لن أنسى في أحد حواراتي مع البابا شنودة الثالث أن سألته رأيه في الفن:
أجاب: الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تعتبر الفن القبطي جزءا من تراث وعقيدة الكنيسة، وهو الفن الذي أنتج بواسطة المسيحيين في وادى النيل منذ دخول المسيحية مصر وموجود حتى الآن في الكنائس من ألحان وأيقونات وغيرها، وأضاف: الفن القبطى هو الفن المصري القديم بعينه ولكن الاختلاف يعود في زمن الفن. إذ أن الفن المصري كان ينقش على معابد وهياكل المصريين والفن المصري الأوسط وإلى الآن ينقش على كنائس وهياكل المسيحية. دراسة الفن القبطي هي جزء من علم القبطيات.
وعاودت السؤال: هل نشاهد فنونا مصرية ودراما في سينما أو تليفزيون ؟
ابتسم ابتسامته المعهودة وقال: طبعا وأشار إلي صورة في مكتبة تجمع بينه وبين عادل أمام وهو يقول عادل إمام فنان حقيقي وروي كيف كان يتبادل الأحاديث الفكاهية والنكات معه، وروي موقفا طريفا جمعه مع الفنان عادل إمام فى جنازة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، حيث كان الفنان عادل إمام يسير بجانبه في الجنازة.. وحدث موقف مضحك حيث سأل الفنان عادل إمام أثناء الجنازة هامسًا فى أذن البابا شنودة هو فيه إيه هما هيدفنوه فى رام الله ولا إيه ؟ فلم يتمالك قداسة البابا شنودة الثالث نفسه من الضحك.
كان كثير من المواطنين المصريين الأقباط يعترضون علي فيلم حسن ومرقص، إلا العلاقة بين الزعيم والبابا جعلت البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية، لم يعترض علي تفاصيل فيلم «حسن ومرقص» ولم يضع أي محظورات عليه، بل رحب بالفكرة، وعرض تقديم العون في مناقشة أي تفاصيل أخري تتعلق بالفيلم، جاء ذلك كما قال عادل إمام نظرا لما أثير حول الفيلم من جدل كثير فقد عقدت جلسة مطولة أنا ويوسف معاطي مع البابا شنودة الثالث استمرت ثلاث ساعات ناقش البابا فيها أدق تفاصيل الشخصية عن الفيلم والسيناريو عن الفيلم.
الأمر الذي دعا عادل إمام يثمن، حصوله على مباركة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية البابا شنودة الثالث، لتقديم معالجة سينمائية عن قضية «الفتنة الطائفية".
وأضاف عادل إمام أنه سئم مما وصفه بالمعالجات السقيمة والسطحية لهذه القضية،حيث تعمد الصحف إلى نشر صور تجمع بين رموز إسلامية ومسيحية في عناق بعد كل حادثة، وأن الفيلم أضاف معالجة حقيقية، وليست كاريكاتورية لعلاقة المسلمين والمسيحيين، التي شهدت توترا في السنوات الأخيرة في مصر، بسبب ظروف قد تكون خارجة، لاسيما أن تلك العلاقة تاريخية ووطيدة، ويجب ألا تتزعزع أمام أي متغيرات واهية.
البابا شنودة من جهته أيضا ثمن مبادرة عادل إمام، وباركها، ولكن طلب استبدال اسم الفيلم «القسيس» بآخر، وتم الاستقرار على أن يكون «حسن ومرقص»، كما نبه على الفنان بألا يقدم شخصية «القسيس» في صورة كاريكاتورية مثيرة للسخرية والاستهزاء، كما هي عادته في الشخصيات التي يجسدها، وفعلا نفذ عادل إمام رغبة البابا بتنفيذ ما طلبه البابا.
وعلي الرغم من حرص عادل إمام، على زيارة شنودة واطلاعه على تفاصيل الفيلم، إلا أنه شدد على أنه لن يكرر نفس الأمر مع شيخ الأزهر، ولن يسمح للأزهر بمراجعة السيناريو، وهو ما برره المؤلف يوسف معاطي بأنه على دراية بأمور دينه الإسلام، ولكنه كان مضطرا إلى زيارة الكنيسة لمعرفة تفاصيل حياة القساوسة داخل الكنيسة وخارجها.
وفي مكالمة للاطمئنان علي صحة البابا في أمريكا عبرالقناة المصرية ببرنامج البيت بيتك لمحمود سعد: ضحك البابا وقال لعادل إمام أتحدث إليك " من أمريكا لافريكا" وضحك وقال عندما أسمع صوت عادل إمام لأنه ينقل لي البهجة ".
حرص الزعيم دائما إلي زيارة الكنيسة في الأعياد ومن فرط المحبة التي كانت بينهما كان البابا يقبل عادل امام وعادل امام يقبله ويقبل يده، وحينما ثارت أقاويل بعض المتطرفين علي ذلك قال عادل إمام البابا أب قبل أن يكون شخصية عظيمة، الآن البابا كان دائما يضحك قائلا: أنصح بعدم النظر إلي عادل امام أثناء الصلاة حتي لاتضحك. وقال عادل إمام في مداخلة لقناة المحور يوم الوفاة: فقدنا شخصية مصرية عظيمة حتي النخاع وكانت تربطني بها صداقة وطيدة حكمته في القضية الفلسطينية والفتنة الطائفية، مرح نتبادل النكات سويا وهو زعيم مصري وليس زعيما للأقباط، وأنا أقدم تعازيي للشعب المصري والعربي والإنسانية فقدنا شخصا لم يكن فقط رمزا للكنيسة بل والوطن، مر بظروف صعبة وأدارها بحكمة لم نر من هذا الرجل العظيم إلا كل خير وكل حب لمصر ولا تنسي أنه صاحب مقولة "مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا".
وتبقي العلاقة بين عادل إمام والبابا شنودة تجسيدا للعلاقة بين عظمة الفن والقداسة
رحم الله قداسة البابا وأطال عمر عادل إمام.
