أوروبا تخاطر بالموت إذا لم تقبل العالم الجديد متعدد الأقطاب
الأفارقة فى صدمة من رؤية مليارات تمطر على أوكرانيا بينما تبتعد الأنظار عن صعوبات استكمال ميزانية القوة المناهضة للجهاديين فى دول الساحل
متمتعًا بمساندة موقف «الجنوب العظيم» الذى يرفض الانضمام إلى الانتقادات والإدانات الغربية من خلال إظهار حياد حذر مثل الصين أو الهند أو حتى إندونيسيا أو إفريقيا أو دول الخليج أو أمريكا اللاتينية، يستعد فلاديمير بوتين لحرب طويلة فى أوكرانيا.
عندما نفكر فى ذلك نتأمل ما قاله هوبرت فيدرين بطريقة واضحة وقوية: «لن نجد أبدًا ما عرفناه منذ ثلاثة أو أربعة قرون، من حيث هيمنة الغرب على العالم بأسره. يجب أن نتكيف مع نظام عالمى جديد لم يعد فيه الغربيون هم الذين يحتكرون السلطة. وبالنسبة للكثيرين، إنه أمر مروع ومقلق».
الانفصال عن أحادية واشنطن
تقوم روسيا والصين والهند وتركيا وإيران بحملات من أجل عالم متعدد الأقطاب ولتعزيز نظام عالمى جديد. وبالتالى، تريد هذه الدول الانفصال عن الأحادية التى تفرضها واشنطن. ومع ذلك، من الواضح أن الدول الأفريقية ليست غير حساسة تجاه ذلك، فكلما كانت أفضل تصل إلى الهدف مثل جنوب إفريقيا أو الجزائر.
فى وقت مبكر من عام ١٩٩٧، فى عهد بيل كلينتون، صنف زبيجنيو بريجنسكى الصين على أنها العدو الرئيسى فى المستقبل ودعا إلى تعزيز المعاهدات مع الغرب بجعله تابعًا لإضعاف روسيا. وليس صدفة أن ينجح بريجنسكى فى تسليط الضوء ببراعة على الهوس الأمريكى بتجزئة أوراسيا وتقسيم أوروبا الغربية باستخدام أدواتالتهديد الروسى كموجه لإضعاف دائم لكل الأوروبى، حيث صور ذلك بأسلوب متقن فى كتابه الذى كان عنوانه «رقعة الشطرنج الكبيرة».
ماذا عن الهند؟
ألم يلاحظ جايشانكار وزير خارجية الهند فى كتابه «طريق الهند»، الذى نشر قبل الحرب مباشرة، ضعف أمريكا ووهنها فى الفترة الأخيرة؟
فى الواقع، توصل إلى استنتاج مفاده أن المواجهة بين الصين والولايات المتحدة لن يفوز خلالها أى من البلدين، ولكنها ستعطى مساحة لدولة مثل الهند، وللعديد من الدول الأخرى للتحرك، وفى هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن حصة التجارة بين روسيا والهند قد زادت بشكل كبير.
فى الواقع، ارتفعت مبيعات شبه القارة الهندية من ١٪ إلى ١٨٪ من مبيعات النفط الروسية. وهذا الأمر لا يعود تاريخه إلى الحرب فى أوكرانيا. علاوة على ذلك، فى نهاية عام ٢٠٢١، شكلت الصادرات الروسية غير النفطية بالفعل ٤٦.٥٪ من تجارتها مع الهند.
فيما يتعلق بالأفارقة، فإن التصويت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذى تم فى ٢ مارس ٢٠٢٢، للمطالبة بسحب القوات الروسية من أوكرانيا له أهمية خاصة بالنسبة للقارة الأفريقية، حيث يبرز التناقضات بين تطلعات الدول الأفريقية إلى الحكم الذاتى الاستراتيجى والتعاطف مع بلد أوروبى مهاجم يدعى إنضوائه تحت المعسكر الغربى.
قال رئيس النيجر السابق محمد إيسوفو: «يصدم الأفارقة أن يروا المليارات تمطر على أوكرانيا بينما تبتعد الأنظار عن الوضع فى منطقة الساحل». وأشار إلى التناقض مع الصعوبات التى واجهتها فى استكمال ميزانية حوالى ٤٠٠ مليون يورو للقوة المشتركة المناهضة للجهاديين التى أطلقتها فى عام ٢٠١٧ المنظمة الإقليمية G٥ الساحل (موريتانيا ومالى وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد). ولماذا تكون المخاوف الأفريقية بشكل منهجى أقل شرعية من مخاوف الغرب؟
فى الوقت الحالى، لم ينس الأفارقة بالتأكيد كيف أطاح الغرب بالعقيد القذافى من السلطة فى عام ٢٠١١، والفوضى التى أعقبت ذلك فى ليبيا.
فى هذا السياق الدولى، تأتى قضية «نزع دولرة» الاقتصاد العالمى، وهى القضية التى استعرضنا تفاصيلها فى عدد الإثنين الماضى، على النحو الذى يمثل مرحلة «أفول» الدولار، بعد الاتفاق بين دول عديدة على التعامل فى تبادلاتها التجارية بعملات أخرى، أهمها الروبل الروسى، واليوان الصينى، والريال الإيرانى.. إلخ.
فقد تم تحديد استراتيجية «إزالة الدولرة» من الاقتصاد العالمى التى نظمتها موسكو بشكل خاص على هامش المنتدى الاقتصادى الشرقى فى فلاديفوستوك الذى انعقد فى الفترة من ١١ إلى ١٣ سبتمبر ٢٠١٨.
فى الوقت نفسه، أعلنت أنقرة أنها تتفاوض أيضًا مع موسكو لتحرير نفسها من الدولار الأمريكى، واتفق العراق مع إيران على «شطب الدولار من قائمة العملات التى تستخدمها الدولتان فى تعاملاتهما التجارية». وفى مايو ٢٠١٨ أطلقت الصين أيضًا عقودًا آجلة للنفط الخام مقومة باليوان الصينى وقابلة للتحويل إلى ذهب.
العالم يدخل مرحلة جديدة فى ظل الحرب فى أوكرانيا.. وأصبح من الواضح أن أوروبا يجب أن تقبل هذا العالم متعدد الأقطاب، وإلا فإنها تخاطر بالموت.
معلومات عن الكاتب
أوليفييه دوزون.. مستشار قانونى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى. من أهم مؤلفاته: «القرصنة البحرية اليوم»، و«ماذا لو كانت أوراسيا تمثل الحدود الجديدة؟» و«الهند تواجه مصيرها».. بتناول فى مقاله، العواقب التى تنتظر الغرب فى ظل «التدافع» المحموم نحو أوكرانيا دون النظر لمستجدات كثيرة تدور حولنا فى العالم.
لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي: