«أنا لم أرتكب خطيئة، ولم أسلب الآخرين ممتلكاتهم.. لم أسرق، ولم أقتل.. لم أختلس القرابين، ولم أكذب.. لم ألعن، ولم أغلق أُذنَي عن سماع كلمات الحق.. لم أزنِ، ولم أتسبب فى بكاء الآخرين.. لم أعتدِ على أحد، ولم أغش أحدًا.. لم أغتصب أرض أحد، ولم أتنصت على أحد.. لم ألفِّق تهمة لأحد، ولم أغوِ زوجة أحد.. لم أقم بإرهاب أحد، ولم أخالف القانون.. لم أهدد السلام، ولم أفعل الشر.. لم أغتب أحدا، لم ألوث ماء النيل.. لم أتحدث بغضب أو استعلاء، ولم أضع نفسى موضع الشبهات.. لم أنبش القبور، ولم أسئ إلى الموتى.. لم أخطف لقمة من فم طفل، ولم أتصرف بكبر أو غطرسة».
تلك كانت وثيقة المبادئ الأساسية فى الدولة المصرية القديمة التى وضعتها «ماعت» إلهة العدل عند المصريين القدماء.. اثنتان وأربعون وصية خضع لها المصريون، قبل أن يضع «حامورابى» قانونه بسنوات عديدة، ملوك وكهنة ومواطنين، فى الوقت الذى كانت تعيش فيه شعوب الأرض على قتل بعضهم بعضًا.
يقول عالم الآثار والمؤرخ الأمريكي الشهير (هنري بريستد) في كتابه «فجر الضمير»، إن الإنسان ظل يصارع أخاه الإنسان، وكل القوى المادية طوال مليون سنة طور خلالها أدواته، ومن ضمنها السلاح.
هذا السلاح الذي بدأ بالبلطة، وانتهى بالقنبلة الذرية والقذائف المدمرة، التى يستطيع من خلالها الإنسان أن يبيد الآلاف من البشر فى ثوانٍ معدودات، أما الأخلاق ورقيها، فقد بدأت تتشكل، فقط، منذ خمسة آلاف عام، هنا، على ضفاف نهر النيل فى مصر.
ويضيف: لم يوجد شعب آخر في بقاع العالم القديم نال من السيطرة على عالم المادة بحالة واضحة للعيان تنطق بها آثاره الباقية للآن مثل ما ناله المصريون الأقدمون فى وادى النيل، فقد بنى المصريون القدماء بنشاطهم الجَمِّ صرحًا من المدنية المادية يظهر أن الزمن يعجز عن محوه محوًا تامًا.
ويكمل: ليست أهمية ظهور المدنية فى وادى النيل منحصرة فى بهاء مبانيها فحسب، بل لأنه كان أيضًا تطورًا اجتماعيًا مستمرًا دون أى عائق أكثر من ألف سنة، أشرق لأول مرة على كرتنا الأرضية، مقدمًا لنا أول برهان على أن الإنسان الذى هو أرقى المخلوقات الفقرية التى ظهرت على وجه البسيطة أمكنه أن يخرج من الوحشية إلى المثل الاجتماعية الأعلى، ويظهر الحياة الإنسانية بمظهر لم يَر الكون كله - على ما نعلم - أرقى منه.
هذه هى مصر يا سادة، بلد عظيم وأمة متفردة؛ قد تنوء بها الأحمال في بعض الأوقات لكنها أبدًا لا تنحنى ولا تنكسر.. قد تنهزم فى معركة، لكنها حتمًا ستكسب الحرب فى نهاية المطاف.. ذلك أن هذا هو قدرها وقدرنا معها.
آراء حرة
عبدالرحيم علي يكتب: فجر الضمير
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق