سفراء الدول الغربية طالبوا بتقاسم السلطة مع الإخوان ومنحهم منصب رئيس الوزراء رغم سقوطهم الرهيب فى انتخابات البرلمان
الحديث حول القاعدة الدستورية فى ليبيا ليس للبحث فى نصوص قانونية نجرى وفقها انتخابات نزيهة وشفافة وفقا لكلشيهات الدعاية الغربية، بل للبحث فى آليات تمكنها من إضفاء شرعية لعبثها بليبيا.
الأزمة الليبية تشهد تعقيدًا متزايدًا، ليس لأسباب ذاتية فيها بل نتيجة تدخلات ما يسمى المجتمع الدولى.
من الأساس كان التدخل الأجنبى الذى تغطى بقرارات دولية مررت بالخديعة فى ظل حملة دعائية واسعة بنيت على أكاذيب تحت عنوان أن النظام يبيد شعبه، دمر مدن وقرى بالطائرات، فصدرت قرارات جائرة تحت ذريعة حماية المدنيين، وقت صدور قرار مجلس الأمن كان عدد القتلى يحصى ببضع عشرات، تم قتلهم برصاص إرهابيين تسللوا بين متظاهرين فى مشهد مسرحى صمم لتأجيج الرأى العام الخارجى وليس الداخلى لأن الأخير يعيش الحقيقة، فأدت إلى التفاف شعبى منقطع النظير مع القيادة الوطنية وتطوع عشرات الآلاف من الشباب للدفاع عن الوطن، وقبل أن يتم التصويت على القرار ١٩٧٣ بساعات كان الطيران الفرنسى وقوة الناتو الجوية وطيران دول عربية متحالفة يشن غارات قوية على ليبيا من بنغازى إلى طرابلس! عند انتهاء عمليات الناتو - المصممة دعائيا لحماية المدنيين - تجاوز عدد القتلى من المدنيين الأبرياء عشرات الآلاف.. قتلت عائلات بأكملها ودمرت مستشفيات وجامعات، لكن الأسوأ كان تمكين الارهابيين من تنظيم القاعدة وداعش والإخوان المسلمين من السيطرة على مقاليد الدولة!.
فى ليبيا، كان الشعب يدرك تمامًا أن هدف التدخل الغربى لم يكن إطلاقًا تعاطفًا مع الليبيين بل كان لإعادة استعمارها والسيطرة على موقعها الإستراتيجى ونهب ثرواتها، أما العالم فلقد خدع بالدعاية الواسعة والمركزة.
وكعادة الاستعمار، عين الغرب سلطة تحت مسمى المجلس الانتقالى تكون أغلبه من مواطنين من دول غربية أصولهم القديمة ليبية، ومن آخرين مجهولين وأسماء أكثرها سرية وغير معروفة إلى اليوم، اعترف الغرب بالمجلس وقدم له الدعم السياسى وفرض على كل دول العالم الاعتراف به، تبنى المجلس إعلانا دستوريا كان قد أعده الإخوان فى سنوات سابقة وأصدره مرفقا بخارطة طريق إنشائية لإنشاء دويلة عميلة تابعة أطلق عليها اسم دولة ليبيا تيمنًا بأسماء دويلات داعمة له !
بعد استشهاد القائد الأعلى والقائد العام للجيش الليبى فى أكتوبر ٢٠١١، أعلن انتهاء فصول مسرحية التحرير بقيام الفرنسيين وقيادات دولة أخرى باغتيال القائد ورفاقه وتنفيذ مذبحة فندق المهارى الرهيبة التى قتل فيها مئات الأسرى بدماء باردة وعلى الهواء فى بث مباشر لعديد من القنوات !
شكل المجلس الانتقالى حكومة من قيادات الجماعات الإرهابية والإخوان التى نفذت حملات قمع رهيبة وصدرت قوانىن إقصائية منها العزل السياسى والنزاهة والحراسة وتمجيد النظام وغيرها !
فى ظل هذه الظروف المرعبة أجريت انتخابات فى يوليو ٢٠١٢ على قاعدة الإعلان الدستورى، وبقانون إنتخاب غريب عجيب أصدره المجلس الانتقالى، تضمن بالخصوص منع مؤيدى النظام من الترشح والانتخاب وفقًا لنصوص القوانين الإقصائية، وأيضًا فى حالة خلو مقعد الفائز فى الانتخابات يحل محله الذى يليه فى عدد الأصوات ولا يعوض بانتخابات فرعية أو تكميلية!.
لقد توهم الإخوان والتنظيمات الارهابية ومن ورائهم فى الغرب أنهم سيكتسحون الانتخابات، لكن فى يوليو ٢٠١٢ نجح من تمكن من التصويت من الليبيين بنسبة لم تتجاوز ١٧٪ ممن يحق له التصويت، من تبديد ذلك الوهم، ولم يتمكن المتسترين بالإسلام من تحقيق أغلبية بل نجح التحالف الوطنى المعارض لهم فى تحقيق أغلبية ساحقة فيما سمى المؤتمر الوطنى، فلجأ الإخوان ورعاتهم الغربيين إلى تفعيل الشق الثانى من القانون حيث مارسوا الضغوط على أعداد كبيرة من الفائزين وأجبروهم بالقوة على ترك مقاعدهم واستبدالهم بالإسلاميين المتطرفين، وما هى إلا أسابيع قليلة حتى شكلوا الكتلة الأكبر فى المؤتمر!.
فى نفس الوقت، اشتد الطغيان المليشياوى وتوسعت دوائر البطش بالناس، فتصاعدت حالة الرفض الشعبى للمؤتمر وسياساته، ورفضت فكرة التمديد فاضطر مكرهًا لتشكيل لجنة أسماها لجنة فبراير وضعت قاعدة دستورية لانتخاب جسم جديد!.
وهكذا أجريت فى يونيو ٢٠١٤ انتخابات لمجلس النواب أيضًا فى ظل القوانين السارية، لكن الشعب كان فى الموعد فرغم سياسة الضغط والترهيب إلا أن التيار الإسلامى المتطرف خسر الانتخابات وتمكن فقط فى الفوز بـ١٢ مقعدًا من مجموع ٢٠٠.
لم يعترف الإخوان وجماعتهم ومن ورائهم بنتائج الانتخابات، وطالبت السفيرة الأمريكية ديبورا جونز وسفراء الدول الغربية بضرورة تقاسم السلطة معهم ومنحهم وظيفة رئيس الوزراء.
نتيجة الظروف الأمنية فى طرابلس، عقد مجلس النواب اجتماعًا فى طبرق حضره ١٨٨ نائبًا وقاطعه ١٢ نائبًا وشكل المجلس إدارته وباشر فى تشكيل حكومة.. هنا تدخل الغرب ورفض الاعتراف بقرارات مجلس النواب وفرض حوارًا بين المجلس والقلة المقاطعة، وجاء بان كى مون أمين الأمم المتحدة وقتها شخصيًا ليشرف على الحوار فى غدامس، لكن الأمر كان مدبرًا بليل فتحول لقاء غدامس إلى الدخول فى متاهة دامت سنوات وانتجت اتفاقًا سياسيًا وسلطة عينها مبعوث الأمين العام برناردينيو ليون فى ما عرف باتفاق الصخيرات!! وكان المفترض أن يقود الاتفاق الى سلطة واحدة وإجراء انتخابات فى ديسمبر ٢٠١٧، لكن ما حدث انقسام سياسى عميق، وأُرجئت الانتخابات إلى ٢٠١٨ لكن العام مر كسابقه، وفى بداية ٢٠١٩ عقد اجتماع فى فرنسا اتفق فيه على انتخابات وعقبه لقاء آخر فى باليرموا حتى وصلنا إلى حوار برلين وجنيف وتونس وتقرر أن تجرى انتخابات فى ٢٤ ديسمبر ٢٠٢١، أصدر مجلس النواب إعلان العملية الانتخابية وتقدم المترشحون حتى وصل مائة للرئاسية وقرابة ٦٠٠٠ للنيابية ووزعت بطاقات التصويت حتى يوم ٢١ ديسمبر حيث أجل التصويت دون سبب لمدة شهر، وفى ٢٤ يناير ٢٠٢٢ قال رئيس المفوضية إن الانتخابات أرجئت نتيجة قوة قاهرة، مجهولة إلى الآن !!
معلومات عن الكاتب
د. مصطفى محمد الزائدى.. سياسى ليبى، تولى سابقًا منصب وزير الصحة، وكان نائب وزير الخارجية 2011، أمين الحركة الوطنية الشعبية الليبية.. يستعرض، بالمعلومات الدقيقة، تدخلات الغرب لمنع الليبيين من إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وإصراره على منح سلطات معينة لجماعة الإخوان، رغم الرفض الشعبى لها وسقوطها المدوى وفق ما أفرزته إنتخابات برلمانية سابقة.
خلاصة القول طيلة هذه الفترة لم يكن الاختلاف على القاعدة التى تجرى وفقها الانتخابات بل حول نتائجها، حيث يريد الغرب أن يكون الإسلاميون لاعباً رئيسياً فى ليبيا مهما تدنت شعبيتهم !!
لذلك لم يتفاجأ الليبيون بالجدل حول القاعدة الدستورية فهم يدركون ليس المقصود الخلاف حول نصوص قانونية أو سياسية بل حول النصوص التى تمنع هذا الطرف وتسهل إجراءات ذلك الطرف، فالخلاف حول النتائج !
الغرب أيضا يدرك تماماً أن أى انتخابات ستفرز قيادة جديدة لن تكون أداة لخدمة مصالحه، لذلك يعمل بكل الوسائل لمنع إجراء انتخابات إلا وفق قاعدة تضمن فوز عملائه بها!.
لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي: