الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

حسام بدراوى يكتب: الوعى الزائف.. لا تختلف فيه أوروبا عن شعوب العالم الثالث

الدكتور حسام بدراوى
الدكتور حسام بدراوى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كنت أشرح للطلبة نشأة الجنين فى رحم الأم، وتَدَرُج الخلق من خليتين تلتقيان إلى مخلوق متعدد الخلايا، ثم إلى أعضاء وأجهزة داخل جسم الجنين بوظائف مختلفة.
وتَدرَج الحوار حول متى يصبح هذا الجنين إنسانًا، ثم متى تدخله الروح وأين فى كل ذلك النفس التى نتكلم عنها، وهى كما نفهم التى تحيا وتموت؟ 
قلت لهم: قد يكون جسم الجنين وتريليونات الخلايا فيه، وحمضه النووي، وهى الماديات التى نراقب تواجدها، وفَهِمنا فيها ومنها الكثير.. شيء، والروح والنفس شيء آخر ما زلنا فى أولي درجات فهمها. 
قال شاب ذكى: وما علاقة ذلك بالوعى يا دكتور؟.. متى يعى الجنين والطفل؟
قلت:  يعتبر الوعى حالة عقليّة  يتم من خلالها إدراك الواقع والحقائق الّتى تجرى من حولنا، وذلك عن طريق اتّصال الإنسان مع المحيط الّذى يعيش فيه، واحتكاكه به.  إن الوعى ينضج تدريجيًا بإدراك كل ما حول الإنسان من موجودات من خلال منافذ الوعى التى تتمثل فى حواسه التى تنقل إلى ذهنه ذلك فيُترجمها ويُركبها ويُدرك.
إذن الوعى مرتبط بالحواس المخلوقة فى الجسم الإنسانى.
وكلما ازداد  المحصول الفكرى الذى ينضوى عليه عقل الإنسان، بالإضافة إلى وجهات النظر المختلفة التى يحتوى عليها هذا العقل والتى تتعلّق بالمفاهيم المختلفة التى تتمحور حول القضايا الحياتيّة والمعيشيّة، زاد وعيه وإدراكه بنفسه فى إطار الموجودات والأحداث حوله.
إذن الجنين ساعة الولادة وما بعدها والطفل كذلك،  ليس واعيا بهذا المفهوم..
وهنا يأتى السؤال:  وهل كل المخلوقات  الأخرى واعية؟
أعتقد أن  الوعى هو حالة يتميز بها الإنسان عن غيره من المخلوقات.  والوعى بأمر ما يتضمن معرفته  وما يحيط به والعمل على أساسه.
وقد يكون الوعى وعيًا زائفًا، وذلك عندما تكون أفكار الإنسان ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع الحقيقى من حوله أو بما تدركه حواسه وعقله إذا اختلت.
وقد يكون جزئيًا، وذلك عندما تكون الأفكار والمفاهيم مقتصرة على جانب أو ناحية معينة وغير شاملة لكل النواحى والجوانب والمستويات المترابطة والتى تؤثر وتتأثر فى بعضها البعض فى عملية تطور الحياة.
وهناك أيضا الوعى الجمعى، الذى قد يسيطر على ذاتية الفرد ويجعله جزءا من تكوين فكرى لا يستطيع الفكاك منه، مثل التدين بدين معين والوصول إلى مرحلة التعصب، أو الانتماء لمجموعة أيديولوچية، بل وقد يرفض الإنسان  مناقشة ذاته المستقلة طالما هو فى إطار وعى جمعى، الذى يزداد تأثيره بزيادة أعداد هذا الجمع وتأصل  وتكرار تعليماته ومناسكه. 
ويقول الفيلسوف الألمانى هيجل إن الإنسان هو الموجود الوحيد الذى يعى باعتباره موجودًا لذاته. أما المخلوقات  الأخرى فإنها لا توجد إلا بكيفية واحدة ولا يوجد لديها تراكم معرفة ولا نقل خبرات يجعل وعيها شاملا موجودات أخرى وأزمنة مختلفة وخبرات متراكمة.
فالإنسان يعمل دائما على تغيير الأشياء خارجه  لأنه يريد أن يرى ذاته مؤثرة فى صنع ما حوله.
ويرى الفيلسوف الفرنسى ديكارت أن الشك هو الذى يجعلنا نحيط بذواتنا. هكذا شك ديكارت فى كل شيء بما فى ذلك وجوده. وتأكد له بوضوح فقط  أنه لا يستطيع أن يشك فى أنه يفكر، حيث إن التفكير هو الخاصية الوحيدة التى لازمت الذات منذ البداية. فانطلاقا من التفكير يمكن أن ندرك بصفة حدسية وجود الذات؛ هكذا استطاع ديكارت أن يقول: "أنا أفكر إذن أنا موجود". فالذات والتفكير متلازمان، فحينما تتوقف الذات عن التفكير تنقطع عن الوجود. 
الآن أصل إلى الوعى المصنوع والمفروض على البشر من صانعى الوجدان، والذين يملكون التقنيات على خلق ما هو ليس مخلوقًا، وجعله حقيقة، بل ويرهبون كل من يشك أو يفكر بشكل مختلف.  إنها صناعة وعى مختلق، وباستقراره ودوام تأكيده، يبدأ الجمع فى التصديق بل تجد بعد زمن استعداد الشعوب بالتضحية برفاهيتها بل بحياة أفرادها من أجل قضية خُلقت وأصبحت تمثل وعيًا جمعيًا. لا تختلف هنا أوروبا عن شعوب العالم الثالث والنامي، وتنزوى الحقائق.
ما يحدث بين البشر ووعيهم بما يحدث حولهم سواء بتصديق خرافات دينية، أو ادعاءات سياسية، ترسم وعيًا زائفًا فى العقول بمن هو الصديق ومن هو العدو، وبعد جيلين من التطور تضيع حقائق كثيرة ونعيش فى وعى زائف خلقه من يملك الأدوات ومن يرسم السيناريوهات ومن عنده قدرة التحكم فى الإعلام والسوشيال ميديا.
إنه وعى عرائس المسرح وليس  من يحرك الخيوط التى تحكى قصة وجودهم على المسرح.

https://www.ledialogue.fr/