من هم الكرد باختصار؟
يمكن القول وفق الأبحاث التى أجريت من قبل كبار الباحثين الأجانب والكرد على السواء، إن الكرد ينتسبون إلى الشعوب الزاكروسية الجبلية القديمة ومنهم (سوبارتو، كوتى، كاشى، ميتانى، كاردوخى...الخ)، والذين اندمجوا من الموجات الهندوأوروبية، التى هاجرت إلى كردستان وغيرها فى الألف الثانى، ومنهم الميديون الذين أسسوا دولة قوية فى 700 قبـل الميلاد، وبات يسكنها الشـعب الكردى المتجـانس عرقيًا، ومع ذلك يلاحظ أن مصطلح كردستان ظهر أول مرة قبل القرن الثانى المـيلادى فـى عهد السلاجقة، ليدل على مصطلح وطن الكرد.
هل هناك أمثلة على مشاركة الكرد فى حضارة ميزوبوتاميا (العراق) القديمة؟
هناك أمثلة عدة على مشاركة الكرد فى الحضارات التى سادت فى منطقة ميزوبوتاميا، ومن ذلك أن عددا من المصادر تفيد أنه عندما اتفق الملك الميدى ﻛﻴﺨﺴﺮﻭ مع نابو لإصرار ﺣﺎﻛﻢ ﺑﺎﺑﻞ على ﻤﺤﺎﺭﺑﺔ الأﺷوريين فى سنة 612 قبل الميلاد والانتصار عليه، حيث جرى تعزيز ذاك ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻒ بزﻭﺍﺝ ﺍﻷﻣﻴﺮﺓ أﻣﻴﺘس ابنة ﻛﻴخسرو ﻣﻦ ﺍﻷﻣير نبوخذ نصر بن ﻧﺎﺑوﻻﺻﺎﺭ، ﻭﺑﻌﺪ ﺳﻘﻮﻁ ﻧﻴﻨوى ﺗﻘﺎﺳمت الدﻭﻟﺘﺎﻥ ﺃﺭﺍﺿﻴهما، وعندما استقرت الأميرة أميتس ﻓﻲ ﺑﺎﺑﻞ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ جوها ﺍﻟﺤﺎﺭ ﺗﺸﺒﻪ ﻣﺎ ﺗﻌﻮﺩﺕ عليه ﻫﻲ ﻓﻲ موطنها ﺣﻴﺚ الجباﻝ ﻭﺍﻷﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﺍلوﻓﻴﺮﺓ، لذا قرر نبوخذ نصر ﺇﺭﺿاء ﺯﻭﺟﺘﻪ ﺑﺄﻥ ﺑﻨﻰ ﻟﻬﺎ حدائق بابل المعروفة فى عدد من النصوص القديمة.
هل ساهم الكرد فى بناء الدولة العراقية الحديثة؟
تأسس العراق الحديث كدولة فى عام 1921، فيما كان الشيخ محمود البرزنجى كان قد أعلن نفسه ملكًا على كردستان، بعد تحرير مدينة السليمانية يوم 21 مايو 1919، إلا أن الرد البريطانى كان عنيفًا فقضوا على حركة الشيخ محمود ونفوه إلى الهند بالحديد والنار، ورغب فى إلحاق الكرد بالدولة الجديدة، والذى تحقق بعد سنوات قليلة، إذ كان للكرد دور مهم باعتبارهم يشكلون أغلبية سكان ولاية الموصل إلى جانب العرب والطوائف المسيحية والتركمان والشبك وغيرهم، فى صدور قرار مجلس عصبة الأمم فى 16 ديسمبر 1925 بإبقاء الولاية الموصل ضمن العراق، مقابل أن تراعى مصالح الكرد فى المنطقة، حيث وافقت تركيا على إجراء مفاوضات مع بريطانيا والعراق، تمخضت عن توقيع معاهدة ثلاثية بين العراق وتركيا وبريطانيا فى الخامس من يونيو 1926، اعترفت بموجبها بإلحاق ولاية الموصل بالعراق الحديث.
هل انخرط الكرد فى مؤسسات الدولة العراقية؟
لقد انخرط الكرد فى العراق بصورة واضحة، ويمكن القول على سبيل المثال إن تأريخ الجيش العراقى منذ لحظات تأسيسه الأولى، كان قد ارتبط بأسماء عدد من الضباط الكرد، وتحديدا عندما اجتمع عدد من الضباط العراقيين من العرب والكرد معا فى دار عبدالقادر باشا الخضيرى الواقعة على نهر دجلة فى بغداد فى 6 يناير 1921، ووضعوا اللبنة الأولى لتأسيس نواة الجيش العراقى، ومن أصل 14 ضابطا كان سبعة منهم من الكرد على الأقل وهم كل من: العقيد حميد أحمد والرائد سعيد محمد والرائد بكر صدقى والرائد توفيق وهبى بك آمر الكلية العسكرية والرائد عبد الرزاق حلمى والنقيب حسن حسين والنقيب محمد أمين زكى بك، كما ساهم الضباط الكرد فى تطوير وحدات الجيش ومنهم بهاء الدين نورى ونامق حسن على وجمال بابان وتحسين على وعلى رضا وعبد الله نورى وأمين زكى وهادى مصطفى ومحمد صدقى ورؤوف سعيد، الى جانب إن أن أول آمر فوج مشاة عند تأسيس الجيش العراقى كان كرديًا وهو الشيخ محمد أمين غفور، فضلا عن دور الضباط الكرد فيما بعد.
هل كانت الحركة الكردية تميل الى القتال أم التفاوض مع الحكومة فى العهد الملكي؟
يمكن القول إن الحكومات فى العهد الملكى، كانت قد واجهت مطالب الكرد القومية بالحديد والنار، ورفضت كل الحلول السلمية إلا خيار الحرب وسفك الدماء، ومع ذلك كان الكرد يميلون الى التفاوض فى كل مرة، ومن بين تلك المرات أن الحكومة العراقية التى كان يترأسها نورى السعيد، كانت قد ارسلت أحد وزرائها للتفاوض مع الكرد وتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين وصادقَ نورى السعيد على الاتفاق، لكن سرعان ما استقال نورى السعيد من منصبه كرئيس للحكومة العراقية وتراجعت الحكومة عن الاتفاق، ليعود التوتر سيدا للموقف فى البلاد.
يلاحظ أيضا أن السلطة فى العراق لو احترمت تلك الاتفاقات فى ذاك الوقت المبكر، لكانت حمت البلد ومستقبل أجياله من العديد من الحروب والمحن، ولكان العراق مستقرا، ومتطورا، بدلا من لغة العنف الكارثى، ومنها قصف الطائرات البريطانية الداعمة للجيش العراقى بقصف قراهم فى مطلع الثلاثينيات من القرن الماضى، وبخصوص تلك العقلية التدميرية، ذكر قائد الحركة الكردية ملا مصطفى البارزانى (1903-1979) فى أحد خطاباته (نحن فى العراق نحتاج إلى حكومة ديمقراطية وعادلة، تجيء الى الحكم عن طريق انتخابات حرة بعيدا عن الضغط والتهديد والاضطهاد والاعتداء، وأن تكون لها قوانين عادلة يصنعها الشعب بنفسه حتى لا تقول الحكومة كل يوم قررنا ما يلى وتحكم الشعب وفق أهوائها، والشعب لا يستطيع ولا يجرؤ على محاسبتها).
كيف ساهم الكرد فى وحدة العراق فى العهد الجمهوري؟
منذ اندلاع الثورة صبيحة 14 يوليو 1958، ضم مجلس السيادة الجديد فى البلاد، من بين أعضائه الثلاثة، عضوًا كرديًا هو العقيد خالد النقشبندى، كما مثل الكرد وزير واحد وهو بابا على الشيخ محمود الحفيد، فى الوزارة الأولى للثورة وتم تعيين ضابط كردى هو المقدم عبدالفتاح الشالى عضوًا فى المحكمة العسكرية العليا الخاصة، وأصدرت الثورة قرارا بالعفو العام عن البارزانيين ودعتهم للعودة إلى وطنهم وذلك فى 3 أيلول، وعاد ملا مصطفى البارزانى مع رفاقه الى بغداد باستقبال حافل رسمى وشعبى معا فى 5 أكتوبر 1958.
بالمقابل، ساهم الكرد فى الدفاع عن الثورة فى وجه حركة الشواف فى الموصل عام 1959، لاسيما أن الكرد شعروا أن العهد الجديد قد أقر بعض حقوقهم ومنها إقرار شراكة العرب والكرد فى الدستور الجديد للبلاد لأول مرة، إلى جانب انفتاح الحكومة تجاه الكرد بصورة عامة ومن ذلك تأسيس مديرية المعارف الكردية والتدريس باللغة الكردية فى مدارس كردستان وطبع الكتب باللغة الكردية، ومنح الإجازة للحزب الديمقراطى الكردستانى ببمارسة نشاطاته فى 9 شباط 1960 والسماح بصدور صحيفته (خه بات) مع عدد من الصحف الكردية الأخرى أول مرة فى تاريخ العراق. واعترفت بعيد نوروز عيدًا قوميًا للشعب الكردى.
لماذا ثار الكرد على عبدالكريم قاسم عام 1961؟
ثار الكرد مرة أخرى على نظام الجمهورى بقيادة ملا مصطفى البارزانى، واندلعت ثورة سبتمبر التى استمرت ١٤ عاما، بسبب ميل الرئيس العراقى الى التفرد بالسلطة، والتضييق على الحريات العامة، ومعادة الكرد بصورة سافرة بعد فترة من التعاون والتنسيق العالى بين الطرفين، الأمر الذى أفقده دعم الكرد، وعرضه لأن يكون ضحية انقلاب دموى لاحق.
هل اختار الكرد الحرب على التفاوض مع السلطة فى بغداد بعد الانقلاب على قاسم؟
اتفق عبدالسلام عارف بعد استيلائه على الحكم وانقلابه على عبدالكريم قاسم، مع عددٍ من القادة الكُرد على حلٍّ شامل للقضية الكُردية، وجسد ذلك فى إعلان اتفاق نيسان 1964، والذى تضمّن منح الكرد الحقوق الثقافية والإسهام فى الحكم وحقوق أخرى، ولكن الحكومة تنصلت من الاتفاق لاحقا.
هل شارك العرب إخوانهم الكرد فى معاركهم مع الحكومة؟
هناك أدلة كثيرة على مشاركة الكرد والعرب صفا واحدا ضد ظلم الحكومات العراقية المتعاقبة، فعلى سبيل المثال عندما قررت الحكومة العراقية شن عمليات عسكريّة واســعـة النطاق فى 12 من ايار عام 1966، استقدمت لأجلها خيرة وحداتها العسكرية، منها اللواء الرابع الذى كان يعد من أفـضـل الألوية الجــبليــة فى الجــيش العــراقى، ولكن الجيش منى بهزيمة كبيرة، بسبب الأخـوة الصـادقـة بين الكرد والعـرب، والتى كان القائد ملا مصطفى البارزانى يدعو إليها فى مناسبات عدة، إذ كـان هناك عـدد من الضـبـاط والمقاتلين الذين شاركوا فى القتال عربًا دافعوا عن كردستان مع إخوانهم الكرد، ضد القوات العراقية القادمة للقضاء على الكرد.
ما دور الكرد بعد وصول حزب البعث إلى سدة الحكم فى الدولة العراقية؟
بعد نجاح حزب البعث العربى الاشتراكى فى العودة مجددًا إلى السلطة عام 1968 والسيطرة على الحكم فى العراق وإزاحة خصومه، ساد الهدوء جبهات القتال بين الكُرد والحكومة العراقية، وأظهر الطرفان حسن النية فى سبيل الوصول إلى اتفاق ينهى الحرب الدائرة، إلا أن الهدوء لم يدم طويلًا حيث عاد القتال مجددًا بسبب نية الحكومة السيطرة على بعض المناطق الكُردية وفرض القانون بالقوة مما أدى إلى اندلاع النزاع مجددًا حتى عام 1969.
توصل الكرد والحكومة العراقية الى عقد اتفاقية الحكم الذاتى سنة 1970، حيث اضطرت الحكومة الى الاعتراف بعدد من الحقوق القومية المشروعة الكردية مثل عد اللغة الكردية لغة رسمية الى جانب العربية، ومشاركة الكرد فى الوزارات، وإلزام أن يكون نائب الرئيس العراقى من الكرد، فضلا عن السماح بتأسيس المنظمات الكردية على نطاق واسع، ولكن كعادة الحكومات العراقية السابقة واللاحقة، تنكرت الحكومة العراقية للاتفاقية وتنازل عن أجزاء من العراق لإيران بحسب اتفاقية الجزائر سنة 1975!
كيف تصرف الكرد تجاه العراق بعد سقوط النظام البعثى عام 2003؟
كان للكرد الدور الكبير والمهم فى معظم الحكومات التى شكلها العراقيون بعد عام 2003، ولهم فضل واضح لاسيما دور مسعود البارزانى والذى جرى كتابة الدستور العراقى فى داره فى بغداد، كما نجح السياسى الكردى جلال الطالبانى فى الوصول إلى رئاسة العراق، وتولى هشيار زيبارى وزارة الخارجية لسنوات عدة، وبدأ الكرد يعدون انفسهم شركاء فى العملية السياسية فى البلاد رغم بقاء بعض المشاكل مع الحكومة فى بغداد، ناهيك عما تحقق لهم من مكاسب فى الدستور العراقى، وأصبحت أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، مركزا لعقد الاجتماعات والاتفاقيات بين القوى السياسية العراقية، وأبرمت العديد من الاتفاقيات على يد الكرد حتى يومنا هذا.
معلومات عن الكاتب:
د.على صالح حمدان.. أستاذ بجامعة دهوك وزاخو بالعراق، حصل على الدكتوراه فى أطروحة بعنوان «الحركة الوطنية فى كردستان - سوريا 1946-1970» ثم حصل على الدكتوراه الثانية عام 2014 عن «الدور الأمريكى فى المفاوضات السورية الإسرائيلية إبان إدارة بيل كلينتون 1993-2001». كتب العديد من الدراسات المرجعية حول تاريخ الشرق الأوسط بالإضافة إلى العديد من الكتب.. يتناول، هنا، الدور الكردى فى تاريخ العراق حتى يومنا هذا.
لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي: