الثلاثاء 04 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

مصطفى الزائدي يكتب: ليبيا تاريخ من الكفاح ضد الاستعمار

مصطفى الزائدي
مصطفى الزائدي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ليبيا الحديثة تكونت نتيجة كفاح خاضه الآباء والأجداد ضد المستعمرين الأجانب، فطوال الستة قرون الماضية بعد هزيمة العرب فى الأندلس خضعت ليبيا لسيطرة قوى أجنبية غاشمة، فاحتل الإسبان ومن بعدهم فرسان القديس يوحنا طرابلس لعدة عقود، ثم جاء القراصنة الأتراك ليحتلوها ويحولوها جزءا من أملاك الدولة العثمانية التى بدأت تمتد غربا وجنوبا، تفاءل الليبيون بظهور قوة اعتقدوا إنها إسلامية لكن ذلك التفاؤل سرعان ما انقشع بعد أن ظهر الوجه البشع للجنود الانكشاريين الذين استخدمهم الترك للسيطرة على مستعمراتهم وسلموها لهم غنيمة يعيثون  فيها فسادًا، كما أصبحت الواحات الليبية منفى للمجرمين الأتراك والمعارضين من الأمم الخاضعة للدولة التركية كالشركس والألبان والصقالبة وغيرهم، الذين أفتكوا أملاك الليبيين فى الواحات المهمة على المتوسط وشردوا سكانها إلى الصحراء.

كان الولاة الأتراك يتناوبون على ليبيا كل عدة شهور وكل والٍ جديد يضاعف من معاناة الليبيين، الأمر الذى قاد إلى انتفاضات كبرى ربما هى الوحيدة التى واجهها الحكم العثمانى فى الوطن العربى، فخلاف التمردات الصغرى ورفض دفع الميرى قامت ثورات كبرى على طول الساحة الليبية، من أبرزها ثورة قبائل برقة فى بنغازى والجبل الأخضر والتى شهدت مذبحة قبيلة الجوازى الشهيرة عام ١٨١٦ حيث تم ذبح مشايخها الذين لبوا دعوة تفاوض من الوالى لوقف التمرد، ثم قام الجنود الانكشاريون بالهجوم على نجوع القبيلة وإبادتهم فهاجر من نجا منهم إلى مصر وتشتت الباقون بين القبائل، وقبل ذلك كانت معارك الجبل الأخضر ضد قبائل الحرابى وتهجير مئات الآلاف منهم فى ذلك الوقت إلى مصر، العبيدات والقطعان والمنفة والفوائد والشهيبات وغيرهم.

فى الغرب اندلعت ثورة غومة المحمودى الأولى والثانية ١٨٣٥-١٨٥٥ التى استمرت عدة سنوات نجح خلالها فى محاصرة الأتراك فى طرابلس، لكن الجيش التركى المدجج تمكن أخيرًا من قمع الثورة، وقام بأضخم عملية تهجير للقبائل الليبية فى التاريخ وحاول إعادة بناء الجغرافيا السكانية فى ليبيا بما لذلك نرى الاختلاط الواسع للقبائل الليبية وكذلك انتشارها يخدم بقاءه.

فى الوسط والجنوب اندلعت ثورة عبد الجليل سيف النصر ١٨٣١-١٨٤٢ ضد الترك واستمرت أيضا لعدة سنوات قبل أن تنجح قوات الترك المدججة فى قمعها وتشريد قبائل الوسط والجنوب إلى أدغال أفريقيا.

فى الخمس، نفذت عدة مذابح من قبل الولاة الأتراك، وكذلك فى الزاوية الغربية وترهونة وبنى وليد ومصراته، وكانت الضرائب الباهظة التى تفرض على الليبيين وعدم قدرتهم على سدادها سببًا مهمًا فى هجرة القبائل وفى مصادرة أراضيهم لصالح الأتراك، وكذلك فى قتلهم، ولعله من المشاهد التى كانت شائعة تلك الرءوس التى تعلق على أسوار المدن لإشاعة الخوف وضمان السيطرة، حيث كان الأتراك يأتون برءوس المقاومين ويعلقونها على الأسوار.

فى أكتوبر ١٩١١ تفاجأ الليبيون بالبوارج الحربية الإيطالية تدك مدن الساحل الآمنة، طرابلس وبنغازى والخمس وطبرق  فسقط آلاف الضحايا وسرعان ما بدأت عملية إبرار لجحافل الجنود المدججين بأحدث أنواع الأسلحة ودارت معارك شرسة بين الليبيين العزل وجيوش الغزاة الطليان استمرت لعقود، وكان الطليان يتوهمون أنهم فى نزهة لكن شراسة المقاومة اضطرتهم للزج بكل قواتهم المسلحة وتولى جنرالات كبار قيادتها منهم  الجنرال كانيفا ونيامى وبالبو وجريسيان. فى عام ١٩١٢ وقعت أضخم عملية نفى جماعى فى التاريخ حيث نقل آلاف الأسرى من الليبيين عبر سفن إلى جزر إيطالية مهجورة ليلقوا مصيرًا مجهولًا إلى اليوم، حسب شهادات ناجين معظمهم ألقى بهم فى البحر المتوسط غذاءً لأسماك القرش.. لقد أباد  الطليان أكثر من نصف السكان وتعرض الباقون لمشاكل المجاعات التى ضربت البلاد فى العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين،  وتخلى الأتراك عن ليبيا مقابل مال  يحسب بمئات آلاف الليرات فى معاهدة أوتشى المخزية التى وقعت عام ١٩١٢. لكن الليبيين استمروا فى المقاومة ونجحوا فى تحقيق انتصارات كبرى على الطليان ولم تخل مدينة وقرية ليبية من نصب تذكارية لمعارك الجهاد ولعل أهم المعارك الكبرى كانت معركة القرضابية فى سرت التى اشترك فيها المجاهدون الليبيون من الشرق والجنوب والغرب حيث نصب المجاهدون كمينًا محكمًا للقوات المتجهة لمحاربة المجاهدين وأبيد فيها جيش الجنرال نيامى، وبعد القرضابية تم تطوير هجوم المجاهدين فى الغرب الليبى وحررت المدن الواحدة تلو الأخرى وتقهقر الطليان للتحصن داخل سور طرابلس.

وأعلن المجاهدون فى ١٦ نوفمبر ١٩١٨ أول جمهورية مستقلة فى الوطن العربى وأفريقيا، وسميت "الجمهورية  الطرابلسية" وكانت فى مدينة مسلاتة وكانت مناطق سيطرتها فى إقليم طرابلس والجبل الغربي وفزان لكنها لم تستمر طويلًا.

بعد انتصار الفاشية ووصولها إلى الحكم بقيادة موسيلينى فى روما، أعادت إيطاليا الهجوم  بوحشية غير مسبوقة باستخدام الدبابات لأول مرة فى التاريخ فى الصحراء، وباستخدام الطائرات فى الحرب، وكذلك استعمال الغاز السام لأغراض حربية،  ومع ذلك لم ينجحوا فى استيعاب حركة الجهاد إلا بعد أن قاموا باحتجاز القبائل الليبية فى معتقلات جماعية فى أماكن صحراوية قاحلة تنعدم فيها سبل الحياة والتواصل، فى العقيلة وسلوق والمقرون، ونتيجة شدة ووحشية القمع وبعد استشهاد عمر المختار وهجرة مئات الآلاف من الليبيين إلى مصر وتونس والجزائر وتشاد والنيجر، وتمكن الطليان من بسط سيطرتهم على ليبيا الخالية تقريبًا من السكان حيث جلبوا عشرات الآلاف من المستوطنين الذين تملكوا الأراضى وكل المنشآت الاقتصادية على بساطتها وتحولت ليبيا إلى جزء من إيطاليا الفاشية وسميت الشاطئ الرابع لإيطاليا ونفذت عمليات تنقيب عن آثار الرومان للقول بتاريخية حق إيطاليا فى تملك ليبيا، وفرضت المسيحية كشرط للحصول على الجنسية وأنشئت أكبر كاتدرائية فى أفريقيا فى طرابلس وبنغازى لتكون مراكز للتبشير من أجل إحكام قبضة المستعمر على الوطن .

بعد هزيمة المحور الإيطالى الألمانى اليابانى فى الحرب العالمية الثانية حاول الإنجليز بدهائهم  خلق وضع جديد خارج اتفاقيات يالطا محاولين إبعاد الروس عن إرث المستعمرة الطليانية، فحاولوا زرع بذرة التقسيم بإعلان استقلال برقة، لكن الأمم المتحدة حديثة التكوين لم تعطهم الفرصة الكاملة، فصوتت على استقلال ليبيا، وشكلت مجلسا لمناقشة آليات الاستقلال سمى مجلس ليبيا من عشر دول منها الخمسة دائمة العضوية إضافة إلى إيطاليا ومصر وباكستان،  وعينت مبعوثا خاصا لها يسهر على تنفيذ قرار الاستقلال،  هو أدريان بلت الذى حاول أن يوفق بين رغبات الإنجليز وبين طلبات الليبيين فى الاستقلال التام ووجهات نظر الدول المؤثرة، وهكذا وفى خضم صراع مرير بين الدول الكبرى التى تهيئ نفسها للدخول فى حرب باردة، نشأت دولة منقوصة السيادة، لكنها نجحت فى وضع أساسيات بناء دولة بسيطة، ورغم وجود قواعد عسكرية إنجليزية وأمريكية ونفوذ فرنسى فى الجنوب إلا أن الليبيين فرضوا واقعًا مختلفًا وخرجت ليبيا من بين أنياب المتصارعين وتأسست دولة مستقلة لحقبة طويلة من الزمن.

لمطالعة موقع ديالوج

https://www.ledialogue.fr/