يُعد عمل المرمم الذى يستقبل الآثار لفحصها ووضع خطة لترميمها، وعلاج ما بها من أضرار سببتها عوامل الزمن، من أهم وأخطر وأدق المراحل فى عمر أي قطعة أثرية من لحظة اكتشافها، وحتى عرضها فى المتحف على الجمهور، لذا يُمكننا فهم واستيعاب الدور الكبير الذى يقوم به مركز الترميم فى المتحف المصرى الكبير، من خلال فريق عمل من أمهر المرممين والتخصصات المختلفة اللازمة لترميم الآثار.
مركز ترميم الآثار بالمتحف المصرى الكبير، يضم عددًا كبيرًا من المعامل المتخصصة فى ترميم أنواع الآثار المختلفة، بجانب مناطق استقبال مُجهّزة للتعامل مع أى قطعة أثرية فور وصولها للمتحف، وذلك لإجراء الفحوصات اللازمة لها قبل نقلها إلى معامل الترميم.
كان لزامًا أن يتم التفكير فى بناء معامل الترميم قبل غيرها فى المتحف المصرى الكبير، وتبلغ مساحة المركز 12300 متر مربع، وجاء تصميمه بطريقة فريدة، جعلته فى مستوى مُنخفض إلى حد كبير عن مستوى الأرض، وذلك لزيادة التأمين حتى لا يستطيع أحد التسلل إليه، ولزيادة التأمين أيضًا، يُحاط المركز بما يُشبه الخندق على مسافة عمق تبلغ 3 أمتار، علاوة على وسائل التأمين الأخرى، والتى تستخدم أحدث وسائل التكنولوجيا فى العالم لضمان أقصى درجات الحماية للمركز وما به من كنوز.
يحتوى مبنى مركز الترميم الذى تم إنشائه عام 2010، على مجموعة معامل كل منها متخصص فى ترميم نوع من الآثار حسب مادتها، ويُعد أكبر مراكز ترميم آثار على مستوى الشرق الأوسط.
ويتضمن المركز، بخلاف المعامل المُتخصصة فى الترميم، مجموعة معامل علمية تتولى مهمة إجراء الفحوص والتحاليل اللازمة للآثار، وخاصة ما إذا كانت بها مظاهر تلف ضمن أعمال وخطة ترميمها، وتقوم هذه المعامل بعلاج هذه الآثار قبل ترميمها، والعاملون فى هذه المعامل خريجين كليات العلوم وأغلبهم من حملة الماجستير والدكتوراه.
العاملون بمعامل الترميم مُدربون على مستوى عالٍ جدًا من الكفاءة المهنية، وهم خريجين كليات الآثار قسم ترميم، وعدد كبير جدًا منهم حاصلون على درجتى الماجستير والدكتوراه، من تخصصات متنوعة، وتمكّنوا من ترميم قطع أثرية على درجة كبيرة من الأهمية، وعلى رأسها مجموعة الملك توت عنخ آمون والآثار الثقيلة على الدرج العظيم وغيرها، كذلك رمموا بكفاءة المسلة المعلقة التى صمم فكرتها اللواء مهندس عاطف مفتاح، المشرف العام على مشروع المتحف والمنطقة المحيطة، وتم تنفيذها بأيدى العاملين فى المتحف بمختلف تخصصاتهم.
وتبدأ رحلة التعامل مع كل أثر منذ لحظة اختياره ونقله وحتى عرضه، أولًا بعمل بطاقة له تتضمن معلومات عنه، إلى جانب سجل يتضمن كافة التفاصيل عنه منذ اكتشافه، ومكانه حتى وصوله إلى المتحف، حيث يحتوى مركز ترميم المتحف على غُرف تعقيم للآثار، كما يستخدم فريق العمل هناك مواد تقوية وترميم آمنة تماما على الآثار، وبعضها يُصنع فى مصر والآخر يأتى من الخارج، كما يضم المركز مجموعة مخازن للآثار مجهزة بشكل مُتكامل يُراعى كل الظروف البيئية وتوفير أفضل الأجواء للحفاظ على الآثار التى يتم ترميمها، وذلك لحين نقلها إلى «فتارين» العرض بالمتحف.
وفى إطار التعاون المُشترك، أمدّت اليابان مركز ترميم المتحف ببعض الأجهزة الحديثة التى تُستخدم فى ترميم ونقل الآثار، ووحدات مضادة للاهتزازات يتم وضعها على السيارات التى تنقل الآثار، وذلك لمنع الاهتزازات على الطرق، وأجهزة لقياس الحرارة والرطوبة، كذلك أجهزة فحوص وتحاليل وأشعة وتصوير مُتقدمة، والتى اتاحت فحص وتصوير القطع الأثرية بمنتهى الدقة، وهو ما يُعد عاملا مهمًا فيمًا يتعلق بعملية الترميم، وخاصة مقاصير توت عنخ آمون التى اتاحت الأجهزة اليابانية للمرممين المصريين معرفة مواضع الضعف والقوة فى المقاصير والتعشيق والوصلات التى قام بها المصرى القديم، وبالتالى اختيار مواضع الفك والربط والتحميل بدقة وأمان لضمان سلامة الأثر.
وتنقسم معامل الترميم حسب مادة الأثر إلى:
معمل الأخشاب: يتم بداخله ترميم التوابيت وغيرها من الآثار الخشبية، وقد شهد هذا المعمل ترميم الكثير من كنوز الملك توت عنخ آمون.
معمل الأحجار: يتم بداخله ترميم التماثيل واللوحات وكل الآثار المصنوعة من الحجر.
معمل الآثار الثقيلة: يتم بداخله التعامل مع ترميم الآثار ذات الأحجام الكبيرة والأوزان الثقيلة.
معمل الآثار غير العضوية: متخصص فى نوعيات الآثار مثل الفخار والفاينس والعاج والذهب وغيرها.
معمل البقايا الآدمية: يتعامل المُرممون بداخله مع الآثار المتمثلة فى المومياوات وما تبقى منها.
معمل الآثار العضوية: يتم بداخله ترميم آثار عضوية مثل البردى والنسيج وغيرها من المواد التى تحتاج إلى تعامل دقيقة بطريقة خاصة.