الأب وليم سيدهم اليسوعى، راهب ثائر من رهبان لاهوت التحرير، ومثقف عضوى، زاهد، وهو فليسوف ليس بما أنتج من كتابات فحسب، بل ومن ممارسات تجسيد المحبة والإخاء والمساواة، وهو مؤسس جمعية النهضة العلمية والثقافية جزويت القاهرة، التى تضم مجلس إدارة ومستشارين وعاملين متطوعين من المسلمين والمسيحيين، شباب وشابات، منقبات ومحجبات وسافرات، يساريين وليبراليين ووطنيين، يقتسمون الخبز والثقافة وحب الوطن، أرى فيهم دائما محمية وطنية ثقافية فى حب الوطن.
وفى سنة 2000؛ انتقل نادي سينما الجزويت من مسرح مدرسة الجزويت إلى قاعة الجمعية فى الفجالة كل سبت، بعد الفيلم تنظم مجموعة أعضاء النادى مناقشتة.
وتصدر عن الجمعية مجلة السينما، ويرأس تحريرها الناقد الموهوب سامح سامى، وتهتم المجلة بالثقافة السينمائية المصرية، والسينما العالمية وآفاق تطورها، إضافة إلى اهتمامها بالتجارب الرائدة لسينما الحضارات الإنسانية المختلفة، خاصة تجارب الشعوب التى تسعى للخروج من هيمنة هوليوود، كما تهتم المجلة بالسينما منخفضة التكاليف، والتقنيات الحديثة والفقيرة، والفيلم التسجيلى الذى أصبح سجل التاريخ الحى للحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية، والفيلم الروائى.
بالإضافة إلى ورشة السينما، وهى ورشة تدريب ودعم إنتاج أفلام مجانية تستهدف تدريب صناع الأفلام المبتدئين من فئات المجتمع الأكثر احتياجا لتمكينهم من أدوات التعبير بثقافة الصورة، عبر تعلم صناعة أفلام منخفضة التكلفة، لأن تعلم السينما كان ينحصر فى الفئات التى تمتلك القدرة المالية والنفوذ وشبكة العلاقات والمصالح، وهكذا كانت جزويت القاهرة رائدة ومؤسسة للسينما المستقلة منذ أكثر من ربع قرن.
وأكاديمية النهضة للفنون والآداب تضم عدة مدارس، وهى: مدرسة السينما، مدرسة الرسوم المتحركة، مدرسة النهضة لفنون المسرح الاجتماعى «ناس»، ومدرسة العلوم الإنسانية، بالإضافة إلى عدة أنشطة تقوم بها جمعية النهضة جزويت القاهرة، مثل نادى السينما، مجلة الفيلم، نادى كتاب الطفل، الاستديو، مسرح ناصيبيان، والورش الحرة، مكان الجمعية الحالى كان استوديو ناصيبيان التاريخى.
كل ذلك مع مهرجان الجزويت للفيلم الذى يقدم لغة بصرية شابة تتواصل مع تجارب جيل رواد الثمانينيات فى مصر فى ذات الوقت الذى تصنع فيه لغتها الخاصة، النابعة من التغيرات الهائلة التى أدخلتها الثورة المصرية على مفهوم الصورة واستخدامها، والنابعة كذلك من دخول التكنولوجيا الرقميه وشبكات التواصل الاجتماعى والإنترنت، ويعمل المهرجان على أن يكون السند والشرارة الأولى للسينمائيين المبتدئين فى محافظات الصعيد، لحصول تلك المناطق على قدر عادل من ثقافة الصورة، وإتاحتها بعيدا عن مركزية المعرفة.
جنبا إلى جنب مع الموهوب مصطفى وافى، فنان المسرح ومؤسس مدرسة «ناس» وهى مبادرة لخلق تيار مسرحى يتفاعل مع القضايا المصرية، يقدم عروضه حيث يتواجد الناس فى الشوارع، الميادين، والمساحات العامة فى القرى والمدن، وهى مساحة لتدريب العارضين والعارضات على مختلف فنون الأداء، ومدارس المسرح التى تعمل على تجاوز المسافة بين المسرح والمجتمع.
بدأت المدرسة عام «2013»، ويدرب فيها مدربون محترفون مصريون وأجانب على مختلف فنون المسرح الجسدى والاجتماعى ومسرح الشارع، وتستقبل المدرسة «25» متدربا لمدة سنتين، وتشارك معه الباحثة في المسرح ريهام رمزى.
ولا ننسى أن أكاديمية الفنون تضم مدرسة للرسوم المتحركة يقودها الفنان إبراهيم سعد والفنانة مريم، ومدرسة للعلوم الإنسانية ،ونادى كتاب الطفل فى المكتبة التى كانت أول نشاط للجمعية فى الفجالة والضاهر، ولذلك أهالى الضاهر تسمى الجمعية حتى الآن «المكتبة»، ومن ثماني سنوات بدأت المكتبة تعمل نشاطا مع الأطفال يحكون حكايات ويتعلمون شعر صلاح جاهين ويشوفوا أفلام مختلفة.
وفى المكتبة يرسم الأطفال ويتعلمون أشغالا فنية وطباعة، نشاط نادى كتاب الطفل كل يوم خميس، وفيه حوالى «25» طفلا، وتفتح المكتبة أيضا أبوابها لكل من يريد القراءة والاستعارة، كما تضم المكتبة صالونا شهريا «صالون الجزويت الثقافى» الذي يناقش مع المفكرين والكتاب قضايا ثقافية.
كتابات لاهوت التحرير للأب وليم
من تجسيد لاهوت التحرير علي الارض ثقافيا وفنيا في جمعية النهضة، إلى دراسات لاهوت التحرير هناك أكثر من 25 كتابا من إبداعات الأب وليم، كتاباته عن لاهوت التحرير، وهي:
لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية 1993، لاهوت التحرير في أفريقيا 1997، لاهوت التحرير في آسيا 2001، حقوق الإنسان رؤية مسيحية 2011، لاهوت التحرير الفلسطينى 2018، لاهوت التحرير ـ رؤية مسيحية إسلامية 2008، المجتمع المدنى عبر العمل الاجتماعي 2008، يوكيات كاهن في زمن الثورة 2015، قضية التنوير ولاهوت التحرير2019، مشكلة التأويل عند ابن رشد 2019، وهكذا يعد الأب وليم سيدهم صوتا صارخا ضد الصهيونية من منظور كتابى مسيحى ولاهوتى.
وليم سيدهم الراهب والكاهن الثائر لم يكتب لاهوتا عن فلسطين فحسب بل دعا تلاميذه من الثوار الذين تبعوه على حمل صليب الثورة الفلسطينية، ليصدر كتاب «لاهوت التحرير الفلسطينى» شهادة مروية بدماء الشهداء والجرحى.. في مواجهة مع الفاشية الصهيونية وعدوانها.
لاهوت التحرير الفلسطيني
في البدء كان وعد الله لإبراهيم بأرض الميعاد، منذ نحو ثلاثة آلاف عام/ ومنذ عام 1917 وعد بلفور هرتزل بتكوين دولة لليهود المضطهدين في أوروبا، ولقد اتخذت هذه الأرض أسماء مختلفة منذ إبراهيم وحتى الآن فلسطين أم إسرائيل أم الأرض المقدسة أم أرض الموعد كلها مفردات ولطالما استخدمها في الكتب المقدسة في كل الديانات بلا استثناء غطاء مقدسا لتبرير أحط غرائز الإنسان من قتل وذبح وسفك الدماء؟!
فتارة «الحرب المقدسة»، وتارة باسم «الجهاد» وأخرى باسم «الدفاع عن المقدسات» إلخ وأى مدقق في تاريخ منطقتنا وفى وضع أراضى فلسطين بكامل ترابها يرى أن ما حدث منذ وعد بلفور لم يكن له أى علاقة بالكتاب المقدس اللهم إلا غطاء مقدسا لتبرير الاعتداء على أراضى الغير والتمسح بنصوص العهد القديم التى تجاوزها سيدنا عيسى (المسيح) بصفتة الوحيد الذى استطاع أن ينفذ وصية «يهوه» ويربط بين تنفيذ وصايا الله واكتساب أرض الميعاد.
ويعود الأب وليم في دراسته اللاهوتية إلى مفهوم الأرض في الكتاب المقدس من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا ويؤكد على أن مفهوم ملكية الأرض تعود لله، ويخلص الأب وليم إلى أن مفهوم «أرض الميعاد» في العهد القديم أصبحت مهيئة لعهد جديد يعيد لها معناها كمصدر للبركة والسلام لأن العهد القديم بين الله وبين شعب الله المختار قد فشل لأن هذا الشعب لم يكن أمينا على العهد الذى قطعه مع صاحب هذه الأرض.
وبالتالى انتهت مسيرة هذا الشعب إلى طريق مسدود وعليهم أن يجنوا ما اقترفت أيديهم، وأن يتساووا مع جميع الشعوب لأن العهد الجديد سيحل مجئ يهودى يعرف كيف يصون العهد مع الله وكيف سيصبح هو وأرض الميعاد بركة لجميع الأمم وهو يسوع المسيح الذى سيولد في بيت لحم ويعطى لأرض الميعاد مفهوما جديدا أمميا بعيدا عن العنصرية الصهيونية.
وينتقل الأب وليم من العهد القديم إلى العهد الجديد، ويتوقف على مفهوم الأرض المقدسة في حواره مع المرأة حول السامرية (إنجيل يوحنا فصل 4) حينما سألته ويذهب بها إلى ما هو أبعد ما يمكن تصوره من جعل أرض الميعاد مجرد عنصر ثانوى فقد محوريته التى استمرت في العهد القديم لتتحول بعد مجىء المسيح وموته وقيامته إلى حلقة من حلقات الخلاص لجميع الشعوب.
هكذا ينتقد المسيح وجود أرض محددة لإقامة علاقة تعبدية مع الله، ورغم التكامل بين العهدين القديم والجديد فإن يسوع يعلن القطيعة مع مفهوم الأرض بين العهدين القديم والعهد الجديد لأن مملكة المسيح في العهد الجديد ليست أرض كما كان يظن اليهود بل مملكته ليست في هذا العالم ولا تتأسس على اغتصاب أرض الغير بل على الإيمان بالله، ويمتد استشهاد الأب وليم بانتفاء مفهوم أرض الميعاد بعد مجىء المسيح إلى الرسالة إلى العبرانيين.
وتقول الرسالة إلى العبرانيين عن إبراهيم: «بالإيمان لبى إبراهيم دعوة الله فخرج إلى بلد به ميراث، خرج وهو لا يعرف أين يذهب وباريمان نزل في أرض الميعاد كأنه في أرض غريبة، وأقام في الخيام مع إسحاق ويعقوب شريكيه في الوعد ذاته وفى الإيمان مات هؤلاء كلهم دون أن ينالوا ما وعد الله به.
ومن هنا يثبت الكاتب أن الوطن وأرض الميعاد مفهوم إيمانى وليس جغرافيا ويصل الأب وليم إلى سفر أعمال الرسل ليؤكد أن أرض الميعاد هى ليست أرض بالمعنى الجغرافى ولكنها في السماء ويمضى وصيته لا إلى سفر الرؤيا لتأكيد انتفاء مفهوم أرض الميعاد بالمعنى الصهيونى وما هى بعد مجىء المسيح إلا «أورشليم ـ القدس السماوية".
ويختتم الأب وليم سيدهم دراسته بالقول: (هذه الدراسة مجرد مساهمة بسيطة للرد على الآيات الكتابية التى يستخدمها اليمين المسيحى الصهيونى لتبرير عدوانيته على أبناء شعبنا الفلسطينى في القدس والضفة والقطاع، هذه الآيات النابعة من الكتاب المقدس لا تمت بصلة إلى ما حدث على أرض الواقع في «أرض الميعاد» التى تستخدم سياسيا بشكل فظ وغير علمى، ولكن نظرا للحساسية الدينية لدى شعوبنا العربية فإنهم يظنون أن هذا موقف المسيحيين جميعا من الآيات التى تبرر المجازر والتعديات على الشعب الفلسطينى باسم الله زورا وبهتانا).