فى ظل التضامن العربى فى أعقاب الزلزال الرهيب تنوى دمشق الاستفادة من هذا الوضع لجنى مكاسب دبلوماسية
فى أعقاب الزلزال الرهيب الذى دمر شمال سوريا، سافر بشار الأسد إلى مسقط. وعن طريق انتهاجها وارتباطها بسياسة الوساطة وعدم التدخل، لم تتوقف عُمان أبدًا، حتى فى خضم الصراع، عن الحملات من أجل إعادة دمج دمشق فى الفضاء السياسى الإقليمى.
فى ظل التضامن العربى فى أعقاب الزلزال الرهيب، تنوى دمشق الاستفادة من هذا الوضع لجنى مكاسب دبلوماسية. لذلك، قام الرئيس السورى بزيارة العاصمة العُمانية فى ٢٠ فبراير، للمرة الأولى منذ إثنى عشر عامًا. تعتبر عُمان وسيطًًا متحفظًًا ولكنه مهم على الساحة الدبلوماسية، وهى واحدة من الدول العربية النادرة، والوحيدة فى الخليج، التى حافظت دائمًا على علاقات دبلوماسية رسمية مع دمشق منذ بداية الحرب فى عام ٢٠١١ أما بالنسبة لبشار الأسد فهذه هى زيارته الرسمية الثانية إلى المنطقة بعد تلك التى قام بها إلى الإمارات العربية المتحدة فى عام ٢٠٢٢.
وخلال الزيارة الأخيرة، استقبل السلطان هيثم بن طارق نفسه رئيس الدولة السورية فى مراسم استقبال كبيرة وعظيمة، والتقى الرجلان فى قصر البركة العامر وناقشا المساعدات الإنسانية والتحديات الإقليمية، وقبل كل شيء عودة سوريا إلى الحضن العربى.
يمكن لدمشق بالفعل الاعتماد على الدعم المستمر للدبلوماسية العُمانية. علاوة على ذلك، أشاد بشار الأسد بـ"سياسات عُمان المتوازنة» خاصةً أن موقف السلطنة يحافظ على مبدأ توجيهى واضح المعالم فيما يتعلق بالأزمة السورية.
زار رئيس الدبلوماسية العُمانية العاصمة السورية فى نوفبمر الماضى وتحدث وزير الخارجية العُمانى بدر بن حمد البوسعيدى عن ذلك مع نظيره السورى فيصل المقداد وكذلك مع رئيس الدولة بشار الأسد واستعرضوا القضايا الإقليمية والدولية وأكدوا على الرغبة المشتركة فى تعميق التبادل فى المجالات كافة بين البلدين. كما شكره رئيس الحكومة السورية على ثبات سياسة عُمان الإقليمية، ومن جانبه، سلم رئيس الدبلوماسية العُمانية بنفسه، أثناء تلك الزيارة، رسالة من السلطان هيثم بن طارق لتقديم أطيب تمنياته للشعب السورى.
إعادة سوريا مجددًا للعرب
هذه هى المرة الثانية فى عام ٢٠٢٢ التى يزور فيها بدر بن حمد البوسعيدى دمشق. فى يناير، وصف سوريا بأنها «حجر الزاوية فى العمل العربى المشترك» وقال إن «كل الأشقاء العرب ما زالوا يتطلعون إلى اللقاء مع سوريا وعودة التماسك العربى إلى وضعه الطبيعي». ورد الرئيس الأسد: «ما ينقصنا كعرب هو إرساء أسس منهجية للعلاقات السياسية وإجراء حوارات موضوعية مبنية على مصالح الشعب» وعلى الرغم من الاضطرابات الإقليمية، يحافظ البلدان على علاقات مستقرة وثابتة. فى مايو الماضى، سافرت وزيرة الثقافة السورية لبانة مشوح إلى عمان لتعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين.. وعلى هذا النحو، يعرض المتحف الوطنى للسلطنة ما لا يقل عن ١٧٥ قطعة أثرية سورية.
على عكس سياسات بعض الدول العربية الأخرى تجاه دمشق، ظلت سلطنة عُمان ملتزمة دائمًا بسياستها المتمثلة فى التوسط فى النزاعات الإقليمية. على الرغم من تقليص وجودها الدبلوماسى، فهى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى حافظت على علاقاتها مع سوريا خلال الحرب. فى أكتوبر ٢٠٢٠، أعادت عُمان سفيرها إلى دمشق. علاوة على ذلك، كان السلطان هيثم بن طارق أول زعيم خليجى يهنئ الأسد على إعادة انتخابه فى عام ٢٠٢١. وفاءً لسياسة الانفتاح والحوار، لم تشارك سلطنة عُمان فى التدخل بهدف زعزعة استقرار سوريا الأسد، وظل السلطان السابق قابوس بن سعيد ملتزمًا بدبلوماسيته غير التدخلية.
لذلك يبدو أن عُمان هى أحد الداعمين العرب الرئيسيين لسوريا، والآن تقوم مسقط بحملة إلى جانب القاهرة والجزائر العاصمة وأبو ظبى لعودة دمشق إلى الحكم العربى. علاوة على ذلك، لعبت السلطنة دورًا مهمًا فى إعادة فتح سفارتى البحرين والإمارات العربية المتحدة فى سوريا. خلال رحلته إلى عُمان فى مايو، أصر رئيس الدبلوماسية الروسية سيرجى لافروف على أن تستمر السلطنة فى لعب دور مهندس التطبيع السورى. لكن بالنظر إلى الانقسامات المتبقية فى الملف السورى، لم تستعد سوريا حتى الآن مقعدها داخل جامعة الدول العربية.
حليفى هو حليفي
حتى فى قلب الصراع، لطالما فضلت مسقط الحل الدبلوماسى والإنسانى. وفى سعيها للاستفادة من هذا الحياد، أرسلت دمشق وزير خارجيتها إلى عُمان فى عام ٢٠١٥. وكانت هذه أول رحلة لرئيس الدبلوماسية السورية فى الخليج منذ اندلاع الأعمال العدائية عام ٢٠١١.
يمكن تفسير سياسة عُمان تجاه سوريا جزئيًا من خلال علاقاتها مع دول الجوار. فهى دولة على الحدود مع المملكة العربية السعودية ولكنها أيضًا جارة قريبة لإيران، وقد حافظت عُمان دائمًا على علاقات جيدة مع طهران والرياض حتى خلال الأزمات الدبلوماسية بين الخصمين الإقليميين. هذه البراجماتية السياسية طويلة الأمد، حيث تحاول عُمان بطريقة ما الحفاظ على حيادها، ويرتبط هذا الحياد التاريخى بشكل خاص بالعامل الدينى العُمانى. الطقوس الإباضية، التى تمثل التيار السائد فى عُمان، تدعو إلى خطاب سلمى بعيد عن الخلافات المذهبية بين الشيعة والسنة. فى جميع الأوقات، رفض الإباضيون المشاركة فى النزاعات الإقليمية. هذا التراث المتجذر فى الدستور العُمانى تم التحقق منه تمامًا فيما يتعلق بالصراع السورى. بالنسبة لدمشق، فإن دور مسقط فى الوساطة لا يستهان به وقد يؤتى الدعم الدبلوماسى العمانى وممارسة الضغط من أجل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية ثمارًا واضحة، وقد تصبح عُمان فى الواقع الوسيط المثالى بين النفوذ الشيعى الإيرانى والنفوذ العربى السنى على الأراضى السورية.
معلومات عن الكاتب
ألكسندر عون.. صحفى فرنسى من أصل لبنانى متخصص فى قضايا الشرق الأوسط.. يتناول الجهود العربية من أجل عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وذلك وفق ما تشير إليه وقائع عديدة فى الفترة الأخيرة، خاصةً عقب الزلزال المدمر.
لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي: