"هناك سؤال منطقي.. في أي جانب يجب أن تكون الثقافة والفن؟ هل يمكن للفن أن يكون خارج السياسة؟ هل يجب أن تكون السينما خارج السياسة؟ إنه سؤال أبدي ولكنه اليوم وثيق الصلة بما يحدث على أرض الواقع". بهذه الكلمات، افتتح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فعاليات النسخة الـ73 لمهرجان برلين السينمائي الدولي، والذي أقيم في العاصمة الألمانية خلال الفترة من (16- 26) فبراير الجاري.
ومع دخول الحرب الأوكرانية الروسية عامها الأول، أصبح ظهور الرئيس الأوكراني فقرة أساسية في المحافل الفنية الكبرى، لاسيما مهرجانات كان وفينيسيا ومؤخرًا حفل جوائز جولدن جلوب؛ ليثير هذا الفعل تساؤلات عدة عن ماهية الدور الذي تلعبه المهرجانات والمحافل السينمائية ومحاولة تسييسها عبر التاريخ لخدمة أغراض معينة، وهل السينما أداة لتقريب الشعوب وتبادل الثقافات .. أم وسيلة قمعية لفرض سلطة الصوت الواحد، في إشارة لمنع صناع السينما الروس من المشاركة في المهرجان.
قبيل إنطلاق برليناله، وعد القائمون على المهرجان بالتضامن مع أوكرانيا، وكذلك وزيرة الثقافة الألمانية كلاوديا روت، التي قالت أن "الفن والسياسة لا يعيقان بعضهما البعض، وأيضا لا يغيبان عن بال بعضهما البعض". وصفق الجمهور وقوفا للرئيس الأوكراني عقب كلمته، التي أكد خلالها أن السينما والأفلام يمكنها أن تتجاوز الحواجز سواء الحواجز الحقيقية أو الأيدولوجية. كما نوه بفيلم المخرج فيم فيندرز الشهير "Wings of Desire" الذي توقع بشكل استباقي نهاية التقسيم الألماني، وقال إن روسيا تبني اليوم سورا جديدا في أوكرانيا، مشيرًا إلى أن "هذا سور بين الحرية والعبودية".
وقبل إلقاء زيلينسكي كلمته، صعد الممثل والمخرج الأمريكي شون بن، لخشبة المسرح للحديث عن فيلمه الوثائقي الجديد “Superpower” الذي أنتجه بالتعاون مع زميله المخرج آرون كوفمان، ويعرض خارج القسم الرسمي، وتدور أحداثه حول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والغزو الروسي للبلاد والحرب المستمرة.
حرب روسيا وأوكرانيا لم تتخذ النصيب الأكبر من حفل الافتتاح، إذ حظت قضية الحريات في إيران جانبا من النقاشات. وقد رفعت العديد من النساء على السجادة الحمراء، بينهم الممثلة الألمانية من أصل إيراني ياسمين طباطبائي، لافتة بيضاء عليها شعار "المرأة حياة حرية". ولفتت الفنانة وعضو لجنة تحكيم المسابقة الرسمية جولشيفته فرحاني، على خشبة المسرح، الانتباه إلى الأوضاع في بلادها قائلة: “هذا النظام يكذب، ينفذ. وقالت إن سجون إيران مليئة بالأبرياء. نريدكم أن تقفوا على الجانب الصحيح من التاريخ مع الشعب الإيراني". واختتمت كلمتها مرددة بأن "هذا النظام سوف يسقط".
إلى جانب فيلم المخرج شون بن، هناك عدد من الأفلام التي سلطت الضوء على الحرب أيضًا. ومن بين الأفلام التي تدور حول الصراع في أوكرانيا، الفيلم الوثائقي "الجبهة الشرقية" من إخراج فيتالي مانسكي ويفهين تيتارينكو، حيث جرى تصويره بشكل حقيقي على جبهات القتال في أوكرانيا العام الماضي. وتضم القائمة أيضا فيلم "الفراشات الحديدية" لرومان ليوبيي، وأيضًا فيلم "في أوكرانيا" لبيوتر باولوس وتوماس فولسكي والذي جرى وصفه من قبل القائمين على المهرجان باعتباره "أكثر الأفلام الذي عكس حقيقة واقع أوكرانيا منذ بداية الحرب". ويتناول المخرج الإيطالي جياكومو ابروزيزي في مشروعه الجديد "Disco Boy"، قصة مواطن من بيلاروسيا ينضم إلى الجيش الفرنسي.
واستضاف المهرجان خلال فعالياته الممثلة البريطانية الحائزة جائزة الأوسكار هيلين ميرِن، التي أتن لحضور العرض العالمي الأول لفيلمها "Golda" للمخرج جاي ناتيف. ويتناول الفيلم السيرة الذاتية لرئيسة وزراء دولة الاحتلال جولدا مائير، وتدور الأحداث خلال حرب أكتوبر عام 1973.
وشهدت المسابقة الرسمية منافسة محتدمة بين عدد من أهم صناع السينما، بما في ذلك المخرجة الألمانية مارجريت فون تروتا مخرجة فيلم " Journey into the Desert" الذي يسرد حياة الشاعرة النمساوية إنجيبورج باخمان. ويشارك كذلك المخرج الألماني كريستيان بيتزولد بفيلم "Afire"، وأيضا المخرج الفرنسي المخرج فيليب جاريل بفيلم "The Plough". ويدخل المنافسة فيلم "Manodrome" للممثل الأمريكي جيسي ايزنبرغ، ويتناول قصة الرغبات المكبوتة للاعب في رياضة كمال الأجسام.
وتمكن الفيلم اليمني "المرهقون" للمخرج عمرو جمال، من تحقيق إنجاز تاريخي، كأول فيلم يمني يشارك في مهرجان برلين السينمائي طوال تاريخه، كما يعتبر العمل العربي الوحيد في قسم "البانوراما". وقال المخرج في المؤتمر الصحفي الذي أعقب العرض الأول، بأن الفيلم مستوحى من قصة حقيقية حدثت في مدينة عدن خريف عام 2019، ويتناول من خلالها التدهور الاقتصادي الكبير الذي حدث في البلد، جراء الحرب منذ عام 2015، وطاول الأسر من الطبقة الوسطى. ولفت المخرج إلى أنّ تصوير الفيلم استغرق مدّة طويلة، بسبب "كثرة الصعوبات"، خاصة في بلدٍ "لا يملك صناعة سينمائية ولا وعياً كافياً من الحكومة أو الجهات المختصة بأهمية دور السينما"، مشيراً إلى صعوبة الحصول على تمويل، وغياب الاستقرار الأمني، وعدم توفر الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والوقود، ممّا أدى إلى توقف التصوير أكثر من مرة.
وعلى هامش المهرجان، فاز فيلم الدراما الألماني “The Teachers” للمخرج إيلكر تشاتاك، بجائزة علامة السينما الأوروبية، كأفضل فيلم أوروبي في قسم البانوراما. وقالت لجنة تحكيم جوائز أفضل فيلم أوروبي في بيان: "يستكشف الفيلم موضوعات رئيسية مثل انتشار البيروقراطية في المدارس وقضايا العرق والطبقية، ولكن قبل كل شيء هو فيلم درامي مقنع". تدور الأحداث في مدرسة ابتدائية، عندما يُشتبه في قيام إحدى الطالبات بالسرقة، تقرر المعلمة كارلا نوفاك الوصول إلى جوهر الأمر، لتعلق بين مُثُلها والنظام المدرسي، وبالتالي فإن عواقب أفعالها تهدد بتحطيمها.
كما كشف المهرجان عن جوائز الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين “فيبرسي"، حيث فاز المخرج الأسترالي رولف دي هير، بالجائزة الأولى عن فيلمه “The Survival of Kindness” المشارك في المسابقة الرسمية. أما الدراما الرومانسية “Here” للمخرج باس ديفوس، ففازت بجائزة “فيبرسي” كأفضل فيلم في مسابقة “Encounters” . وحصد فيلم “The Return” للمخرجة مالين تشوي، على الجائزة كأفضل فيلم في قسم “البانوراما”. كما فاز الفيلم الوثائقي “Between Revolutions” للمخرج فلاد بيتري، بالجائزة كأفضل فيلم في مسابقة “Forum”.