الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

ذكريات وطنية.. «البطارسة» بين الصدامي و«الوطني» ورحيل فبراير

الكنيسة البطرسية
الكنيسة البطرسية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

آخر الفراعنة العظام بطرس غالي كريم العنصرين.. طالب بلجنة تحقيق فى مذبحة قانا.. ولم يمد له في المنصب الأممي. جده الأكبر بطرس غالي الكبير كان قاضي دنشواي ونفى البطريرك كيرلس الخامس.. وأول رئيس وزراء مصرى «قبطى واغتيل على خلفية موالاة الإنجليز؛ دفن جسد بطرس غالى التراب فى الكنيسة البطرسية بشارع رمسيس، تلك الكنيسة التى شيدتها العائلة عام 1911 بجوار قبر الجد بطرس غالى الكبير، رئيس الوزراء الذى اغتاله الوردانى؛ الغريب أن بطرس غالى الكبير كان أول رئيس للمجلس الملى العام، والذي دوره يقتصر على النواحي الإدارية وغير الدينية في حياة الكنيسة.

ومع الوقت وقع الصدام بين غالي الكبير والبطريرك البابا كيرلس الخامس المائة والثاني عشر من باباوات الكرازة المرقسية، ووصل الأمر إلى أن تقدم رئيس المجلس الملي بشكوى إلى الحكومة يتهم في البطريرك بالعداء للحكومة والإنجليز، وعلى إثرها نفى البطريرك إلى دير البراموس 1890 /1891، ومن الجانب الآخر البطريرك وضع حرمان كنسيًا على غالي وبعد فترة عادت الأمور إلي نصابها وتصالح مع البطريرك وفك عنه الحرمان الكنسى».

في مدفن تحت المذبح بالكنيسة البطرسية العتيقة يرقد بجوار الأجداد بطرس بطرس غالى بعد عمر يناهز 94 عاما، قضى منها ثلاثة أرباعها فى خدمة الوطن؛ الذى رحل عن عالمنا الثلاثاء 18 فبراير 2018 وتحل ذكراه الخامسة في فبراير الجارى، هو سليل عائلة مصرية قبطية عريقة خدمت في حقب متعددة من عمر الوطن وعاصر خمسة ملوك وخمسة رؤساء على مدى عمر الدولة المصرية الحديثة.

كان نقطة البداية كانت عند نيروز غالى جده الأكبر، الذي تولى منصب ناظر الدائرة السنية لشقيق الخديو إسماعيل فى الصعيد، أما ابنه بطرس نيروز غالى، والذى يلقب بـ«بطرس غالى الكبير»، فقد تولى منصب رئيس وزراء مصر فى الفترة من 12 نوفمبر 1908 إلى 1910، ويعد أول رئيس وزراء مصرى «قبطى» يتولى المنصب، حيث إن نوبار باشا الأرمني كان رئيس الوزراء الأول فى عهد الخديو إسماعيل، ولكن بطرس غالى الكبير اغتاله إبراهيم ناصف الورداني فى 20 فبراير 1910.

الغريب أن كلا البطرسين الكبير صاحب دنشواي، والصغير المدافع عن مذبحة قانا مجزرة قانا الأولى في 18 أبريل 1996، التي تمت في مركز قيادة فيجي التابع لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان، حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف المقر بعد لجوء المدنيين إليه هربا من عملية عناقيد الغضب التي شنتها إسرائيل على لبنان، أدى قصف المقر إلى استشهاد نحو 106 من المدنيين وإصابة الكثير بجروح، البطرسين رحلوا في فبراير.

محكمة دنشواى وصفحات الدماء

كان بطرس غالى الكبير قد ترأس محكمة حادثة دنشواى الشهيرة، باعتباره قائمًا بأعمال نظارة الحقانية فى 23 نوفمبر 1906، وقضت المحكمة بالإعدام شنقًا لأربعة من الأهالى، بالأشغال الشاقة مددًا مختلفة لعدد آخر، والجلد خمسين جلدة على آخرين، وتم تنفيذ الأحكام بعد محاكمة استمرت ثلاثة أيام فقط وأمام الأهالى.

الأمر الذى دفع الوردانى لاغتياله، وأحدث الأمر فتنة طائفية أدت إلى المؤتمرين الشهيرين القبطى والإسلامى عام 1911، لكن الذين تصدوا لهذه الفتنة قادة أقباط وطنيون عظام مثل مرقص حنا وسينوت حنا وابن القتيل واصف غالى، وصار ثلاثتهم فيما بعد من قادة ثورة 1919.

 ومن درس اغتيال الوردانى الراحل بطرس غالى الكبير تعلم الزعيم الوفدى عبدالرحمن فهمى، رئيس الجهاز السرى للوفد، وحينما قبل يوسف وهبة باشا ترأس الوزارة فى 19 نوفمبر 1919 رغم مقاطعة الوفد له وللجنة ملنر الإنجليزية، كلف عبد الرحمن فهمى الشاب القبطى طالب الطب عريان يوسف سعد باغتيال يوسف وهبة حتى لا يتحول مقتله إلى فتنة طائفية، وبالفعل قام عريان يوسف بالمهمة، ولكن يوسف وهبة كتبت له الحياة وسجن عريانا عشر سنوات.

 

هنا أرض الفجالة

واصف بن بطرس نيروز غالى، ولد بالفجالة فى القاهرة فى 14 أبريل 1878، وتعلم فى مدرسة الجزويت بالقاهرة، وحصل على ليسانس الحقوق من فرنسا عام 1904، وبعد عودته من باريس عمل بالمحاماة، ثم اختير وزيرًا للخارجية في أول وزارة شعبية برئاسة سعد زغلول، ثم تولى نفس المنصب في وزارة مصطفى النحاس الأولى والثانية والثالثة والرابعة.

وأنجب واصف فقيدنا الراحل عام 1922، وتخرج أيضا فى مدرسة الجيزويت بالفجالة، وتخرج فى كلية الحقوق جامعة القاهرة 1946 ونال الدكتوراه من فرنسا 1949، وتزوج من سيدة مصرية يهودية إسكندرانية، وهى ليا نادلر التى تنتمى لعائلة نادلر الشهيرة، وكانت تمتلك أكبر مصنع حلويات فى مصر قبل تأميمها.

وطنية فوق الديانة

كان الصراع في جوهره لدى النخب الليبرالية بينهم وبين الجهل ومن أجل التنوير والحداثة أكثر من الصراع مع المحتل الإنجليزى، وهنا انقسمت عائلة بطرس غالى الكبير، مع الحداثة حتى لو اصطف مع المحتل وذهب فى ذلك إلى الصدام مع البطريرك والكنيسة عبر صراع المجلس الملى والإكليروس، وقبول رئاسة محكمة دنشواى، هنا انقسمت العائلة حتى إن واصف يوسف بطرس غالى تصدى للفتنة الطائفية بعد مقتل والده.

من هنا ندرك تاريخ الأسرة التي نشم منها عطر الوطن والكنيسة، ورغم أن فقيدنا متزوج من السيدة اليهودية ليا نادلر ومشارك فى اتفاقيات كامب ديفيد، إلا أنه صاحب مواقف وطنية وقومية مشرفة حينما طالب بلجنة تحقيق فى مذبحة قانا، ولم يمدد له سوى مرة واحدة على عكس المعتاد فى هذا المنصب.

 وكان السبب الرئيسي في عدم التمديد له في منصبه إصراره الشديد على إصدار تقرير الأمم المتحدة بإدانة إسرائيل بارتكاب مجزرة قانا وقصف مخيم للاجئين فى جنوب لبنان في أبريل عام 1996، واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو لمنع إصدار قرار يدين إسرائيل، ثم رفضت استمرار غالى فى منصبه حتى قاموا باستبداله بشخص آخر أفريقي هو كوفي عنان.

الفرعون الأفريقى

بطرس غالى من أكبر خبراء الشئون الأفريقية فى العالم، وله العديد من الدراسات الأفريقية لكبريات الجامعات، لذلك لم يكن غريبًا أن يكون أول من تنبأ بأزمة سد النهضة، جاء ذلك فى حوار صحفى منذ عشر سنوات، وقال فى حواره الأخير مع الإعلامى يوسف الحسينى ببرنامج «السادة المحترمون»: إن هناك تقصيرًا من مصر فى التعامل مع أزمة مياه النيل، مشيرًا إلى أنه حاول إقناع الرأى العام لمدة 20 عامًا لإنشاء منظمة لمتابعة مفاوضات أزمة مياه النيل، ولكنه فشل فيها.

هكذا نودع فرعون مصرى يُشكل تاريخه مكونات الهوية المصرية ما قبل «الغزو الوهابى»، ليبرالى لم يخن قضية التنوير، ورئيس الفرانكفونية، خدم مصر الناصرية، اشتراكى ونائب رئيس الاشتراكية الدولية، حقوقى، رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، إصلاحى يؤيد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، رحم الله فقيدنا كريم العنصرين؛ وتحت مذبح الكنيسة البطرسية يرقد بجواره بطرس غالي الكبير قاضي دنشواي هكذا تتناقض المواقف الوطنية وتتجمع الأجساد في القبور ولكن الدكتور بطرس غالي يعيش في ضمير مصر على عكس غالي الكبير.