مع انقضاء شهر رجب ورؤية هلال شهر شعبان، تهل علينا ذكرى عزيزة على قلوب أهل القبلة جميعا، تحويل القبلة. نعم هذا شهر ترفع فيه الأعمال، نعم هذا شهر الخير شهر النبى محمد صلى الله عليه وسلم.
نعم هو شهر تنتظره الأمة الإسلامية، تنتظره من العام إلى العام، أعلم ذلك جيدا، لكن حديثى سيكون على غير المألوف، سأخرج عن النص قليلا، لأن خروجى بمثابة عود على بدء، سأتوجه بفكرى إلى استلهامه واقعة تحويل القبلة إلى خدمة واقعنا المعاصر، الذى يعج بالمتغيرات المتلاحقة، واقع مأزوم بكل ما تحمله الكلمة من معانى الحسرة والألم، لعلنا نتخذ من هذه الذكرى مصابيح تضيئ لنا وتهدينا سبل السلام وتخرجنا من هذه الظلمات المتراكمة.
نعم كان قلب النبى معلق بمكة المباركة، ولنا فيه الأسوة والقدوة الحسنة الذى أعطانا دروسا وعبرا فى معنى المواطنة وحب الوطن، سمعته قلوبنا وبكت على بكائه، وهو يقول مخاطبا مكة والله إنك لأحب بقاع الدنيا إلى ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما أخرجت، نعم علمتنا يا سيدى أن حب الوطن عبادة وتقرب إلى الله تعالى، بل هو فرض عين على كل من يحيا به يستظل بسمائه ويفترش ترابه مهدا ليستريح عليه.
النبى يقلب وجهه فى السماء وبصره شاخص ليل نهار لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، ويأتيه الفرج والبشارة والمسرة (قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره)، فتحول وجه النبى إلى بيت الله الحرام، وتحول معه الصحابة دون نقاش، دون جدال، وهذا درس فى الطاعة (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، لم يجادله الصحابة ولم يتنطعوا عليه ولم يكثروا الهرج والمرج متمثلين قوله تعالى(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة)، فهذا درس فى السمع والطاعة ليت المعاندون والجحدة ييقنوه، ويتوقفوا عن التطاول والتبجح على الله ورسوله.
أيضا درس آخر علمنا إياه رسولنا الكريم فى مسألة تحويل القبلة، ألا وهو الالتفاف حول قادتنا والوقوف بجوارهم بل ونكون فى الصفوف الأولى مقبلين غير مدبرين كل فى مكانه، فى مجاله فى تخصصه، الصانع، العامل، العالم، المعلم، المحام، الطبيب، المهندس، أستاذ الجامعة كل عليه دور لابد أن يؤديه كاملا على قدر استطاعته، أليس ذلك إلتفافا حول قيادتنا.
علماء الدين، كل الأديان عليهم معول رئيس فى التوجيه بخطاب دينى رصين متزن لا يحيد ولا يميد عن الجادة والصواب.
لله در الأئمة الربانيين العالمين العاملين، الهاديين المهديين.
الأديان جميعها نهتنا عن الفرقة والتشتت والتشرذم، نعم وها هو النبى صلى الله عليه وسلم، يقول ستفترق أمتى من بعدى إلى بضع وسبعين فرقة، وبدأ الافتراق قديما وحدثت التصدعات والشروخات فى جدار الدولة الإسلامية، فهل يعقل أن الإخوة يقتتلون ويرفعون السيوف فى وجوه بعضهم البعض، هل يعقل أن الصحابة يقتتلون أمام منزل رسول اللّه صل الله عليه وسلم، هل يعقل أن ترفع السيوف فى وجه أمنا السيدة عائشة، أى فتنة هذه، نعم أخبر عنها المعصوم ستكون فتن كقطع الليل المظلم، ما أشبه اليوم بالبارحة صدقت يا سيدى يا محمد، فتن كقطع الليل المظلم، واقع نحياه، سب وطعن وتشكيك فى نبوة النبى واستهزاء به وبصحابته، وأحاديثه الشريفة، طعن فى الأئمة الأربعة، تشكيك فى معراجه، والله إنى لأخشى أن يشككوا أو أن يطعنوا فى ما هو ثابت نصا فى أمر تحويل القبلة.
أحزاب كثيرة طفت على سطح الساحة السياسية، اتجاهات عديدة ظهرت على الساحة الفكرية، فرأينا الحزب الفلانى وأشياعه، والحزب العلانى وأنصاره، وأسألهم سؤالا واحدا هل وظفتم مجهوداتكم وكياناتكم الحزبية لخدمة بلدنا الحبيب، أنا لا أشكك فى أحد ولا أدخل فى نوايا الناس ولا بواطنهم، لذا أقول لكم أرو الله منكم خيرا وضعوا مصلحة وطنكم الطيب أهله نصب أعينكم والتفوا حول قائدكم وشدوا على يده، وساهموا فى البناء معه.
اتجاهات فكرية كثيرة ظهرت، فرأينا العلمانيين، ودرسنا فكرهم، وشاهدنا اليساريين وناقشناهم، ودخلنا فى حوارات فكرية مع أنصار الحرية وسألناهم لماذا تريدونها حرية مطلقة، لماذا لم تعلموا تلاميذكم وأنصاركم أن الحرية مسؤولية، لماذا أخذتم جانبا واحدا من الحرية وأهملتم الجوانب الحيوية التى تصنع إنسانا منضبطا.
وطفى على السطح المثليين والسحاقيات، وظهر الملاحدة وعباد الطبيعة، ماذا فعلنا لهم وما موقفنا منهم.
رأينا علماء الدين، هل قمتم بدوركم الإرشادى التوعوى المنوط بكم، هل بلغتم الناس على منابركم أن حب الوطن عبادة، هل بلغتم ونصحتم الناس وأنتم ملح البلد بالإتحاد فالاتحاد قوة، هل فعلتم ذلك حقا إن كنتم فعلتم، فسعيكم مشكور ونطالبكم بالمزيد، ففقه الواقع والضرورة ملح لتواجدكم، حتى لا يتصيد المتصيدون فى الماء العكر.
نعم تحويل القبلة أتى لحكمة بالغة يعلمها الله ورسوله وتوجه المعصوم لبيت المقدس إشارة ولطيفة ربانية، أنه قبلتنا الأولى ومسرى النبى وسيرده الله إلينا فالله تعالى منجز وعده ولو كره الكافرون، وتحول النبى للكعبة المشرفة إشارة من الله لنا أن هذا ربكم وهذا نبيكم وهذه قبلتكم فولوا وجوهكم شطرها لا تختلفوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، لملموا شتاتكم والتفوا حول بعضكم البعض وتصافوا وتحابوا وتوادوا فمثلكم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له ثائر الأعضاء بالسهر والحمى.
فإلى أى وجهة ستولوا وجوهكم
اعرضوا كلامى على عقولكم واستفتوا عليه قلوبكم.