أجمل ما في بستان الغناء المصري هو تعدد زهوره وكثرة ألوانه وتنوع رحيقه، وبالأمس القريب فقدنا زهرة من تلك الورود التي ملأت هوانا بالطرب، زهرة تميزت بلون ورحيق مختلف، حتى أطلق عليها سلطانة الطرب، وشادية، موال العاشقين، أنها الفنانة شريفة فاضل (1938-2023)، التي احتلت طوال أكثر من نصف قرن، ركنا مميزا فى ساحة الغناء المصري والعربي. ولم تغب أيضا عن السينما ولا المسرح الغنائي.
تنوع عطاء مطربتنا بكل ألوان الغناء العاطفي والوطني، ولكنها تميزت بشكل واضح بتقديمها اللون الشعبي وكانت أغنيتها (فلاح كان ماشي من جنب السور) و(حارة الساقيين) -التي عمقت معني المثل شعبي المشهور عن الذي يبيع المياه في حارة الساقيين- وغيرها من الأغنيات، سببا في انتشارها، وبجانب هذا اللون الغنائي، كانت الأغنية العاطفية الناعمة جوازا مروريا لها، للدخول في عالم اللحن الهادئ الملئ بالشجن، وكان تقديمها للاغنية الشهيرة (أمانة يا بكره) علامة بارزة في مشوارها الفني، أما التحول الكبير في نهجها الغنائي فجاء مبكرا، ويمكن اعتبارها المطربة الأولى التي أدركت أن على الأغنية المصرية التي تواكب التغيير في إيقاعها الموسيقي وفي مدتها الزمنية، ووسط سيطرة الأغنيات الطويلة والمقدمات الغنائية التي كانت سائدة لسنوات، قدمت شريفة فاضل عدة أغنيات بلون جديد، كلمات سريعة وجمل قصيرة مع لحن راقص متدفق سريع الإيقاع، يخلط الآلات الموسيقية الشرقية بالآلات الغربية، في زمن لا يتعدى 15 دقيقة أو أقل قليلا، فقدمت اغنيتها الشهيرة (الليل)، وأعقبها أغنية (لما راح الصبر منه)،ثم قنبلتها الغنائية،(جاري يا أحلي جار ) و (دور، دور لف الدنيا بحالها) فنجحت هذه الأغنيات نجاحا باهرا، واعتمدت في ذلك على كاتب مبدع موهوب هو الأستاذ مجدي نجيب، والملحن المجدد الأستاذ منير مراد، وخلال مسيرتها الغنائية تعاملت مع رواد التلحين وفي مقدمتهم الأستاذ رياض السنباطي، ومحمد الموجي كما استعانت بـ(أسطى) الكتابة الغنائية الأستاذ حسين السيد، والمبدع الأستاذ عبد الوهاب محمد، وكثير من صناع الكلمة.
وبالطبع لن ينسي المصريون أغنيتها الشهيرة (أم البطل) التي غنتها إبان حرب أكتوبر المجيدة ‘بحق’ ولا أغنيتها الشهيرة (والله لسة بدري يا شهر الصيام) التي تحولت لأغنية وداع في نهاية شهر رمضان من كل عام.
شريفة فاضل، ثراء في العطاء الغنائي تحول إلى موال دائم في حديقة الغناء سنظل نعيش به، وسيظل كل مبدعينا -رغم الرحيل - يعيشون معنا.