رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ياسر الغبيري يكتب: جينات حضارية ممتدة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ليس غريبًا أن يتردد اسم مصر بشكل كبير فى المحافل الثقافية والفنية العالمية، فالوطن تاريخه مجيد، وحضارته ضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ. حاضره لم ينفصل عن تاريخه يومًا، بفضل سواعد أبناؤه التى تواصل تشييد الصروح الشامخة، لتكون جسور عبور للمستقبل، وتؤكد على امتداد جينات العبقرية المصرية.
 

لا يخلو حديث معاصر عن الثقافة والفن والإبداع والتاريخ على أى أرض وتحت أى سماء من ذِكر مصر، وفى مقدمة الحديث عن مصر يأتى المشروع الأضخم فى القرن الواحد والعشرين، مشروع المتحف المصرى الكبير أيقونة المتاحف عالميًا، ودرّة المشروعات الثقافية، منارة الحاضر وطريقنا للمستقبل، تلك المنارة التى أشغل جذوتها رجال يؤمنون بقيمة الوطن، ويتطلعون يومًا بعد يوم لرفع رايته حضاريًا، لتكون على قمة الهرم، سعيًا لأن تُصبح مصر وجهة العالم الأولى سياحيا، وثقافيًا. 
 

بُنى المتحف المصرى الكبير، على أحدث الطرز المعمارية، بتخطيط فريد، يجعله مؤسسة ثقافية وتعلمية فى آن، وفق أعلى معدلات الأمان، وفى صورة تتكامل مع أهرامات الجيزة، لتبدوا المنطقة أشبه بلوحة فنية، مزجت القديم «أهرامات الجيزة»، بالحديث «المتحف الكبير»، ونظرًا لهذا التناغم أطلق البعض على المتحف المصرى الكبير «هرم مصر الرابع»، وفى هذه التسمية كثير من الوجاهة، حيث التصميم الخارجى للمتحف والذى جاء على صورة أشعة الشمس متخذة شكل الهرم، مع ضخامة المبنى الذى يضم مجموعة نادرة وفريدة من كنوز مصر التى تُمثل حِقب تاريخية مختلفة من عمر الوطن.
 

خلال زيارتك الأولى للمتحف المصرى الكبير، ستكون عزيزى القارئ على موعد مع مشهد لا مثيل له على وجه الأرض، ففى البهو الخارجى للمتحف، والذى تبلغ مساحته ٢٨ ألف متر مربع ستجد مسلة الملك رمسيس الثانى التى جاءت للمتحف من منطقة آثار صان الحجر لتكون فى استقبالك قبل أن تصل إلى أروقة المتحف الداخلية، ستقف أمام تلك المسلة لتلقى التحية تعظيما لما صنعته يد الأجداد، ولن تُغادر من فورك، لأنك ستقترب من المسلة، لتقف فى مواجهتها لمُشاهدة اسم مصر المُسجل على أعمدة الرخام بكل لغات العالم، وحينما تقترب أكثر سترى «خرطوش» الملك رمسيس الثانى محفور أسفل جسد المسلة، ويطل عليك عبر حاجز من الزجاج لأول مرة منذ ٣٥٠٠ عام.
لا تندهش عزيزى القارئ حينما ترى المسلة المُعلّقة، فتلك الفكرة العبقرية خطط لها ونفذها عقول وسواعد أبناء مصر على أحدث الطرق المعمارية، وبأعلى درجات الأمان، حفاظًا على الزائر، والمسلة أيضًا. هذه التجربة الفريدة لن تكون كغيرها، وستبقى فى ذاكرتك لفترة من الزمن، ربما تقف متأملًا لدقائق قبل أن يأتك صوت مَن يُذكّرك بأن قائمة الانتظار طويلة، وغيرك مُتشوّق لمشاهدة ومعايشة هذه الحالة الفريدة.
 

ومن البهو الخارجى إلى مبنى المتحف المصرى الكبير الذى يضم سبعة مداخل، الأول الخاص بالبهو العظيم مخصص لكبار الزوار، والثانى مدخل للزوار والسُيّاح، والثالث للمنطقة التجارية، والرابع للإدارة، والمدخل الخامس خاص بدخول القطع الأثرية، والسادس والسابع مدخلان للطوارئ.
عندما تصل إلى البهو العظيم سيطالعك تمثال الملك رمسيس الثانى أحد أهم وأشهر ملوك مصر، ذلك التمثال الذى يزن ٨٣ طنًا، بارتفاع ١١.٣٥ مترًا، والذى قضى وقتًا طويلًا فى ميدانه الشهير بباب الحديد، قبل أن يُنقل إلى المتحف أغسطس ٢٠٠٦م، ليكون فى استقبال أحفاده، وغيرهم من الزوار، متأملًا الدهشة على وجوههم، والانبهار فى عيونهم، وسأتركك عزيزى القارئ لتعيش التجربة بنفسك، مع عظمة تمثال رمسيس الثانى، قبل أن تنتقل لعمود أبنه الملك مرنبتاح، أحد أهم القطع الباقية لرابع ملوك الأسرة التاسعة عشرة، والتى تُمثّل تخليدًا لانتصارات الملك العظيم على الليبيين، ولجواره فى البهو العظيم تمثال آخر للملك رمسيس الثانى نُقل إلى المتحف من منطقة صان الحجر، إضافة إلى ١٠ تماثيل للملك سنوسرت الثانى، إضافة لتمثالين من الأثار الغارقة التى عُثر عليها قُبالة سواحل أبو قير بمحافظة الأسكندرية، وفوق كل هذا أنت على موعد مع زيارة خاصة للبهو العظيم فجر الحادى والعشرين من فبراير من كل عام لتشاهد عظمة الأحفاد، حيث تخترق أشعة الشمس جدران المتحف لتتعامد على وجه الملك العظيم، مثلما يحدث فى معبده بأبو سمبل كل عام فى ذات الوقت.
إن كنت قد انتهيت عزيزى القارئ من جولتك بالبهو العظيم، أنت على موعد آخر مع جولة جديدة على الدرج العظيم، الذى يحتوى على ١٠٨ درجات بارتفاع ٢٦ مترا، وهو ارتفاع مبنى مكون من ٩ طوابق تقريبًا، يُعرض عليه ٧٢ قطعة أثرية فريدة، تتخللها إضاءة صُممت خصيصًا لتُضفى عليها وقارًا وجلال، ومنها ثالوث الملك رمسيس الثانى مع بتاح وسخمت، وتمثال الملك امنحوتب الثالث، وتمثال الملكة حتشبسوت، وتمثالى الإله بتاح، وتمثال الإله حتحور، وتمثال سنوسرت الثالث، بالإضافة إلى مجموعة متميزة من الآثار الثقيلة.
ليس هذا كل شيء، فنحن إلى الآن لم نقترب من قاعات العرض، وما زلنا على الدرج العظيم، بعد جولتنا فى البهو العظيم، والبهو الخارجى، ولكن داخل قاعات العرض الأمر مختلف تمامًا وللإبهار قصة أخرى. سأحدثك فقط عن كنوز الملك توت عنخ آمون، درّة تاج الآثار المصرية، ففى قاعات العرض المُخصصة للكنوز الملكية للملك الشاب توت عنخ آمون، أنت على موعد مع أكثر من ٥ آلاف قطعة أثرية فريدة، أغلبها لم يُعرض من قبل، ولم تراه عين.
تخيّل عزيزى القارئ أن تقف أمام كل قطعة أثرية من كنوز توت عنخ آمون التى تراها لأول مرة لمدة دقيقة واحدة، دقيقة واحدة ستقضيها أمام كل قطعة من كنوز الملك الذهبى، حينها أنت بحاجة إلى ٨٣ ساعة متواصلة، أى ثلاثة أيام ونصف مُتصلة، ولن تفرغ من مشاهدة هذه القطع الفريدة، هذا فيما يخص آثار توت عنخ آمون، فما بالك بمطالعة باقى آثار المتحف المصرى الكبير على تنوعها وثرائها.
زيارة واحدة للمتحف المصرى الكبير كفيلة بتحقيق السعادة والمتعة والإبهار، لتعيش تجربة متميزة لم تحصل على مثيل لها من قبل، ولكنها لن تكون كافية للتعرف على جميع مكونات المتحف واستكشاف ما به من خبايا وأسرار عن تاريخنا المجيد.
المتحف تحفة معمارية، ورحلة ثرية، لينهل زائره من حضارتنا بعظمتها ومجدها، وهو أيضًا بوابة عبور للمستقبل، وتوثيق لقدرة المصريين على ربط الماضى العظيم بالحاضر المُشرق، وتأكيدًا على امتداد الجينات الحضارية المصرية وتفوّقها فى مختلف العصور.
زيارة واحدة للمتحف المصرى الكبير كفيلة بتحقيق السعادة والمتعة والإبهار، لتعيش تجربة متميزة لم تحصل على مثيل لها من قبل، ولكنها لن تكون كافية للتعرف على جميع مكونات المتحف واستكشاف ما به من خبايا وأسرار عن تاريخنا المجيد.