على خطى الجماعات الإرهابية المتطرفة، يسير حزب الله الشيعي الذراع الطولى في لبنان، لنظام الملالي الذي يحكم إيران، فمع التوترات التي تضرب كلا من سوريا والعراق، ولبنان، وجد حزب الله بقيادة حسن نصر الله الموالي لطهران، أنه بحاجة إلى الخروج من ذلك النطاق الضيق، والسير في اتجاه التمدد شرقا وصولا إلى دول لم يكن للمد الشيعي وجود منظم ومدبر فيها، حتى سنوات قليلة مضت.
وخلال السنوات الأخيرة؛ رصد المراقبون والمتابعون للشأن السياسي في معظم أنحاء العالم، مساعي الحزب الشيعي للتمدد داخل دول أمريكا اللاتينية، وفي مقدمتها البرازيل، التي تعد هدفا أثيرا للشيعة الاثنى عشرية، سواء المدعومة من إيران بشكل مباشر، أو من بعض المؤسسات والمرجعيات الشيعية الكبيرة في العراق.
تفاصيل مخطط حزب الله للتوغل بأمريكا اللاتينية
على الرغم من أن تاريخ الشيعة في البرازيل، باعتبارها أهم دول أمريكا اللاتينية، بدأ مع بدايات القرن العشرين، فإنه لم يكن وجودا مخططا له، أو مدبرا بإحكام، أو يهدف إلى التوغل والسيطرة سوى خلال العشر سنوات الأخيرة فقط.
بداية الوجود الشيعي الفردي في البرازيل كان مع اندلاع الحرب اللبنانية الطائفية عام ١٩٧٤م، ووصل ذروته في أعقاب عام ١٩٨٥م، وتمركز الشيعة في ولايتي بارانا، وساو باولو.
ويتمركز الشيعة في مدينة فوز دو إيجواسو، بولاية بارانا البرازيلية التي تقع على الحدود مع الأرجنتين وبارجواي، ويبلغ تعدادها ٧٠٠٠ آلاف نسمة تقريبا، ويمتلكون مؤسسات تعد الأقوى في البرازيل، فلديهم مسجد الإمام الخميني، التابع للجمعية الإسلامية بفوز دو إيجواسو، والمدرسة العربية البرازيلية والتي يدرس فيها ٨٠٠ طالب حوالي ٣٠٠ منهم من أبناء السنة، وحسينية الإمام الخميني.
وفي الجهة المقابلة من دولة الباراجواي مدينة، سداد دل إيستي، التي يوجد مسجدا للشيعة، تابعا لحزب الله مباشرة، ومدرسة لتعليم اللغة العربية يدرس فيها ٥٠٠ طالب، وحسينية تابعة للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
ونعود إلى مدينة كوريتيبا بولاية بارانا البرازيلية التي تضم ١٠٠٠ شيعي، يسيطرون على الجمعية الخيرية الإسلامية ببارانا، ومسجد علي بن أبي طالب، والمدينة يوجد بها الكثير من العائلات السنية، لكن الشيعة يتصدرون المشهد، خاصة أن لهم موقعا على شبكة الإنترنت، ومجلة تباع في الأسواق باللغة البرتغالية.
أما في ساوباولو فينتشر الشيعة في منطقة براس، ولهم مسجدا كبيرا اسمه: "محمد رسول الله"، وتديره الجمعية الخيرية الإسلامية في البرازيل، وإمامه الشيخ علي أبو رية، المبعوث من لبنان ، والمركز الإسلامي ومديره الشيخ طالب الخزرجي، الذي يتولى إصدار شهادات الذبح الحلال للحوم المصدرة للتجمعات الشيعية في العالم.
وفي شمال شرق البرازيل سيطر الشيعة على بعض مراكز السنة في الشمال، وتوغلوا داخل المؤسسات السنية، وثم سيطروا على مجلس الإدارة، أو يثيروا الخلافات، ثم سيطروا بعد ذلك على المؤسسة أو المسجد، وتوجد نحو ١٥ مؤسسة سنية مهددة بسيطرة الشيعة عليها.
ولا يقتصر هذا التمدد فقط على الاستيلاء على المساجد، وإنما توجد آلة إعلامية هائلة، مدعومة وممولة ولها إمكانات ضخمة، تتمثل في إصدار المجلات باللغة البرتغالية، والكتب المترجمة، ومواقع الانترنت.
التوغل الإيراني بدأ يسفر عن نتائج، حيث بدأت وفود الطلاب البرازيلين في الاتجاه إلى إيران للدراسة هناك، وكانت طليعة هذه الوفود بـ١٥ طالبا برازيليا، ذهبوا إلى إيران لتلقي العلوم الشريعة في مدينة قم، وهذا عدد كبير جدا لأن كل هؤلاء الطلاب سيعودون مرة أخرى إلى البرازيل دعاة وأئمة، تتكفل بهم إيران، فتوفر لهم دعما كبيرا لا يتوفر نصفه لمن يعمل داعية أو إماما من السنة.
تحركات حزب الله في البرازيل وأمريكا اللاتينية
ويتمركز نشاط حزب الله في منطقة الحدود الثلاثية بين: البرازيل، والأرجنتين، وباراجواي، وهذا ليس وليد الصدفة حيث تم اختيار هذا المكان لعدة أسباب، مثل: وجود أكبر عدد من الشيعة في أمريكا اللاتينية، وسيطرتهم على كثير من الشئون التجارية، وامتلاكهم حرية الحركة والتهريب، وضعف القوانين في البلدان المذكورة عن مجابهة الجريمة المنظمة، مما يتيح حرية التحرك والهروب إذا اقتضى الأمر.
ويلاحظ المتابعون أنه ومع هذا التمركز لحزب الله، فإنه لم يسجل سوى ثلاث هجمات إرهابية وجميعها تم اتهام قيام حزب الله بها.
الأولى: في ١٧ مارس ١٩٩٢م الهجوم على سفارة إسرائيل في بيونس أيرس، بشاحنة متفجرة، وأدى لوفاة ٢٩ شخصا وجرح ٢٤٠، والثاني ١٨ يوليو ١٩٩٤م هجوم انتحاري على مبنى الجالية اليهودية في بيونس أيرس أدى لوفاة ٣٥ شخصا وإصابة ٣٠٠ آخرين، وبعدها بيوم تم تفجير انتحاري على متن طائرة في بنما أدى لمقتل ٢١ شخصا منهم ١٢ يهوديا.
ويتنامى حزب الله في منطقة الحدود الثلاثية منذ بعد نجاح ثورة الخوميني في إيران، ومع بداية الثمانينيات من القرن الماضي، حيث وصل لمنطقة الحدود الثلاثية: محسن طباطبائي، الذي شكل الخلايا الأولى للتنظيم الشيعي المنظم.
ومن خلال المراكز الثقافية والتعليمية والتربوية والمنح المقدمة للدراسة في إيران استطاع الإيرانيون من خلال نظام استخباراتي موصول بسفاراتهم في أمريكا اللاتينية خلق مجموعات منظمة مدربة على أعلى مستوى، وهي التي ستتسلم راية العمل مع حزب الله وتنشط في مجال تهريب المخدرات وغسيل الأموال.
خطة السيطرة على المساجد
وينفذ حزب الله لصالح إيران، خطة تستهدف السيطرة على أكثر من ١٥ مسجدا، كمرحلة أولى في الوقت الراهن بالبرازيل، كما تتضمن الخطة الترويج للأهداف الشيعية الإيرانية من خلال مجلات شهرية تصدر باللغة البرتغالية، على مستوى تقني عالي الجودة، يتم بيعها في أماكن بيع المجلات، فيما يوزع الباقي مجانا على المؤسسات والأشخاص المهمين، وفي المقابل لا توجد مجلة علمية شرعية للمسلمين السنة مؤهلة بالمستوى ذاته. ولم يسلم العاملون في المؤسسات الإسلامية من الضغط الشيعي، حيث قام بعض دعاة التشيع بعرض الفكر الشيعي على العاملين في المؤسسات الإسلامية بشكل مباشر.
وقالوا لهم: "نحن نود أن تأتوا إلى كربلاء في شعبان شهر المناسبات، ونحن سنتكفل بكل شيء من الباب للباب وسنوفر لكم كل شيء وسنستقبلكم استقبالا يليق بكم في صالات كبار الزوار بالمطارات، كما سننظم لكم محاضرات وكلمات ويمكنكم أيضا أن توزعوا كتبا بلغات مختلفة في هذا الحدث، ولدينا شهادات هؤلاء".
تطورات خطيرة تنذر بانهيار الوجود السني في العالم
وتعليقا على هذه المعلومات؛ حذر الدكتور فتحي العفيفي، أستاذ الفكر الاستراتيجي، بجامعة الزقازيق، من أن إيران تريد أن تضرب الوجود السني في العالم؛ داعيا إلى سرعة التحرك في مواجهة مخطط حزب الله، لأنها تعبر عن أهداف وأفكار وأيديولوجيا الملالي، وليست مجرد مساجلات سياسية. وقال "العفيفي": "إذا لم نتحرك في هذه الفترة بالتحديد، فسنفقد الكثير من مساحات الدعوة السنية، التي قد تفقد المحور السني نفوذه السياسي والعقائدي في البرازيل وأمريكا اللاتينية، وهي منطقة مهمة جدا للعرب.