انتهت الحرب الأهلية الإثيوبية، التي استمرت لمدة عامين، بعد توقيع اتفاق بريتوريا في جنوب أفريقيا، مستهل نوفمبر من العام الماضي ٢٠٢٢ بين طرفي النزاع وبرعاية من الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة، التي ضغطت لإقرار الاتفاق الذي وقعته جبهة تحرير شعب تيجراي، والحكومة الإثيوبية، وغابت إريتريا حليفة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والتي حاربت ضد جبهة تيجراي طوال عامين.
وخلال عامي الحرب في تيجراي، تعرض المدنيين لانتهاكات مروعة وثقتها المنظمات الدولية الإغاثية، والتقارير الصحفية التي كشفت عن حدوث جرائم حرب من كل الأطراف، في مناطق تيجراي وبعد إسكات البنادق في البلد الواقع في القرن الأفريقي، ينتظر الضحايا وذويهم حساب كل من تورط في الحرب التي اندلعت في نوفمبر من عام ٢٠٢٠ بإصدار آبي أحمد أوامره للجيش الإثيوبي بشن عملية عسكرية ضد جبهة تيجراي.
في هذا السياق؛ قالت صحيفة "أديس ستاندرد" الإثيوبية أنه "إذا كان هناك شيء واحد تم الاعتراف به بشكل ملحوظ في حرب إثيوبيا التي استمرت عامين على مستوى العالم، فهو الفظائع التي لا يمكن تصورها المرتكبة ضد المدنيين، والتي تنوعت بين جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية- مثل القتل الجماعي والعنف الجنسي الجماعي والعبودية الجنسية، وإبادة جماعية محتملة عند تحديدها بالشكل المناسب، لذلك فإن التفاؤل الذي صاحب أخبار التوقيع على اتفاق وقف الأعمال العدائية والخطوات التي تم اتخاذها هو أمر مستحق".
وأضافت الصحيفة الإثيوبية، في تقريرها المنشور نهاية فبراير المنصرم، "لكن المخاوف لا تزال قائمة ويتعلق أحد هذه الشواغل بالوضع المتأخر الممنوح لقضايا العدالة والمساءلة في اتفاقية بريتوريا لوقف الأعمال العدائية ووثيقة التنفيذ التنفيذية اللاحقة الموقعة في نيروبي، صحيح أنه بموجب المادة ٢ - "المبادئ الداعمة للوقف الدائم للأعمال العدائية"، اتفق الطرفان المتحاربان في الحرب على الاسترشاد بـ"احترام حقوق الإنسان الأساسية والمعايير والمبادئ الديمقراطية؛ حماية المدنيين؛ احترام الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم، وهنا تكمن المشكلة".
وأشارت "أديس ستاندرد" إلى أنه خلال ذروة الحرب الأهلية الإثيوبية، كانت هناك ثلاثة مطالب حددها المجتمع الدولي، وهي الوقف الفوري للأعمال العدائية، والوصول دون عوائق للإمدادات الإنسانية، ولا سيما في منطقة تيجراي، التي تعرضت لحصار فعلي، والمساءلة عن الفظائع المرتكبة من خلال تحقيق مستقل، وكانت الحكومة الإثيوبية قد قاومت الثلاثة حتى تراجعت عن الأولين من خلال وقف بريتوريا الدائم للأعمال العدائية.
وفيما يتعلق بقضية المساءلة، وافقت على مضض على إجراء تحقيق مشترك بين مفوضية حقوق الإنسان الإثيوبية التابعة للحكومة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ولكن بالنسبة لجميع الأعمال التي تم جمعها معًا، فإن نتيجة هذا التحقيق المشترك تعاني من نقص في عنصرين أساسيين: الشرعية والشمولية".
ولفتت إلى أنه "بسبب هذه النواقص وآثارها المحتملة في تعقيد تقديم المساءلة والعدالة للضحايا، تحرك المجتمع الدولي لإنشاء اللجنة الدولية لخبراء حقوق الإنسان بشأن إثيوبيا في ديسمبر ٢٠٢١، لكن الحكومة الإثيوبية لم تدخر جهدا لمنع هذه اللجنة، من النقاش حول حاجتها، إلى إنشائها الفعلي، عبر الضغط الدبلوماسي بالتهديد بحرمان المفوضين من وضع أقدامهم في إثيوبيا، والضغط لإنهاء تفويض اللجنة، وحشدت الحكومة الإثيوبية كل طاقاتها بهدف شل أعمال اللجنة".
وفي ظل سعي إثيوبيا الحثيث لمنع أي محاسبة في جرائم تيجراي، بذل وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونون، جهدا كبيرا لحشد الدول الأفريقية لدعم محاولات إثيوبيا لعرقلة المفوضية بزعم أن "مفوضية حقوق الإنسان تعرقل الاتفاق الذي تم التوصل إليه في بريتوريا وتمنع تنفيذه، موضحا أن أديس أبابا لن تسمح لفريق التحقيق المستقل بدخول البلاد والعمل فيها".
وتستمر إثيوبيا في توجيه اتهامات إلى اللجنة، وإن كانت تفتقر إلى الأدلة، بأن تأسيسها له دوافع سياسية.
وكشفت وكالة رويترز للأنباء في تقرير لها نهاية فبراير الماضي، أن الحكومة الإثيوبية تسعى إلى إنهاء تحقيق أمرت به الأمم المتحدة في الجرائم المرتكبة في إقليم تيجراي، قبل ٦ أشهر من انتهائه.
وأوضحت "رويترز" نقلا عن دبلوماسيين أن أديس أبابا أديس أبابا وزعت مسودة قرار يدعو إلى وقف التحقيق بحرب تيجراي قبل نحو ٦ أشهر من موعد انتهائه، وهو التحقيق الذي عارضته منذ البداية في يوليو ٢٠٢٢، بذريعة أنه ذو دوافع سياسية وتحاول منع تمويله؛ مؤكدة أنه لم يتم حتى الآن تقديم اقتراح إثيوبيا رسميا إلى مجلس الحقوق المؤلف من ٤٧ عضوا، والذي يجتمع خلال الفترة من ٢٧ فبراير حتى ٤ أبريل.
وانطلقت الدورة الـ٥٢ لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اليوم بحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش، ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، من بين كبار الشخصيات الأخرى، وطالبت "أديس ستاندرد" العالم بضرورة دعم التحقيق في الجرائم المرتكبة في حرب تيجراي، ولا ينبغي السماح لإثيوبيا بحجب الحقيقة، ويجب ألا يكون هناك مجال للشك في أنه لن يكون هناك سلام بدون عدالة ومساءلة، كما أنه لن يكون هناك عدالة ولا مساءلة دون أن تظهر الحقيقة أولا.
العالم
الحقيقة أولا.. من يحاسب المتورطين في الجرائم الإنسانية بحرب تيجراي؟
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق