والفتى هنا هو الفنان الكبير الأستاذ عادل إمام، وعنوان المقال مأخوذ عن عمله الدرامي الأشهر، أحلام الفتى الطائر، عرضه التليفزيون المصري عام ١٩٧٨ وحقق نجاحا مبهرا، واعتبره الكثيرون بداية لميلاد نجم درامي، قدم أوراق اعتماده من قبل كنجم كوميدي لفت الأنظار وسط كبار نجوم الكوميديا في ذلك الوقت.
وأتصور أن الكاتب الكبير الأستاذ وحيد حامد لمح مبكرا شخصية هذا الفتي الطائر بأحلامه الشخصية والعامة، ولعل ذلك كان أحد أسباب الارتباط الفكري والفني بين الأستاذين عادل إمام ووحيد حامد.
لم أنل شرف صداقة هذا الفتي السابق بأحلامه أحلام جيلنا، وما بيني وبين هذا النجم الكبير هو لقائين اثنين واتصال هاتفي واحد منه لي، اللقاء الأول كان في لبنان في أوائل التسعينيات عندما كان يعرض مسرحيته (الواد سيد الشغال) وجمعنا عشاء في السفارة المصرية وكنت أتابع عددا من الفعاليات السياسية بين دمشق وبيروت لمجلتي الأسبوعية "المصور"، وكعادته سرق عادل الكاميرا من كل الحضور، وهو يحكي ذكرياته في عالم الفن، ويبدو أن انشغالي بالبحث عما نشرته "المصور" لي الأسبوع الماضي، جعلت الأستاذ يتقدم نحوي بكل الود قائلا (شكلك صحفي بجد)، ودار حديث قصير عن المهنة ومتاعبها وبعض الأسئلة منه لمحاولة فهم توجهي الفكري، ففهمت مقصده، فقلت له أنا أنتمي لجيل السبعينيات في جامعة القاهرة، فابتسم قائلًا، يعني إحنا بلديات، في إشارة لانضمامه في وهو طالب لإحدى التنظيمات اليسارية في ذلك الوقت. أما اللقاء الثاني فكان في بدايات عام ٢٠٠٠ بالنادي اليوناني في جاردن سيتي برفقة الخبير السياحي السيد جمال شيحة، ومثله مثل اللقاء الأول كان عادل إمام هو، هو لم يتغير، بسيطا، متواضعا، يتحدث عن الفن ودوره رافضا الافكار المتشددة او التفسيرات الغبية حول الفن، ساخرا من المقولات (المجعلظة) سواء كانت تتجه يمينا أو يسارا.
ومن المؤكد أن أحلام الفتي عادل وتوجهه الفكري والاجتماعي الذي ظهر جليا في أعماله الفنية كانت سببا لعداء جماعات العنف والتطرف الديني له ورأت في أعماله الفنية في السينما والمسرح كشفا لزيف أفكارها، ففي أواسط التسعينيات شنت إحدي الصحف الحزبية المعروفة بتوجهها اليميني حملة صحفية استهدفت شخصه ودوره الفني وخصوصا بعد ان أصر علي نقل معركة أحلامه الوطنية إلي معاقل جماعات العنف والتطرف فى صعيدنا الطيب وعرض أحد مسرحياته في أسيوط، متحديا كل عمليات الإرهاب المسلح التي شهدتها مصر في تلك الفترة، يومها كنت رئيسا لتحرير أحد الصحف الخاصة وأصدرت ملفا خاصا عن عادل إمام وكان عنوانه سؤالا ساخرا مستنكرا هذه الحملة التي تخفي وجها إرهابيا فاشيا ضد الفن ورموزه 'هل نطلق الرصاص علي عادل إمام !'
وبعد يوم من صدور العدد فوجئت بإاتصال هاتفي من ‘الفتى عادل ‘شخصيا يشكرني ويشيد بهذا الملف ويؤكد أن معركة مصر ضد الإرهاب والفكر المتطرف مصيرية، وأن الفن والإعلام شركاء في هذه المعركة.
أكثر من ستين عاما أو يزيد يحمل الفتي عادل أحلامه وحلمنا في مجتمع أكثر عدلا واقل قسوة، مجتمع محب للحياة ومعاديا للقتل وثقافات العدم والموت، مجتمع تتوافر به فرص العيش المشترك وتكافؤ الفرص، تنتهي فيه لغة الكلاشينكوف، وتسود به لغة الحوار والمساواة والحرية الإبداع.
هل وصلت رسالة الزعيم في مسرحيته الشهيرة بهذا الاسم، هل عرفتم مغزي فيلم الإرهابي، وهل تعلمنا الدرس من الإرهاب والكباب، وهل تأملنا بهدوء الإنسان يعيش مرة واحدة، وهل تفحصنا ما فعله الأفوكاتو، الدروس كثيرة والرسائل أكثر، فهل ننهي نومنا في العسل، حتي لا يطير الدخان!
أيها الفتي الطائر حلمك هو حلمنا وأمل كل الأجيال.. شكرا لك أستاذ عادل إمام.