احتفل البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، اليوم بالقداس الإلهي على مذبح كاتدرائية الروح القدس، في حيّ الحميدية – حمص، سوريا.
وخلاله قام برسامة الخوراسقف يعقوب إدور مراد مطراناً رئيس أساقفة لأبرشية حمص وحماه والنبك وتوابعها، باسم "مار يوليان يعقوب مراد".
في بداية القداس، سار البطريرك من أمام مدخل مطرانية حمص وحماه والنبك وتوابعها بموكب حبري مهيب امتدّ في باحة المطرانية التي اكتظّت بالجماهير الغفيرة الذين نُصِبَت لهم الشوادر على امتداد مساحة الباحة، وصولاً إلى كاتدرائية الروح القدس. ودخل غبطته إلى الكاتدرائية شاقّاً حشود جماهير المؤمنين، يتقدّمه الشمامسة والكهنة ومطارنة الكنائس الشقيقة، ثمّ مطارنة كنيستنا السريانية الكاثوليكية، فالمطران المرتسم الجديد وهو مغطّى الرأس بخمار أبيض، ليعتكف وراء المذبح حتّى بدء رتبة السيامة الأسقفية.
عاونه في القداس والرسامة مار ديونوسيوس أنطوان شهدا رئيس أساقفة حلب، ومار فلابيانوس رامي قبلان المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي في أوروبا، والمطرانان اللذان اتّخذهما المطران المرتسم عرّابَين له، وهما: مار يوحنّا جهاد بطّاح رئيس أساقفة دمشق، ومار متياس شارل مراد النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية.
كما شارك في القداس والرسامة المطارنة: مار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار نثنائيل نزار سمعان مطران أبرشية حدياب – أربيل وسائر إقليم كوردستان، ومار يعقوب أفرام سمعان النائب البطريركي في القدس والأراضي المقدسة والأردن، ومار أثناسيوس فراس دردر النائب البطريركي في البصرة والخليج العربي، ومار يعقوب جوزف شمعي رئيس أساقفة الحسكة ونصيبين، ومار اسحق جول بطرس مدير إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية بدير الشرفة ومنسّق رعوية الشبيبة.
وشارك في القداس صاحبُ القداسة مار اغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع، وصاحبُ الغبطة يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك، وصاحبُ النيافة الكردينال ماريو زيناري السفير البابوي في سوريا.
كما شارك في هذه المناسبة مار تيموثاوس متّى الخوري مطران حمص وحماه وطرطوس للسريان الأرثوذكس، ويوحنّا عبدو عربش مطران حمص وحماه ويبرود للروم الملكيين الكاثوليك، وجاورجيوس أبو زخم مطران حمص للروم الأرثوذكس، وأنطوان شبير مطران اللاذقية للموارنة.
وكذلك شارك : من كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك: نيقولا أنتيبا النائب البطريركي في دمشق، وجورج خوّام مطران اللاذقية وطرطوس، وجورج مصري مطران حلب، ومار يوسف بالي السكرتير البطريركي ومدير دائرة الإعلام في بطريركية السريان الأرثوذكس، وأنطوان أودو مطران حلب للكلدان، ونقولا بعلبكي مطران حماه للروم الأرثوذكس، وعدد كبير من الآباء الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات والإكليريكيين، من كنيستنا السريانية الكاثوليكية ومن الكنائس الشقيقة، وجماهير غفيرة من المؤمنين، الذين ضاقت بهم الكاتدرائية وباحتها على رحبها، وقد حضروا بمحبّة كبيرة وشوق غامر لنيل بركة غبطته والمشاركة في هذه المناسبة، تتقدّمهم عائلة المطران الجديد، وبخاصّة شقيقته الأخت فيكتوريا مراد من راهبات القلبين الأقدسين، وأهله وذووه وأقرباؤه وأصدقاؤه من حمص وحماه والنبك ومن سوريا وخارجها.
كما شارك في هذه المناسبة عددٌ من المسؤولين المدنيين والعسكريين، وضيوفٌ من أصدقاء الطائفة. وخدم القداس ورتبة الرسامة الشمامسة الإكليريكيون وشمامسة وجوق كنيسة سيّدة النجاة في زيدل.
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى البطريرك موعظة روحية أعرب في مستهلّها عن الشكر الجزيل لجميع المشاركين "في بهجة أبرشية حمص وحماه والنبك وتوابعها، بسيامة رئيس أساقفتها الجديد يعقوب مراد، الكاهن والراهب، المعروف بروحانيته ومحبّته وشهادته للرب، وقد تعرّض في السنوات الأخيرة للخطف والتعذيب والتشرّد بسبب إيمانه، ونحمده تعالى لنجاته وعودته سالماً".
وشدّد على أنّنا "بالرغم من الخوف والقلق والمعاناة التي يعيشها المواطنون في سوريا بسبب الزلازل المريعة التي حلّت بحلب وريفها والعديد من المدن والقرى، وأنطاكية والإسكندرون، ومحافظة اللاذقية وحماه وغيرها، وضعنا رجاءنا بالمسيح الحيّ، كما سمعنا من رسالة بولس، وسنبقى شعب الرجاء الذي يضع ثقته كاملةً بالرب خالقنا ومدبّرنا. ثقتنا به لن تتزعزع لأنه المخلّص الذي يبلسم جروحنا، ويعزّي قلوب المبتلين بوفاة أحبّائهم، ويمسح دموع الحزانى، ويرافقنا بنعمه. وهو الذي أكّد لنا في إنجيله المقدس: "لا تخافوا، ها أنا معكم كلّ الأيّام حتّى انقضاء العالم!". لقد قهر الموت بذبيحته الطوعية على الصليب، وأشرق علينا بنور قيامته، تأكيداً على قيامتنا نحن من الخطيئة والموت".
ونوّه إلى أنّنا "نلتقي في كاتدرائية "الروح القدس" هذه، الشاهدة لإنجيل المحبّة والسلام، والشهيدة في سنوات العنف والإرهاب، كي نجدّد رجاءنا الراسخ يسوع، ونعلن أمانتنا الكاملة لكنيسته المقدسة، فهي الأمّ والمعلّمة. كما نؤكّد اعتزازنا بمن سبقونا من الروّاد المؤسّسين لهذه الأبرشية الغالية على قلوبنا، برعاياها ومؤسّساتها، وهي، كما تعلمون، من أوائل أبرشياتنا".
وأردف : "قبل خمسين سنة بالتمام، رافقتُ المثلَّث الرحمات مار ثيوفيلوس يوسف ربّاني، الذي كان من الموصل، وهو الذي عمل وأسّس هذه الأبرشية، رافقتُه من دير يسوع الملك (لبنان) إلى هنا، حيث قمنا بتشييعه إلى السماء. وبعد سيدنا ربّاني، تذكرون أنّ هناك رعاةٌ عديدون تعاقبوا على رعاية هذه الأبرشية، أولئك الذين تفانوا بصدق كي ينقلوا إلينا الإيمان بقلوب عامرة بالمحبّة والتآخي، ناشرين حضارة شعب أصيل، صفاتُه الإنفتاح على الجميع دون تمييز، والتعاون والإلفة والمحبّة، والتعلّق بالوطن الواحد الذي احتضنهم رغم النقائص والإعتداءات والتحدّيات، إن في أزمنة السلام والازدهار، وإن في أعوام العنف الأعمى والتجويع الظالم، اللذين فرضَتْهُما قوى الشرّ الظلامية. ومع كلّ هذه المعاناة والدمار في البشر والحجر، بقيت سوريا الحبيبة، ولله الحمد، مصونةً ورأسها مرفوع، واثقةً بمستقبل أفضل".
ووجّه الشكر إلى "المدبّرَين البطريركيين اللذين تعاقبا مشكورَين على رعاية هذه الأبرشية خلال فترة شغورها: حضرة الخوراسقف جرجس الخوري، أحد كهنتها، مار فلابيانوس رامي قبلان المعتمَد البطريركي لدى الكرسي الرسولي والزائر الرسولي في أوروبا الغربية، وقد بذل جهده لتأمين الخدمة الروحية في الرعايا، والحفاظ على حضور الأبرشية على الصعيدين الكنسي والمدني، والقيام بمسؤولياتها".
واستذكر الرعاية الصالحة التي أدّاها السلفان المباشران للمطران الجديد في رعاية هذه الأبرشية "الراحل مار ثيوفيلوس جورج كسّاب الراعي النشيط والهمام، ومار ثيوفيلوس فيليب بركات الذي قام برعاية هذه الأبرشية الغالية، بروح الأب والأخ، بالوداعة والتواضع والابتسامة، فاكتسب محبّة الجميع. وهما الآن شفيعاك لتتابع رسالة الأسقف الصالح والمتفاني".
واعتبر أنّنا "نرى واجباً علينا أن ننوّه بأنّ الرب قد اختارك بقرار من مجمع كنيستنا الأسقفي، كي تتسلّم أمانة الخدمة الأسقفية، في أبرشية توّاقة إلى أن تكون لها الأب الروحي الذي يقدّس النفوس بالأسرار الخلاصية والصلاة والصوم، والأخ الحنون والصبور، والمدبّر الحكيم. هو الرب القائل في إنجيله المقدّس: لستم أنتم الذين اخترتُموني، بل أنا اخترتُكم وأقمتُكم لتنطلقوا وتأتوا بثمار وتدومَ ثمارُكم".
وتطرّق إلى صفات الأسقف الصالح، منوّهاً إلى أنّ "الرب يختار الرب تلاميذه، لا لأنهم يتميّزون عن إخوتهم بمفاهيم العالم المغرور بإنجازاته العلمية والتكنولوجية، وتغييبه الله، واتّكاله الكلّي على المادّة، وليس من أجل كرامة دنيوية يتباهون بها، بل لأنّهم يمتازون بالوداعة والتواضع والإقرار بحكمته غير المدرَكة. يقيننا أنّك ستقبل نعمة الأسقفية بحرّيتك، بروح التفاني المثالي والعطاء المجّاني، لترعى وترشد وتبذل ذاتك في سبيل إخوتك وأخواتك في أبرشيتك، دون أيّ تمييز أو إقصاء. كما أنّك مدعوٌّ، بناءً على خبرتك المعهودة، في دير مار اليان في القريتين، أن تقيم العلاقات المسكونية الصادقة مع إخوتك أساقفة الكنائس الشقيقة، وأن تستمرّ بعيش الإنفتاح على مَن يقصدك، دون النظر إلى طبقته الاجتماعية أو طائفته أو دينه".
ولفت إلى أنّ على الأسقف الجديد أن يكون "مثالاً للمؤمنين بالكلام والسيرة، بالمحبّة والإيمان والعفاف، أي أن تكون القدوة للجميع في كلّ شيء، لإخوتك الخوارنة والكهنة، وللإكليروس والمؤمنين كافّةً، قدوة متجسّدة بالمثال الحياتي الصادق، وأن تحافظ على الأمانة الكاملة لتعاليم الإنجيل السماوية، وتغرف من تراث كنيستنا السريانية الأنطاكية العريق، وتغتني من كنوزها الروحية والطقسية التي لطالما أحبَبتَها وافتخرتَ بها".
وأشار غبطته إلى أنّ "الرب يسوع أرسل تلاميذه "ليروحِنوا" العالم، لا لكي ينقادوا إلى روح العالم. ولا أحدَ يتجاهل ما تجابهه الكنيسة اليوم من تعاليم هدّامة وهجمات شيطانية تسوّقها منظّمات وحركات في السرّ والعلن، ومن شكوك خارج الكنيسة وداخلها، واجتهادات وسلوكيات تناقض أخلاقيتنا المسيحية، وبشكل خاص حول العائلة التي هي الكنيسة البيتية والمكوَّنة من رجل وامرأة، من أب وأمّ وأولاد، بحجّة أنّ على الإيمان أن يرافق التطوّر الذي تتغنّى به العولمة، ممّا جعل خدمتنا الأسقفية محفوفةً بالمصاعب والأخطار. ولكنّ الرب وعد كنيسته أن يبقى معها حتّى انقضاء الدهر: "وأبواب الجحيم لن تقوى عليها"، كما جاء في الإنجيل الذي سمعناه".
وتناول الشعار الذي اتّخذه الأسقف الجديد لخدمته الأسقفية: "وَحِّد قلبي فأخافَ اسمك" (مزمور 86: 11)، مشيراً إلى أنّ هذا الشعار يشدّد أنّ على قلب الأسقف الجديد "أن يكون موَحَّداً بمحبّة الرب وقوّته، كي تجابه تحدّيات هذا الزمن، حيث العواطف تتشتّت، والعقل يتردّد. ولكن تشجّع: "تكفيك نعمتي"، بحسب قول الرب لبولس رسول الأمم"، مؤكّداً على مرافقة "المطران الجديد بصلواتنا الحارّة وأدعيتنا الصادقة، ونعاهده بمحبّتنا وتضامننا. فيبرهن بانفتاحه الإيجابي على الجميع، على اختلاف معتقداتهم وآرائهم وثقافاتهم، أنّه تلميذ يسوع، المستنير دوماً بأنوار الروح القدس، من حكمة وفهم ومشورة".
وختم غبطته موعظته باقتباسٍ من ابتهالٍ لأحد الآباء السريان عن صفات الأسقف وسموّ الكهنوت، سائلاً الله أن يجعل "خدمة المطران الجديد عَرفاً طيّباً وذبيحة شكرٍ لله الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، له المجد والشكر على الدوام" (تجدون النص الكامل لموعظة غبطته هذه في خبر آخر خاص على هذه الصفحة الرسمية للبطريركية).
وكان سيادة المطران مار فلابيانوس رامي قبلان قد ألقى كلمة عبّر فيها عن الامتنان لقداسة البابا فرنسيس الذي لا يكلّ ولا يتعب من ذكر اسم سوريا في نداءاته وصلواته، مشيراً إلى أنّ سفراء الكرسي الرسولي يطالبون برفع العقوبات عن الشعب السوري ليعمّ السلام في البلاد.