تنظم دولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمر المناخ القادم في الفترة من ٣٠ نوفمبر إلى ١٢ ديسمبر، وقد جاء هذا الاختيار نظرًا للتقدم المذهل في مجال البيئة والطاقات المتجددة الذي حققته الإمارات كما يعكس صعود عالم جديد متجذر في القرن التاسع عشر.
أثار تنظيم دولة الإمارات العربية المتحدة لمؤتمر المناخ كثير من الجدل، حيث يري البعض أنه من غير المعقول قيام دولة بترولية بتنظيم قمة حول المناخ، بينما يري البعض أن سياسة الإمارات البيئية تؤهلها لمثل هذا الحدث.
نعم الإمارات هي سابع أكبر منتج للذهب الأسود في العالم بمتوسط إنتاج يبلغ ٣.٧٩ مليون برميل في اليوم، لكن هل هذا يتعارض مع الرغبة في غرس ديناميكية جديدة تحترم البيئة؟ ما لم يثبت خلاف ذلك، تعتمد اقتصاداتنا إلى حد كبير على النفط والمواد الخام الأخرى، والحرب في أوكرانيا هي مثال جيد؛ ولكن سياسة الإمارات العربية المتحدة بعيدة كل البعد عن أن تكون أحادية القطاع؛ فقد شاركت البلاد لعدة عقود في نهج متطور وبناء لصالح الكوكب.
سياسة بيئية ليست جديدة
بعد ١٨ عامًا من استقلالها، وقعت الإمارات في عام ١٩٨٩ على اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون وكذلك اتفاقية مونتريال، وفي عام ١٩٩٥ كما انضمت إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وفي ٢٠٠٥ وقعت على بروتوكول كيوتو الذي يهدف إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وفي عام ٢٠٠٩، أصبحت الامارات عضوًا دائمًا في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «IRENA»، ومقرها في أبو ظبي.
تضم هذه المنظمة الحكومية الدولية ما لا يقل عن ١٦٧ دولة وكذلك الاتحاد الأوروبي وتدعو إلى التعاون متعدد القطاعات للاستجابة لحالة الطوارئ المناخية، وفي عام ٢٠١٥، وقعت الإمارات اتفاقيات باريس، وتهدف هذه الاتفاقية إلي الحفاظ على الزيادة في متوسط درجة حرارة الكوكب أقل بكثير من ٢ درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة، وهي أول دولة في الشرق الأوسط تصدق علي هذه الاتفاقية.
وإدراكًا منها أن قضية المناخ علي درجة كبيرة من الأهمية، نظمت الإمارات اجتماعًا للمناخ في عام ٢٠١٩ ضم أكثر من ١٠٠٠ دبلوماسي وقادة أعمال وخبراء وباحثين، كان الهدف هو تعزيز إنجازات اتفاقيات باريس، وفي عام ٢٠٢١، نظمت الدولة حوارًا إقليميًا حول المناخ للمناقشة مع مختلف الشركاء في الشرق الأوسط وكذلك مع الولايات المتحدة لإيجاد ديناميكية جديدة تركز على الاستثمارات في الطاقة المتجددة، ونهج النظام الإيكولوجي، والحلول القائمة على الطبيعة، والزراعة الذكية مناخيًا، وتقنيات احتجاز الكربون وغيرها من الحلول منخفضة الانبعاثات التي ستدعم النمو والاقتصاد المستدام وخلق فرص عمل جديدة، وفي العام نفسه، شاركت الإمارات أيضًا في قمة القادة حول المناخ التي نظمتها إدارة «بايدن».
بعيدًا عن المشاركة في هذه القمم العديدة، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة في أكتوبر ٢٠٢١ عن مبادرة وطنية تهدف إلى تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام ٢٠٥٠، متفاخرة بأنها بذلك أول دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحقق ذلك.
بشكل ملموس، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة ببناء أكبر مزرعة للطاقة الشمسية في العالم على بُعد ٣٥ كيلومترًا من أبو ظبي، حيث قامت شركة «EDF Renewables» الفرنسية وشركة «جينكو» الصينية للطاقة بتصميم هذه المزرعة الكهروضوئية بالظفرة بنسبة مساهمة تصل إلى ٢٠٪، والباقي مشترك بين الإماراتيين طاقة ومصدر.
بدأ المشروع في عام ٢٠٢٠ وسينتهي بحلول صيف عام ٢٠٢٣، وبذلك سيكون قادرًا على توفير الكهرباء النظيفة إلى ١٦٠ ألف منزل وسيتجنب إطلاق ٢.٤ مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهو ما يعادل استهلاك ٢٠٠ ألف سيارة.
بالإضافة إلى ذلك، في عام ٢٠٢١ وقعت هيئة كهرباء ومياه دبي مع مجموعة «EGA» للمعادن اتفاقية بشأن إنتاج الألمنيوم من الكهرباء من الطاقة الشمسية، وهو أمر لم يسبق له مثيل علي مستوي العالم، كما استثمرت الإمارات أكثر من ٥٠ مليار دولار في مصادر الطاقة المتجددة في أكثر من ٧٠ دولة، ولا تزال ملتزمة باستثمار أكثر من ٥٠ مليار دولار في الطاقة النظيفة.
بالإضافة إلى هذه الاستثمارات، تفكر الإمارات وتسلط الضوء على مدينة الغد، لتكون أكثر استدامة وصحة وأقل تلوثًا، وتهدف الخطة الرئيسية للنقل السطحي في أبوظبي إلى الحد من استخدام السيارات الخاصة، من خلال تطوير شبكة النقل العام وإنشاء مسارات للدراجات وممرات للمشاة، وتنص الخطة أيضًا على تطوير«(Personal Rapid Transit (PRT»، وهي تقنية تعمل على الطاقة الشمسية.
تركز «خطة أبوظبي ٢٠٣٠»، التي تتعلق بإعادة تطوير المناطق الحضرية، على العديد من التدابير البيئية مع إنشاء حديقة وطنية، ومناطق أقل كثافة سكانية، وقرى بيئية، و«حزام رملي» لتحديد المساحات الحضرية والمساحات الطبيعية. كما يهدف المشروع إلى الحد من زحف المدن على الكثبان الرملية.
في دبي، من ٢٠١٩ إلى ٢٠٢١، قامت الإمارات بزراعة أكثر من ٢٠٠٠٠٠ شجرة، علاوة على ذلك، كشفت المدينة في عام ٢٠٢٣ عن مشروع مسار دائري عملاق بطول ٩٣ كم يدور حول التجمع السكني، وستكون هذه البنية التحتية، المسماة «The Loop»، خالية من السيارات، وتدرس الإمارات أيضًا إنشاء «Agri Hub» مساحة تبلغ ٤٠ هكتارًا مخصصة للبحث وزيادة الوعي بالبيئة، كلها مبنية بطريقة خضراء بدون طاقة أحفورية وبإعادة استخدام الغاز الحيوي للنباتات لتوليد الطاقة.
من خلال هذه المشاريع التي لا تُعد ولا تحصى، أثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة صحة نواياها، وفي الحقيقة، الطموح هو التفكير بشكل كامل في عالم ما بعد النفط، وتتيح الدولة لنفسها كل الوسائل المتاحة للقيام بذلك. لقد استثمروا اليوم في التجارة والتمويل والعقارات والنقل الجوي والسياحة الفاخرة والمناطق الحرة والإعلام والموانئ الحرة والعبور والتعليم والثقافة والتكنولوجيا العالية والبحث العلمي. لقد وضعوا أرجلهم بشكل راسخ وقوي في عالم الغد، وكما أوضح سلطان الجابر: «بصفتي رئيس الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف، سأحدد خارطة طريق تكون شاملة وموجهة نحو النتائج وبعيدة عن المسار العادي والشائع».
معلومات عن الكاتب
ألكسندر عون.. صحفى فرنسى من أصل لبنانى متخصص فى قضايا الشرق الأوسط.. يتناول تنظيم دولة الإمارات العربية المتحدة لمؤتمر المناخ COP28 نهاية هذا العام.
لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي:
https://www.ledialogue.fr/