مع صعود تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الإرهابي ونجاحه في السيطرة على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق وإعلانه قيام دولته المزعومة، لم يتوقف التنظيم عن استقبال مجندين ومجندات من خارج البلدين يفدون للانضمام إلى صفوفه، وخاصة من بلاد أوروبية وأجنبية بعيدة. والمدهش أن هؤلاء المنضمين الجدد جمعوا معلوماتهم عن التنظيم من خلال شبكة الإنترنت وتأثروا فيديوهاته الترويجية أو حتى من خلال الحسابات الوهمية التي تواصلت مع شباب في بقاع بعيدة من العالم ودعتهم للانضمام لصفوف التنظيم الإرهابي.
من نتائج وفود الجنسيات الأجنبية المشاركة في صفوف التنظيم الإرهابي، وخاصة بعد دحره والانتصار عليه في كل من سوريا والعراق، فإن مناطق شمال شرق سوريا بها عدة سجون تضم أعدادا هائلة من العناصر الإرهابية المحتجزة.
كما يوجد بها مخيمات عدة تضم المحتجزين من عوائل التنظيم من النساء والأطفال، والعديد ممن لا يملكون أوراق ثبوتية تؤكد انتمائهم لأي بلد. فأصبحوا مشردين في ملاجئ أو مخيمات إيواء تفتقد للمساعدات، أو قتلى في الصحراء الواسعة، أو مساجين في سوريا والعراق.
إمكانية تغيير الاجتهادات القضائية
واشتكت عائلات أمريكية في وقت سابق من أن منصات الشركات العالمية في جوجل، مثل يوتيوب، التي قدمت فيديوهات مقترحة لأبنائهم حول تنظيم داعش الإرهابي فأصبحوا ضحايا لها. ونقلا عن تقرير لموقع "اقتصاد الشرق"، فإن "المحاكم العادية سبق وأن رفضت الشكوى مستندة إلى الباب ٢٣٠ من قانون أقر عندما كان قطاع الإنترنت في طور الإنشاء وأصبح منذ ذلك الحين أحد أسسه.
وينص القرار على أن شركات قطاع التكنولوجيا لا يمكن أن تعتبر "محررة محتوى"، وتتمتع تالياً بحصانة قضائية على المضامين التي تبث عبر منصاتها".
وأضاف التقرير، أن أقارب إحدى الضحايا في شكوى إلى المحكمة العليا اعتبروا أن "جوجل" ليست "محرر محتوى" يحظى بحماية القانون إذ أنها "أوصت" بمعاينة مقاطع مصورة لتنظيم "داعش" من خلال خوارزمياتها.
وأوضحوا أنه "جرى اختيار المستخدمين الذين اقتُرح عليهم مشاهدة مقاطع فيديو لتنظيم داعش من خلال خوارزميات أنشأتها وأدارتها يوتيوب. من خلال موافقتها على النظر في القضية، على الرغم من رفضها معظم القضايا المقدمة، وأشارت المحكمة العليا إلى أنها مستعدة لتغيير الاجتهادات القضائية، إلّا أن هذا الاحتمال يثير قلق الأطراف الناشطة في هذا القطاع.
شبهات التواطؤ
من جانبه، قال الكاتب هشام النجار، الباحث في شئون الجماعات الإرهابية، إن هذه المسألة معقدة وتشهد جدلا بين الحين والآخر طوال السنوات الماضية، لأنه بالفعل هناك استفادة كبيرة تجنيها التنظيمات المتطرفة من خلال الترويج لموادها المرئية ورسائل قادتها بهدف نشر أفكارها وتجنيد عناصر والتأثير على خلايا وذئاب فردية كامنة.
وهو ما يجعل الحصانة القانونية الممنوحة لجوجل ويوتيوب محل نظر ومراجعة حيث أن فرص سد الثغرات وتشديد الإجراءات من الناحية التقنية متاح وفي متناول يد الشركات الكبرى، وإعادة الملف للواجهة وإثارته من الزاوية القانونية مهم جدا للبحث عن صيغة مساءلة تضمن الدفع باتجاه منع تسريب فيديوهات داعش أو اقتراحها على فئات معينة ولو بشكل غير مباشر وغير مقصود، وهو ما يعني حرمان التنظيم من استغلال منصات رائجة عالميا لتنفيذ برنامج دعاية مدروس ومخطط له جيدا.
وأضاف "النجار" في تصريحات خاصة لـ"البوابة"، أن الأمر لا يخلو من شبهة تواطؤ من قبل بعض الجهات الدولية المؤثرة وهو الأمر الذي يحتاج لتحقيقات وتقصي لإظهار تفاصيل هذا الملف الحساسة والخفية، لأنه لا يمكن ومن غير المنطقي اعتبار السماح بترويج فيديوهات وحشية ومعتقدات الذبح والحرق للبشر وهم أحياء من قبيل احترام الحريات.
تعميق التصورات الدينية والسياسية
وحول إمكانية إنقاذ الشباب من الوقوع تحت تأثير رسائل التنظيمات الإرهابية عبر مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، أوضح "النجار" أنه يجب تعميق التصورات والوعي ليس فقط الديني والفكري إنما أيضا السياسي والاستراتيجي، لأن غالبية من وقعوا في فخ وبراثن هذا التنظيم وأفكاره المنحرفة من سطحيي المعرفة السياسية قبل الدينية اعتقادا أنها مستقاة من تراث ديني.
واستدرك "النجار" بقوله: لكن إذا كان هناك وعي بحقيقة هذه التنظيمات وكيف تتشكل وتعمل ولحساب من، وإذا عرف الشباب أن غالبية من اعتنقوا فكر داعش من الغربيين والأوروبيين وقدموا للقتال في صفوف جنود الخلافة المزعومة هم من تيار اليسار الغربي، أو على الأقل واقعون تحت دعاية مفكري هذا التيار الذي عقد تحالفا مع الإسلام السياسي والقاعدة.
ويمجد منظروه وكتابه وسياسيوه في الغرب، تلك الجماعات بهدف هدم الدول وتفكيك الجيوش وتوسيع رقعة الفوضى في العالم، بجانب الكثير من التفصيلات والشرح في هذه الملفات من الناحية السياسية والاستراتيجية علاوة على البعد الديني والفكري نستطيع في هذه الحالة حماية الكثير من الشباب الذي اعتبره ضحية للاستسهال والسطحية وعدم الوقوف على خلفيات وإبعاد ما يجري حولنا في العالم.
محتجزون في مناطق سورية
بعد التراجع الكبير والهزيمة الساحقة لتنظيم داعش الإرهابي، استيقظ العالم على تركته الثقيلة من سجناء وأطفال ونساء من دول كثيرة حول العالم باتوا محتجزين في سوريا، يمثلون قنبلة موقوته ومخزن استراتيجي لعودة داعش مجددا ما إذا تمكنوا من الهروب وتوافرت لهم نفس الظروف.
في هذا الإطار، تعمل دائرة العلاقات الخارجية بمناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا على التنسيق مع الوفود الأجنبية بهدف ترحيل الأطفال والنساء إلى بلدانهم بموجب وثائق رسمية، حيث تحتجز الإدارة الذاتية للأكراد ما يقرب من ٥٣ ألف نسمة غالبيتهم من الأطفال والنساء، يتواجدون في مخيم الهول، بينهم ٨ آلاف امرأة وطفل من عوائل تنظيم داعش الإرهابي، بحسب بيانات صادرة عن المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ويمثل مخيم الهول السوري الذي تحتجز فيه القوات الكردية شمال سوريا عوائل تنظيم داعش الإرهابي، مشكلة دولية وأزمة حقيقية، بعدما أصبح مصدرا لعمليات قتل وعنف، إلى جانب تسهيل تحويلات مالية لعناصر التنظيم الهاربة إلى كونه يعمل بنشاط في مجال الاستقطاب والتجنيد.
عروس داعش تفشل في العودة لوطنها
في السياق ذاته؛ فشلت سيدة بريطانية في استعادة جنسيتها البريطانية بعدما تم تجريدها من الجنسية في العام ٢٠١٩ لأسباب تتعلق بالأمن القومي من بلادها خاصة بعدما سافرت للانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي، وهي واحدة من النماذج الواضحة التي وقعت تحت تأثير التنظيم عبر آلته الدعائية على شبكة الانترنت.
وجاء في تقرير لموقع "اسكاي نيوز عربية" أن شميمة بيغوم التي غادرت لندن عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها للسفر إلى سوريا والانضمام إلى تنظيم داعش، خسرت قضية كانت قد رفعتها لاسترداد جنسيتها البريطانية، مما يعني أنها لن تتمكن من العودة إلى المملكة المتحدة. وقدمت بيغوم، البالغة من العمر ٢٣ عاما، طعنا ضد وزارة الداخلية بشأن قرار سحب جنسيتها، لكن لجنة استئناف الهجرة الخاصة (SIAC)، رفضتها. وفي جلسات المحكمة التي استغرقت ٥ أيام العام الماضي، قال محامو بيغوم إنها جُندت ونُقلت واستُقبلت في سوريا، لأغراض الاستغلال الجنسي، والزواج من رجل بالغ. وبحسب التقرير، فإن وزارة الداخلية في بلادها أكدت مرارا، أنها "ستكون تهديدا للسلامة العامة، إذا سُمح لها بالعودة إلى المملكة المتحدة". وكانت بيغوم قد سافرت مع تلميذتين من شرق لندن إلى تركيا ثم إلى سوريا، في فبراير ٢٠١٥، للانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي.
الأمم المتحدة تحذر
وحذرت الأمم المتحدة من التهاون مع التطرف، ودعت لدراسته والحض على تجنبه وشرح مخاطره كونه يقوض السلام والأمن وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، ويضرب أي بلد دون تمييز.
وجاء في بيان للأم المتحدة، يدعو الشعوب للعمل في ١٢ فبراير من كل عام، واعتباره يوما دوليا لمنع التطرف العنيف عندما يفضي إلى الإرهاب، للعمل من أجل التوعية بالتهديدات المرتبطة بالتطرف العنيف عندما يفضي إلى الإرهاب وتعزيز التعاون الدولي في هذا الصدد.
وأكدت، أن التطرف العنيف ظاهرة تتسم بالتنوع وتفتقر إلى تعريف محدد. وهو ليس بالأمر الجديد، ولا يقتصر على منطقة أو جنسية بعينها أو على نظام عقائدي معين. ومع ذلك، فإن جماعات إرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وتنظيم القاعدة وجماعة بوكو حرام قد شكلت، في السنوات الأخيرة، ملامح تصورنا للتطرف العنيف وحددت معالم النقاش المتعلق بكيفية التصدي لهذا التهديد.
ورسالة التعصب - الديني والثقافي والاجتماعي - التي تبثها هذه الجماعات كانت لها عواقب وخيمة في العديد من مناطق العالم. وهي تسعى، بحيازتها للأراضي واستخدامها وسائط التواصل الاجتماعي لإيصال أفكارها وإنجازاتها آنيا إلى مختلف أرجاء العالم، إلى تحدي قيم السلام والعدالة والكرامة الإنسانية التي نشترك فيها جميعا.