عمليات المواجهة الشعبية والأمنية لقوى الإرهاب سواء بتأخير إعلان الإخوان جماعة إرهابية، والتباطؤ فى تطبيق حكم المحكمة لحل جماعة الإخوان ومصادرة أموالها، ووضع يد الدولة على شبكة المؤسسات الاقتصادية التى تغذى الجماعة الإرهابية ماليا، فضلا عن التنطع وعدم السماح بدخول الأمن إلى الجامعة، وبما أعطى الإرهاب فرصة لمزاولة نشاطاته التخريبية، وصعب من أية مواجهات ميدانية معه على نحو فيه عمدية واضحة، وفوق ذلك كله فقد انسحب البرادعى فى لحظة فض اعتصام رابعة بغرض ضرب تماسك السلطة الانتقالية وما تلاه من عمل مجموعة معينة من أعضاء الحكومة (فى مقدمتهم الببلاوى) على إهدار هيبة السلطة وقدرتها على المواجهة، والتمهل القصدى فى حل مشكلات الحياة اليومية على نحو يؤدى إلى تفاقم الأزمات وإحساس الشعب بالاختناق.
• العمل على تعطيل الحياة العامة ومصالح الناس وتحويل الشوارع إلى ساحات معارك، واستهداف الروح المعنوية لقوات الجيش والشرطة باغتيالات ممنهجة للأفراد والقيادات وبالذات المتخصصة فى متابعة النشاط الدينى والإرهاب.
• ضرب مرافق الدولة وتعطيلها وخصوصا أبراج الكهرباء وخطوط السكك الحديدية والمترو، وإرباك الدراسة بالجامعات، والعدوان اللفظى المروع عبر الهتافات والكتابة على جدران المنشآت.
• محاولة الهجوم على الكنائس، وبعض الأسر المسيحية لإثارة أية نعرات طائفية يمكن تطويرها وتعظيم آثارها.
• إطلاق موجات من الشائعات – فى إطار حرب نفسية منظمة – تشمل أداء الحكومة، وتعزيز الشعور بالخطر، وإرباك الأسواق، وسلم أسعار السلع التموينية الضرورية، وسوق العملات.
• محاولة تنميط المشير عبد الفتاح السيسى، واستقطاب المشاعر ضده، عبر أخبار كاذبة، والربط بين دخوله معترك الانتخابات الرئاسية (والتى من الواضح كونه الأقرب للفوز بها) وبين استمرار اضطراب البلاد والحصار الدولى عليها.
• تواصل التهتك والابتزاز السياسيين عبر تقديم مبادرات وهمية يومية للصلح أو الحوار مع إرهابى الإخوان، لدمغ السلطة المصرية بالتمنع عن المصالحات، والرغبة فى مواصلة الحل الأمنى المسلح ضد الجماعة، برغم أن إرهابى الإخوان هم الذين رفعوا السلاح ضد الناس والشرطة والجيش، وينقسم مقدمو تلك المبادرات إلى مجموعة من داخل السلطة، ومجموعة من خارجها سواء ضمت أمثال حسن نافعة أو مجموعة "فيرمونت" والوطنية للتغيير، و6 أبريل أو ضمت بعض الإخوان مباشرة.
• إذكاء الحملات الإعلامية التى يقودها التنظيم الدولى للإخوان فى أوروبا وأمريكا، أو تلك التى تشنها قطر وتركيا، ووضع السلطة الانتقالية فى موقف الدفاع، وما يصحب ذلك من ضغوط سياسية دولية وحقوقية احدها بلغ درجة غير مسبوقة مؤخرا فى London – school – of – Economics حين انعقد مؤتمر لحماية الأقليات، معتبرا أن ارهابيي الإخوان وعناصر تيار الإسلام السياسى هم (أقلية) فى بلد مسلم!!
وهو ما يبدو كأنه تكرار للقصة التى افتعلها سعد الدين إبراهيم عام 1994 فى مؤتمرات مجموعة الأقليات Minorities – Group لنصرة ما اسماه حقوق (الاقباط والنوبيين والامازيج فى مصر)، وكان قد حاول عقد أحد اجتماعاتهم فى القاهرة لولا تصدى أجهزة الدولة الأمنية والسيادية له.
• وفى إطار الحديث عن سعد الدين إبراهيم فإن محاولته العجيبة لطرح فكرة المصالحة مع قطر، وادعائه أن ذلك كان بإيعاز من موزا بنت ناصر آل مسند أم أمير قطر، يدخل – أيضا – ضمن محاولات إنتاج المؤامرة أن سعد الدين إبراهيم استعاد فيها دوره الحقيقى القديم الذى كان نجح فى تمويهه والتستر والمداراة بشأنه، وتجميل صورته وتحسينها وطرحها على الرأى العام بوصفه تاب وأناب وأدرك خطأ الارتباط بالولايات المتحدة، والانصياع لتوجيهاتها بشأن الشرق الأوسط ومصر.. ولكنه – فيما يبدو – عاد وكأن شيئا لم يكن وبراءة الأطفال فى عينيه، وقرر تخفيف الضغط على قطر من دول الخليج بادعاء انه طرف فى مصالحة مزعومة بين القاهرة والدوحة، فضلا عن أن المصالحة التى اقترحها د. سعد الدين إبراهيم سوف يكون أحد تجلياتها (إن حدثت) هو لقاء مجموعات من المثقفين المصريين بالأميرة موزا.. بمعنى أن الرجل أخذ على عاتقه شق صف المثقفين فى البلد عبر طرح فكرته الخرقاء وبحيث نجد أنفسنا أمام بعض مثقفى مصر المرتبطين بموزا، والبعض الآخر الذين يصطفون ضدها.
• وأخيرا فإن تجمعا آخر نشأ على ضفاف نهر التآمر، واحتضن بعضا من الأسماء سيئة السمعة من نشطاء يناير، أو تعالى فوق الحالة السياسية المصرية على الجملة ناظرا إلى كل ما يجرى بوصفه مجافاة للتعقل والروية، أو أنه سقوط إلى درك رعاعية وشعبوية لا تليق.. كما يتعمد ذلك الفصيل (الذى يضم كتابا صحفيين كبار وأدباء واكاديميين) تعظيم اهتمام الناس بما يدور فى الخارج عن مصر أو ضد مصر، ويردد كل ما تتبناه واشنطن والغرب من مقولات.
......................
عملية إعادة إنتاج المؤامرة تبغى – أولا – تعطيل انجاز خطوات خارطة الطريق، وتريد – ثانيا – إبقاء البلد فى ربقة عناصر موجودة فى السلطة أو خارجها لتعود بنا إلى المربع رقم (1) من جديد، وتوجه ضربة قاضية لثورة الثلاثين من يونيو الأسطورية.
ولذا لزم التنويه.