الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مجدى الدقاق يكتب: كوكب لا ينطفئ

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا تحتاج السيدة أم كلثوم لمناسبة ما للحديث عنها، فهى أيقونة مصرية وعربية تعيش بيننا وحالة تجمع بين الحب والزهو والكبرياء الوطنى والقومى، نعود إليها كلما مررنا بمنعطفات تاريخية فى مسيرة الحياة. ورغم مرور أكثر من نصف قرن على رحيل سيدة الغناء العربى عام 1975، إلا أنها ظلت حاضرة فى المشهد الغنائى العربى وتنضم إلى عشاقها أجيال جديدة لم تعش عصرها.

كثيرة هى ما كُتبت من أبحاث ودراسات وتسجيل لحياة وفن وسيرة هذه السيدة العظيمة، ومع ذلك فإن السؤال الكبير الذى سيظل مطروحًا بشكل دائم، هو كيف احتفظت بعرشها كملكة متوجه على عرش الغناء العربى؟.

فى تقديرى أن أم كلثوم ستظل تحتفظ بهذه المكانة طالما بقيت الحياة، فقد ولدت فى نهايات القرن التاسع عشر وفى بدايات القرن العشرين، هذا القرن الذى شهد العالم فيه تحولات سياسية واجتماعية وحروبًا وثورات واكتشافات علمية ضخمة، فكانت ابنة عصرها وبذكاء فطرى تعاملت مع أدائها الغنائى بمنطق التجديد وعدم الجمود والخروج على القوالب القديمة، ساعدها فى ذلك وجود شاعر وكاتب شاب مثقف درس فى الخارج اسمه أحمد رامى وملحن عُرفت عنه نزعاته التجديدية هو محمد القصبجى، وبجوارهما أحد رواد التلحين الشيخ زكريا أحمد، وكاتب وشاعر موهوب هو الأستاذ بيرم التونسى، تولى هذا الفريق الشعرى والموسيقى، نقل غناء النجمة الصاعدة فى سماء الغناء المصرى لمرحلة جديدة تتجاوز طريقة الغناء العثمانى البطىء، والذى كان سمة عقدى العشرينيات والثلاثينيات فى غناء أم كلثوم ومثلة ألحان أبوالعلا محمد، وعبده الحامولى، وأحمد النجريدى، بألحان وصفت بأنها بداية لعهد جديد، عندما غنت أغنيتها الشهيره «يا مجد ياما اشتهيتك»، التى كتبها رامى ولحنها القصبجى وغنتها أم كلثوم فى فيلم نشيد الأمل فى عام 1937، واعتبر تقييم عالمى أنها تدخل ضمن أهم مائة أغنية خلال القرن العشرين، ومع نجاح هذه الأغنية وغيرها مثل «افرح يا قلبى»، دخلت ثومة مرحلة الأربعينيات مسلحة بهذا الفريق، القصبجى، زكريا أحمد، بيرم، ومعهم أحمد رامى، وجاءت بقنبلتين غنائيتين هما «مدام تحب بتنكر ليه» و«رق الحبيب»؛ لتعلن بهما دخولها عصرا جديدا من الغناء نلمح فيه أحد أبرز الملحنين الشباب هو الموسيقار الموهوب الذى أصبح علامة بارزة فى مسيرة سيدة الغناء العربى الأستاذ الكبير رياض السنباطى، شهد عقد الأربعينيات فى حياة أم كلثوم صعود تشكيل مثلث ثومه، رامى، السنباطى، مع غياب القصبجى، وإن استمر التعاون مع بيرم وزكريا أحمد.

ويمكن القول هذا المثلث كان بداية لهرم غنائى شكل قاعدته رامى وضلعه السنباطى وقمته ثومة واستمر هذا المثلث يبدع بجذور خبرة الثلاثينيات طوال ثلاثة عقود كاملة هى الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، وحتى رحيل أم كلثوم فى منتصف السبعينيات.

لم تتخل «الست» عن نهجها التجديدى، فقد شهد عقد الستينيات وجزءا من الخمسينيات مع استمرار مثلثها القديم، مرحلة تعاون مع الموسيقار كمال الطويل والأستاذ محمد عبدالوهاب والأستاذ محمد الموجى، والموسيقار الشاب بليغ حمدى، والشيخ سيد مكاوى، مع عدد من الكتاب والشعراء المصريين والعرب.

بصوتها وغنائها واختيارها الكلمة، حاله فنية وثقافية تشكل معها وجدان ملايين البشر وأعطت مذاقًا ومعنى جديدًا للحب والوطن والأمل فى الغد، وكانت رمزا لوحدة شعوبنا الناطقة بالعربية، لقد رحلت كوكب الشرق منذ نحو نصف قرن، لكنها ستظل باقية ما بقيت الدنيا، فالكواكب لا تنطفئ، وتظل مشعة بنورها على الدنيا «تعيش فى قلوب الناس».. لك السلام والمحبة يا ست الكل.