الملك خوفو استعان بساحر لبناء مداخل سرية لمقبرته داخل الهرم الأكبر
ﻗد تجيب البردية المعروفة باسم "خوفو والسحرة" ﻋلى العديد من اﻷسئلة الموجودة لدى العامة والعلماء ومنهـا سؤال حول سبب بناء هـرم خوفو؟ الذي يعتبر أﻋظم أهـرامات مصر، وكذلك السؤال ﻋن سبب وجود اﻷبواب السرية داخل الهـرم؟ وفى تلك البردية أيﺿًا الرد الﺷافى ﻋلى كل من يقول بأن الهـرم ليس صناﻋة مصرية!
فى البداية يجب أن نعرف أن هـرم الملك خوفو هـو الوحيد فى مصر الذي يحتوي داخله ﻋلى ثلاثة مستويات مختلفة من الحجرات الجنائزية! وﻻ يوجد سبب معماري واﺿﺢ إلى الآن يفسر لنا سبب ذلك؟ كذلك فﺈنه الهـرم الوحيد الذي يوجد داخل حجراته الثانية والثالثة أو الوسطى والعليا فتحات تعرف خطأ باسم فتحات التهـوية؛ واحدة ﺷمالية واﻷخرى جنوبية فى كل حجرة من الحجرتين. وتقع هـذه الفتحات ﻋلى ارتفاع سبعين مترا من سطﺢ اﻷرض.
والفتحتان الموجودتان بحجرة الدفن الثانية، التى تعرف خطأ أيﺿًا باسم حجرة الملكة، ﻻ تفتحان إلى خارج جسم الهـرم ﻋكس الفتحتين بالحجرة العلوية.
وتعد حجرة الدفن السفلى أو الحجرة اﻷولى داخل هـرم خوفو بالمستوى اﻷول هـى أول مﺷروع لحجرة دفن ﻏير مكتملة؛ فلم يتم نحت الجزء الغربى منهـا، وما يزال صخر الجبل الطبيعى موجود لم يتم إزالته وبارتفاع نحو ٢ متر فوق سطﺢ أرﺿية الحجرة، ويوجد فى الناحية الشرقية منهـا بئر ﻏريب ﻏير واﺿﺢ المعالم، اﻷمر الذي يؤكد ﻋدم اكتماله وﻋدم انتهـاء العمل بالحجرة ككل.
أما ﻋن المستوي الثانى فهـو الذي يوجد به الحجرة الثانية وبهـا فتحتا التهـوية ﻏير المكتملتين. وتقع هـذه الحجرة ﻋلى ارتفاع ١٢ مترا فى ﻗلب بناء الهـرم والى الآن ﻻ يوجد تفسير ﻗاطع لوظيفة هـذه الحجرة، حيث يذهـب البعض الى أنه تم إهـمالهـا وتركهـا بسبب معماري! بينما آخرون يعتقدون بأن تمثاﻻً للملك خوفو كان موجودًا فى النيﺷة الﺷرﻗية بتلك الحجرة، وان "كا" الملك أو روحه كانت تخرج إلى خارج الهـرم ﻋبر فتحتى التهـوية الرمزيتين!
والحقيقة أن سبب ترك هـذه الحجرة دون أن تكتمل هـو ببساطة أن الملك خوفو ﻗد ﻗرر فى العام الخامس من حكمه أن يعلن نفسه الهـا للﺷمس! ﻷنه من المعروف حسب الفكر المصري القديم أن الملك هـو حورس ﻋلى اﻷرض وﻋندما يموت يصبﺢ مرافقًا ﻹله الﺷمس، ولكن خوفو ﻗرر أن يصبﺢ إلهـا أثناء حياته! وهـناك الكثير من اﻷدلة والبراهـين التى تؤكد ذلك منهـا: أن جميع ملوك مصر دفنوا أسفل الهـرم ﻋدا خوفو وأبيه الملك سنفرو فقد دفنا داخل هـرميهـما وﻗد بدأ خوفو فى بناء الغرفة السفلية مثل أي ملك آخر لكنه تركهـا ﻏير مكتملة، لكى يدفن داخل الثلث اﻷخير من الهـرم، كذلك فﺈن اسم الهـرم "آخت خوفو" بمعنى "أفق خوفو" ومعروف أن الموجود فى اﻷفق هـو إله الﺷمس رع، كذلك فﺈن لقب ابن اله الﺷمس رع أو "سا رع" ظهـر مع أول أبناء الملك خوفو ﻋلى العرش وهـو جدف رع ثم خفرع وكل من أتى بعدهـما من ملوك. أما المستوي الثالث الذي توجد فيه الحجرة الثالثة فتقع ﻋلى ارتفاع ٣٤ مترا فى ﻗلب الهـرم وهـى الحجرة المعروفة بأنهـا حجرة دفن الملك خوفو، ولذلك نستطيع القول بأن المستويات الثلاثة داخل الهـرم ﻋبارة ﻋن ثلاثة مﺷروﻋات متتابعة لحجرات دفن كل منهـا منفصل ﻋن الآخر. وهـنا تكون الحجرة الثانية أو حجرة الملكة هـى التى تخص المﺷروع الثانى، ولكن ﻻبد أن نﺿع فى الاﻋتبار أن هـذه الحجرة لم يكن بهـا أبدًا تابوت، وهـى ذات أبعاد صغيرة جدا إذا ما ﻗورنت بحجرتى الدفن اﻷولى والثالثة، أو حتى حجرات دفن سنفرو أبو الملك خوفو. كذلك فﺈن حجمهـا ﻻ يتناسب إطلاﻗًا مع حجم الهـرم الﺿخم وهـناك نقطة مهـمة جدا وهـى أنه ﻻ يوجد أمام هـذه الحجرة أي أدلة لوجود نظام ﻏلق محكم أو متاريس كما اﻋتاد المصري القديم أن يغلق حجرة الدفن بﺈحكام كما نري ﻋند مداخل حجرات الدفن باﻷهـرامات. لذلك فيمكن القول إن الحجرة الثانية ليست حجرة دفن وإنما هـى مجرد حجرة جانبية. وﻋند دراسة ﻋمارة هـذه الحجرة نجد أن أرﺿيتهـا خﺷنة وﻏير مستوية، ولكن هـناك أدلة ﻋلى وجود رصيف كان يمتد ﻋلى أرﺿية الحجرة ونلاحظ أيﺿا وجود تجاويف ﻗد تكون استعملت ﻷوتاد خﺷبية. أما ﻋن النيﺷة الﺷرﻗية والتى يعتقد بعض العلماء أنهـا كانت تحتوي ﻋلى تمثال للملك خوفو، فهـناك أدلة ﻋلى أن تلك النيﺷة كانت مغلقة بغطاء حجري محكم! اﻷمر الذي ينفى وجود تمثال بهـا، وبالتالى فﺈن لهـا وظيفة خاصة أخري ﻻ نعرفهـا.
كﺷف اﻹنجليزي ديكسون فى ﻋام ٢٧٨١ ﻋن الفتحات الموجودة داخل هـذه الحجرات والتى أطلق ﻋليهـا خطأً اسم فتحات التهـوية، وذلك بالمصادفة البحتة ﻋندما نقر ﻋلى الجدار الﺷمالى وأحس بوجود فراغ خلفه لذلك ﻗام بالحفر
بمطرﻗة ليكﺷف ﻋن وجود الفتحة الﺷمالية، ولﻸسف لم يصل إلى مدخل الفتحة مباﺷرة بل ﻗام بفتحهـا من الجانب، بعدهـا استطاع أن يصل إلى الفتحة الجنوبية بنفس اﻷسلوب. وهـنا يمكن القول إن المصري القديم ﻗام بسد هـذه الفتحات اﻷمر الذي يؤكد بأنهـا لم تكن بقصد التهـوية! وإنما ﻹخفاء ﺷىء مهـم حرص الملك خوفو ﻋلى اخفائه بﺷتى الطرق.
لقد حاول الملوك دومًا إخفاء حجرات الدفن وحمايتهـا من لصوص المقابر سواء ﻋن طريق سد مداخلهـا بالمتاريس الجرانيتية العملاﻗة التى ﻻ يمكن اختراﻗهـا، أو سد الممرات الﺿيقة المؤدية إلى حجرات الدفن. وﻗاموا أيﺿا بعمل ممرات معقدة وخادﻋة للصوص أسفل أهـراماتهـم لدرجة أنك لو دخلت لهـرم الملك امنمحات الثالث فى دهـﺷور فسوف تتيه أسفله من كثرة الممرات وتعقيدهـا. واستطاع المصري القديم أن ينصب المصايد والﺷراك المميته ل اللصوص كى يحموا حجرة الدفن وأثاث الملك الذي يساﻋده ﻋلى الحياة بسهـولة فى حقول "اﻹيارو" وهـى جنة المصري القديم. وﻗد استطاع اﻷثريون الذين حفروا أهـرامات الدولة الوسطى أن يكﺷفوا ﻋن أدلة لبعض اللصوص سواء من هـلكوا وهـم يحاولون السرﻗة أو من خلال بصمات أرجلهـم؛ أو ما فعلوه بحجرات الدفن بعد نهـبهـا حيث كانوا كثيرًا ما يﺷعلون النيران بهـا انتقامًا من صاحبهـا الذي كبدهـم المﺷقة وهـم يحاولون سرﻗة هـرمه؟!
كان من ﻋادة اﻷفراد العاديين فى مصر القديمة كتابة ما يعرف بنصوص اللعنة ﻋلى مداخل مقابرهـم؛ وفيهـا تصب اللعنات ﻋلى كل من يتجرأ ويحاول سرﻗة المقبرة أو العبث بهـا. وفى تلك النصوص يتوﻋد صاحب المقبرة كل من يمس مقبرتة بسوء بالموت والهـلاك ﻋن طريق العقارب والثعابين السامة وأفراس النهـر واﻷسود والتماسيﺢ.
لقد اتﺿﺢ لنا هـذا الاهـتمام بﺈخفاء حجرة الدفن من خلال النص الذي تركه لنا المهـندس المعماري الذي بنى مقبرة الملك تحتمس اﻷول فى وادي الملوك وﻗال "بنيت مقبرة سيدي )الملك( دون أن يرى أحد ودون أن يسمع أحد" أى "ﻻ من ﺷاف وﻻ من دري" كما نقول بالعامية والتى هـى الترجمة السهـلة والصحيحة للنص الفرﻋونى.
يعتبر هـرم الملك خوفو معجزة بكل المقاييس، وسبب ذلك نعرفه من خلال ﻗصة خوفو والسحرة أو بردية ويستكار التى كتبت فى الدولة الوسطى. وتحكى القصة أن الملك خوفو كان يجلس مهـمومًا داخل ﻗصره يفكر فى كيفية بناء حجرة الدفن داخل هـرمه. وﻗد ﻻحظ ابنه اﻷمير حور-ددف ذلك فسأل أباه الملك ﻋن سبب ﺷروده وحزنه؟ وأجابه خوفو بأنه يريد أن يصل إلى السر الذي يمكنه من بناء حجرة الدفن داخل الهـرم؟ وﻗال له اﻷمير بأنه يعرف ساحرًا اسمه جدي يستطيع فعل الكثير من المعجزات منهـا ﻗطع رأس إنسان وإﻋادتهـا مرة أخرى؟ كما يستطيع أن يحول أسدا مفترسًا إلى كائن لطيف وديع أكثر من القطة!
وﻋلى الفور تحمس الملك وطلب من ابنه أن يحﺿر الساحر فى الحال وذهـب حور-ددف الى مدينة جد- سنفرو التى يعيش بهـا الساحر جدي وكان يبلﻎ من العمر مائة ﻋام وجاء الساحر أمام الملك خوفو الذي سأله: لماذا لم تأت إلىّ من ﻗبل؟ ورد جدي بحكمة: لقد أتيت ﻋندما طلبتنى! وطلب خوفو منه أن يظهـر له براﻋته فى السحر وأن يقطع رأس إنسان أمامه ثم يعيدهـا مرة ثانية ولكن الساحر رفض بأدب وﻗال انه ﻻ يستطيع أن يفعل ذلك مع إنسان فأمر الملك أن يحﺿروا له سجينا كى يجري ﻋليه جدي معجزته وهـنا ﻗال جدي فى ﻋناد "إن السجين أيﺿا إنسان يا موﻻي"!
فأحﺿروا له أوزه وﻗام بقطع رأسهـا أمام ذهـول الحاﺿرين وإﻋادتهـا مرة أخري لتجري اﻷوزة أمام الجميع؟! وما يهـمنى ﻗوله ﻋن هـذه القصة هـو سبب حﺿور الساحر أمام الملك خوفو ﻻن الملك ﻋجز ﻋن الوصول إلى الوثائق المقدسة التى تخص اﻹله جحوتى، إله الحكمة، التى اﻋتقد أنهـا سترﺷده إلى معرفة السبيل إلى بناء المداخل السرية لمقبرته. وﻗد سأل خوفو الساحر جدي ﻋن مكان هـذه الوثائق وطلب منه أن يرﺷده إليهـا وأجاب الساحر انه فعلا يعرف مكانهـا، لكنه ﻗال بأن هـذه الوثائق سوف تكون فى يد سيده من مدينة "أون" – ﻋين ﺷمس حاليًا، وسوف يحكم أبناؤهـا مصر وهـنا ﺷعر الملك بالحزن ولكن الساحر طمأنه وﻗال سوف تحكم ومن بعدك أبناؤك ثم حفيدك.
وﻋلى الرﻏم من أن هـذه القصة ليست من ﻋصر الملك خوفو إﻻ أن لهـا دﻻﻻت مهـمة جدا فهـى ﻋبارة ﻋن حكايات وﻗصص تتناﻗلهـا اﻷجيال، وﻗد كتبت كوثيقة أدبية مثل ﻗصص ألف ليله وليله. ويعد الملك خوفو من أﻋظم ملوك مصر وﻗد بنى أﺿخم مقبرة ملكية فى التاريﺦ واستطاع أن يجعل المصريين يبدﻋون فى إخراج أسطورة معمارية معجزة من ناحية الدﻗة فى البناء، وﻗطع اﻷحجار، وﺿبط زوايا الهـرم مع النجوم، كما أثبتت ذلك ﻋالمة الآثار اﻹنجليزية كيت سبنسر. بل إن خوفو ومهـندسه المعماري استطاﻋا بناء النظام اﻹداري المحكم القادر ﻋلى تنفيذ مﺷروع ﻋملاق مثل بناء الهـرم! وتلك هـى المعجزة الحقيقية بعينهـا. وكتب خوفو أيﺿا كتابا للمصريين أﺷار إليه المؤرخ المصري القديم مانيتون السمنودي الذي ﻋاش فى ﻋهـد الملك بطليموس الثانى حوالى ٠٨٢ ﻗبل الميلاد.
وحديثًا تم الكﺷف ﻋن بردية وادي الجرف وبهـا يوثق مفتش العمال مرر ﻗيادته لمجموﻋة من ٤٠ ﻋاملًا ذهـب بهـم إلى محاجر طره بحلوان لقطع أحجار كساء الهـرم، وحكى كذلك ﻋن رئيسه ﻋنﺦ خاف وذكر ما يﺷير إلى أن الملك خوفو ﻋاش داخل ﻗصر بمنطقة الهـرم والعديد من القصص اﻷخرى، لذلك فقد أصبﺢ هـناك اﻋتقاد الآن بأن هـذه الفتحات السرية وما بهـا من أبواب تخفى وراءهـا سرا من أسرار الفراﻋنة، والغريب أن الباب الذي كﺷفنا ﻋنه بالروبوت ﻻ يدل ﺷكله ﻋلى انه من الحجر الجيري بل يﺷبه سدة الطين ذات الﺷقوق الكثيرة والتى يتﺿﺢ من ﺷكلهـا أنهـا تخفى ﺷيئًا وراءهـا وان المصري القديم أﻏلق الباب الصغير وسد الفتحة تماما من داخل الحجرة وهـذا الوﺿع ينطبق تماما ﻋلى الفتحة الﺷمالية لذا فأنا أستطيع ان أجزم أن هـذه اﻷبواب ﻗد تفسر السر وراء بحث الملك خوفو ﻋن الوثائق المقدسة ﻹخفاء حجرة دفنه كما ﻗلنا، خاصةً أنه ورد فى نصوص اﻷهـرامات ذكر اﻷبواب الﺷمالية والجنوبية التى يعبر منهـا الملك الى العالم الآخر. وأخيرًا فلابد من محاولة البحث ﻋما يوجد وراء هـذه اﻷبواب السرية بهـرم الملك خوفو.
لمطالعة موقع ديالوج.. اضغط هنا