سلط مقال نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، الضوء على استطلاع للرأي أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية والذي يؤكد أنه بعد مرور عام على الحرب الروسية في أوكرانيا فقد بات من الواضح أن تلك الحرب سوف يتمخض عنها نظام عالمي جديد تنضج خمائره في الوقت الراهن.
ويشير المقال، الذي كتبه الصحفي جون هانلي، إلى أن الدراسة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنه على الرغم من أن تلك الحرب أسهمت في توحيد صفوف العديد من الدول الغربية في مواجهة روسيا بعد العملية العسكرية التي شنتها موسكو في أوكرانيا منذ ما يقرب من عام، إلا أنها أدت في نفس الوقت إلى توسيع الفجوة بين الدول الغربية وباقي دول العالم إلى الحد الذي سوف يشكل مستقبل العالم ويضع الأسس لنظام عالمي جديد بدأت ملامحه تتشكل في الوقت الحالي.
ويضيف المقال أن استطلاع الرأي، الذي شمل 15 دولة منها فرنسا وألمانيا وبولندا وبريطانيا والولايات المتحدة والصين وروسيا والهند، أظهر تباينا واضحا في مواقف وآراء من شملهم البحث فيما يخص الحرب في أوكرانيا ومسائل أخرى ذات صلة مثل وضع الديمقراطية في العالم وتوازن القوى الدولية، موضحا أنه كان هناك شبه إجماع على أن الحرب الروسية في أوكرانيا تمثل حدثا تاريخيا غير مسبوق وعلامة فارقة سيتحدد بعدها نظام عالمي جديد تتشكل معالمه في الوقت الراهن.
ويسلط الكاتب الضوء في هذا السياق على تصريحات مارك ليونارد مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، والذي شارك في إعداد الدراسة، يقول فيها إنه على الرغم من أن حرب أوكرانيا أسهمت في توحيد صفوف الدول الغربية في مواجهة روسيا، إلا أنها قلصت إلى حد بعيد نفوذ الدول الغربية على مستوى العالم.
وتشير الدراسة، كما يقول الكاتب، إلى أن الغالبية ممن شملهم البحث في الولايات المتحدة وبريطانيا وتسعة دول أوروبية أعربوا عن رأيهم أن روسيا تمثل خصما لبلادهم بينما أعرب آخرون عن رأيهم أن موسكو تعتبر حليفا لبلادهم وأنها شريك لايمكن الاستغناء عنه.
وفي الوقت نفسه أظهرت الدراسة أن ما يقرب من 55 في المئة ممن شملهم البحث في الدول الأوروبية التسعة أعربوا عن تأييدهم لاستمرار العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية وحلفاؤها على روسيا على خلفية الحرب في أوكرانيا على الرغم من تبعات تلك العقوبات الاقتصادية وعواقبها على شعوب تلك الدول.
كما أظهر استطلاع الرأي أن العديد من المشاركين في الدول الأوربية أعربوا عن تأييدهم لحق أوكرانيا في استرداد الأراضي التي وقعت تحت سيطرة القوات الروسية منذ بداية الحرب هناك حتى وإن أدى ذلك إلى حرب طويلة المدى بينما أظهرت نسبة أقل رغبتها في وضع نهاية لتلك الحرب في أقرب وقت ممكن حتى لو أدى ذلك إلى تنازل أوكرانيا عن جزء من أراضيها.
ويلفت المقال إلى أن المشاركين في الدراسة من خارج الدول الغربية مثل الصين والهند على سبيل المثال أعربوا عن آراء مختلفة عن تلك التي أظهرها المشاركون من الدول الغربية حيث أعربت الغالبية العظمى في الدول غير الغربية عن اعتقادها أن روسيا تعتبر حليفا استراتيجيا لبلادهم لا يمكن الاستغناء عنه وأنها مازالت تتمتع بنفس القوة والمكانة كما كان الحال قبل الحرب بل ربما أصبحت أقوى عن ذي قبل.
ويتناول المقال على الجانب الآخر آراء المشاركين من داخل روسيا حيث أعرب ما يقرب من 64 بالمائة منهم عن رأيهم أن الولايات المتحدة تمثل الخصم والعدو لبلادهم بينما أعرب 51 في المئة منهم أن الدول الأوروبية هي العدو الأكبر لروسيا.
ويلفت المقال في الختام إلى آراء العديد من المشاركين في استطلاع الرأي في الدول الغربية والذين يؤكدون أن النظام العالمي الجديد سوف تتشكل ملامحه بحيث يعود مرة أخرى ثنائي القطب بين الشرق والغرب مثلما كان إبان الحرب الباردة.