تحتفي الكنيسة الكاثوليكية اليوم الأحد، بذكري وفاة الطوباوي أرميا من فالاشي
وولد جيوفاني كوستيك في 29 يونية 1556، في بلدة ساكسو من إقليم فلاشيا ( مولدافيا السفلى)- رومانيا.
كان أبوه المزارع ستويكا كوستيست، وأمه مرجريت بارباتو مسيحيين كاملين وكانا يسهران بعناية لحفظ إيمان الصغير المعرض للإنطفاء في ناحية اجتاحتها الهرطقة، لذلك عائلة كوستيك المؤلفة من الأبوين ومن سبعة أولاد، كانت معتبرة كعائلة مثالية.
كان ستويكا حنون القلب يفتح يده دائما لتوزيع خبز المحبة على الفقراء، والله كافأه بتكثير الخبز في معجنه والحبوب وكافة المؤونة لديه، والأم لم تكن أقل فضيلة من زوجها بل كانت له نعم المنافسة وسوف تظهر لابنها بعد موتها وتقول له:" يابني يابني العزيز اشكروا الله عني، وأنا صاعدة الى السماء لأنني حفظت الناموس الإلهي وحفظت أيضا بلا عيب الإيمان المسيحي وسط الهرطقة".
وتعاليم الأبوين المسنودة بمثل هذه الأمثال كانت تحدث في نفس الولد ثماراً عجيبة. ولما بلغ الثانية عشرة عمل مع أبيه في حراثة الحقول وحراسة القطعان، فجعل يقتدي بأمثال ابيه ويعطي الفقراء القسم الأكبر من طعامه.
وعندما كبر جعل يساعد المسنين ويخفف أتعابهم بالعمل لأجلهم. لم يحبذ الجميع سلوكه بل كان رفاقه يهزؤون به وسكان ساكسو يعتبرونه معتوهاً، لكنه دوام أعماله الخيرة وكان يتجنب الناس ويمارس بدوام كافة الصلوات.
وفي أحد الايام ظهر له شيخ جليل، وقال له :" يابنى أمامك سفر طويل يجب تتميمه لكن تحت سماء أرحم من هذه، ستتقلد خدمة سيد كلى الاقتدار، فتهيأ لخدمته بسرعة قلب، أنه تعالى سيكافئ خدماتك فتذوق سعادة لا يمكن العالم أن يقدمها".
فهم جيوفاني أن الله يدعوه الى الحياة الرهبانية ، ففاتح أمه أولاً وهي بدورها شجعته بحرارة ، لكن قالت له :" لا تترهب في فلاشي حيث الرهبان لا يحققون هدف الرهبانية الجميل ، بل في إيطاليا".
فغادر جيوفاني بلده رومانيا سراً، وفى الطريق سلبه السارقون أمتعته ودراهمه، فتابع طريقه متكلاً على العناية الإلهية، لكن كم من المحن ألمت به! بل كانت سفرته ملحمة حقيقية.
ذهب يقرع باب دير الرهبان الكبوشيين ، فقا له البواب :" ماذا تريد ؟" فرد عليه قائلاً أن أخلص نفسي ، فقبلوه في الابتداء وأرتدي الثوب الرهباني واعطوه اسم ارميا، ولما ابرز النذور الرهبانية عينوه طباخاً لدير سسافيكيا فسافر ماسوفاً عليه من الجميع لأنهم كانوا يعتبرونه ملاكاً .
قام بخدمته قياماً نال رضى الجميع، كان يرى يسوع في شخص رئيسه ويرى الرسل في باقي الرهبان.
أن التأمل الحي في آلام يسوع كان يبقيه في حرارة كبيرة وفى هذه الأوان كان الشيطان يشن حروباً عليه ، فيوقظ فيه تجارب جسدية هائلة ويريه مشاهد شهوانية في مخيلته.
وفي أحد الليالي كان هذا المصارع الجرئ خارجاً من الكنيسة، فظهر خيال مريع وقال له هاتفاً :" أنا صديق الدنس أشهر أمام الشبية سلاح الفساد واسمى الروح الدنس، كم من الذين يرغبون العيش في الفضيلة فأوقعتهم . أما أنت فبالرغم من جميع إغراءاتي قد رفضتني دائماً ورذلتني "، فأجابه الأخ ارميا "يجب أن تكون شيئاً جميلاً لأن كل واحد يحتقرك وأن مخلوقاً ضعيفاً مثلي أنتصر على قوتك المزعومة، ومن الآن فصاعداً لن أخافك ابداً، فالذى حماني الى الآن، هو قادر أن يدافع عني ايضاً ".
ثم عاد الأخ ارميا الى الكنيسة وخر على وجهه أمام القربان المقدس وشكر الرب على هذا الانتصار الذي حازه، أن محناً أخرى مؤلمة للغاية أضيفت الى هذه المحنة، كآبه النفس ويبوسة الروح استوليا عليه مدة سنين عديدة وتركت لقلبه المحب عذابات لا تحصى. أرسلوه من سسافيكيا الى دير نابولي ليمارس خدمة ممرض . هناك محبته العذبة تجاه الجميع تحولت الى أعمال بطولة متواصلة في خدمته.
أرسله الى دير سانتي افرام ليحرث البستان، ما كاد يصل الى الدير حتى باشر عمله وصارت الأرض جاهزة للزراعة .
فرجع الى دير نابولي فخدم أحد الرهبان اسمه مرتينوس فقدم له كل عناية رغم القرف الشديد، كان جسم المريض جرحاً واحداً من الرأس الى القدمين وكانت تفوح من جرحه رائحة كريهة خانقة وما كان بقدر الأطباء والممرضون على الاقتراب من قليته إلا وبيدهم دواء مطهر قوي.
وكان هذا الراهب المسكين يطلب صلاة كل إخوانه الرهبان لعل أوجاعه تخف: لكنه لم يفلح لكن طلب من الأخ ارميا وصلى لأجله فشفى للحال.
كان الأخ ارميا سمع صوتاً يلومه قائلاً :" قد غلطت يابنى فاذهب إلى أمام القربان وبقلب منسحق متواضع أطلب من يسوع الصفح عن صلاتك العديمة الفطنة وقل فقط :" لتكن مشيئتك يارب ".
وكانت إرادة الله أن تعود الى الراهب مرتينوس عذاباته فما كاد الأخ ارميا ينهى صلاته حتى عاد الراهب الى ما عليه من الجراح والوضع فأوكلو به ممرضه الذي اعتنى به الى الموت. ان هذا الراهب القديس كان للجميع ممرضاً مثالياً وكانوا يسمونه يد المرضى اليمنى. كانت محبته تنتشر خارج الدير ايضاً. كانت يداه مزينتين بلطف الأم للعناية وشفتاه تقطران التعزية. بعد المرضى يأتي الفقراء، وكان يعطيهم لقمة فمه ويرضى الجميع بهم ، يوصى المتسول البواب والبستاني ليكونوا كرماء. كان يذهب يقرع أبواب الأغنياء ويصيح في الساحات قائلاً:" ياسكان البلدة الأعزاء، هذه سنة ربح الفردوس، تذكروا أنكم تصنعون مع المسيح ما تصنعونه مع الفقراء أعضائه. أعطوهم الخبز فتأخذوا السماء بدل الخبز". ولأجل المساكين اقام مخزن توزيع، وكان يشرك في أعماله الخيرية الشباب الكثيرة التي كانت صديقة له وبواسطته صارت هذا الشباب ممولة التعساء والحبساء وذوي الحاجات.
و في الدير أسس مدرسة، ان جوقة من الرهبان الحارين اتخذوه معلماً لهم وامتازوا للحال عن باقي الرهبان وكان يقولون:" هذا الراهب من مدرسة الأخ أرميا". كان يحث تلاميذه ليذهبوا ويتلوا فرض نصف الليل ويقول لهم ان الفرض الإلهي أفضل شيء يقدم لله بعد ذبيحة المذبح. كانت صلاة الأبانا صلاته المفضلة ولها في فمه مفعولاً مطلقاً. وكان يصلي بشديد الحرارة من أجل النفوس المطهرية. والعذراء نفسها التي كان يكرمها كثيراً تنازلت وظهرت له.
وفي أحد الليالي كان غارقاً في الصلاة ، فسطع بغتة نور جليل على المذبح وفى وسط النور ، ظهرت العذراء مريم وكانت تخرج من وجهها ابهى أنوار تبهر نور الشمس وشعرها العريض كان مسترسلاً على كتفيها. لم يكن تاج على راسها بل ابنها الإلهي على يمنيها. وكانت ملتحفة برداء أبيض من الثلج تكتنفه نجوم لامعه. عند هذا المنظر تساقط الأخ ارميا على الأرض ولم يجسر أن ينظر الى هذه الرؤيا العجيبة. لكنه سمع صوتاً يقول له :" أنظر إلي" فأجاب الأخ أرميا مرتجفاً :" ملكة السماء والأرض لم تعد عندي قوة فهلمي إلى مساعدتي " أجابت العذراء :" أنهض وأنظر إلي ، حينئذ نظر الأخ أرميا إليها وقال :" لماذا ليس على راسك إكليل وهاج ! أجابت" إن إكليلي هو إبني أما أنت أيها الأخ ارميا فعلم الناس أن يتلوا تسع مرات بتلاوة الصلاة " السلام عليك ايتها الملكة أم الرحمة والرأفة، وذلك إكراماً للشهر التسعة التي فيها حملت ابن الله في احشائي : ثلاث مرات للخطأة وثلاث مرات للمنازعين وثلاث مرات للنفوس المطهرية" قالت هذا واختفت.
فأجبروا الأخ ارميا أن يوحى للمصور لينسخ الرؤيا طبق الأصل ووزعوا الصور وأطلقوا عليها اسم صور الأخ أرميا.
وكان أيضا مكرماً للقديسين بطرس وبولس والملاك ميخائيل، والقديس فرنسيس الأسيزي . وماذا نقول عن حبه ليسوع، كان يصوم إكراماً له كل نهار جمعة على الخبز والماء ما عدا الجلد الدامي والمسوح المريعة التي يلبسها ونشر عبادة مسبحة الآلام وأطلقوا عليها اسم مسبحة الأخ أرميا وتقوم بتلاوة ثلاث وثلاثين مرة " الابانا" وفى النهاية تتلى صلاة كتبها الأخ ارميا.
بين كل العبادات، أهمها كانت عبادة سر القربان. كان يحضر القداس الإلهي راكعاً دون حراك وعبادة سر المذبح هي علامة وختم حياته الرهبانية التي كانت تنمو حول بيت القربان، لما كان يخرج الى المدينة، كان يتوقف في الكنائس واثناء الصلاة يبان غارقاً في الانخطاف الروحي العميق. وما كان ألذه مع الأولاد! ان قفته مليئة دوماً من المأكولات. وحالما الأولاد يلمحونه كانوا يسرعون إليه. قبل التوزيع كان الأخ أرميا يعلمهم أصول التعاليم المسيحية، حتى أن الكهنة كانوا يقولون:" عندنا الأخ ارميا يساعدنا بتعليم أولاد رعيتنا. كان لطيفاً مع الجميع إلا مع نفسه، يعامل جسده بكبير القساوة وإذا عملوا له ملاحظة في هذا الأمر، يجيب ليس الجسد إلا كيس دود. وقام بعمل أعاجيب كثيرة. وذات يوم في المساء اصابته حمى شديدة، فدعي الطبيب بسرعة وأعلن أن المرض مميت. وبما انه كان معتبراً جداً أرسل الاسياد الأغنياء والسيدات الكبيرات طبيبهم الخاص ويمكن القوم ان المدينة باسرها أتت تزوره وكان يعطي كل واحد المشورة اللازمة. وإذ علم بقرب ساعته الأخيرة. اعترف اعترافاً عاماً لدي معرفة الاب متى من نابولي وقبل الزاد الأخير.
الي ان توفي في مثل يومنا هذا في الخامس من مارس، وعمره 79 سنة، واحتشدت الجماهير الغفيرة حول جثمانه والتزم الواعظون أن يتركوا الوعظ لعدم وجود من يسمع والتزموا أن يسرعوا إلى رجال الأمن حتى يبقوا النظام.
وكان المأتم كحفلة انتصار. وكثرت النعم والعجائب الباهرة حتى أنه بعد موته بسنتين في 26 سبتمبر 1627، التزموا أن يدرجوا دعوة تطويبه، تم تطويبه، وهو أول روماني، في 30 أكتوبر 1983 من قبل البابا القديس يوحنا بولس الثاني.