فى خضم الأحداث التى كانت تعيشها مصر خلال القرن الماضى، شهدت البلاد مولد الحركة الطلابية التى كانت الوقود للعديد من المظاهرات والاحتجاجات الرامية إلى الاستقلال عن الاحتلال الإنجليزى، والتي بدأت بعد انتفاضة كوبري عباس ١٩٤٦.
بطلات من ذهب
تاريخ الحركة الطلابية المصرية ممتلئ بالعديد من الحكايات والمواقف البطولية، وكان للطالبات نصيب وافر من هذه الحكايات، حيث غيرن آنذاك الصورة النمطية للمرأة المصرية التي يعتقد البعض أن دورها يقتصر على الأعمال الأقل خطورة أو الجانبية، لتؤكد للجميع أن المرأة المصرية على مر العصور قادرة على المشاركة بقوة في جميع المجالات حتى لو كانت نتيجة ذلك الاعتقال أو القتل.
عن سيرة بطلات الحركة الطلابية، يروى كمال أبوعيطة القيادي العمالي وأحد قادة الحركة الطلابية في السبعينيات، أن العنصر النسائي في الحركة الطلابية لم يكن غائبًا ولكن كان لهن دور قوي وفعال على مدار العصور والأحداث التي وقعت في مصر، مشيرًا إلى أنه كان يوجد طالبات لهن دور أكبر من الرجال وعلى رأسهن سهام صبري، وكانت مناضلة تقود الحركة الطلابية ودورها كان أكبر من دور بعض الرجال، ولم يقتصر على أمور مثل توزيع البيانات أو كتابتها ولكن كانت تقود المسيرات والاحتجاجات، إلى أن تم القبض عليها، مع القيادي الطلابي آنذاك أحمد عبدالله رزة.
وأضاف أبوعيطة في تصريحاته لـ"البوابة"، أن سهام صبري كان لها دور في دعمه ومساندته في المواقف الطلابية، مشددًا على أنه دورها أكبر من دوره في الحركة، لافتًا إلى أنه بعد اعتقاله في تلك الفترة، تم حبسه في سجن القلعة ووجد اسم سهام صبري مكتوبا على جدران السجن وهو المكان الذي تم اعتقالها فيه مطلع السبعينيات وقبل أن يتم القبض عليه، هذا بالإضافة إلي غيرها من القيادات النسائية للحركة.
وتابع، أن من بطلات الحركة الطلابية، أروى صالح، وسميحة الكفراوي، وسهام نجم، وشهرت العالم، وماجدة فتحي، وآمنة قنديل، ومنى أنيس، عفاف مرعي، وسوزان فياض، وحياة الشيمي، موضحًا أن الفتيات كان لهن دور كبير في قيادة وإدارة الحوار والنقاشات والاحتجاجات والمظاهرات.
دلال والحفناوى
وسط كل طلاب الحركة الطلابية كان هناك بطلان من نوع خاص، جمعهما مسرح كلية هندسة عين شمس، خلال تجسيدهما دورًا في إحدى المسرحيات التي تمثل دور العمال والكادحين، وكل منهما كان له دور فعال في الحركة، وهما المهندس معتز الحفناوي والمهندسة دلال وديد بولس.
شغل معتز رئيس اتحاد طلاب جامعة عين شمس، ونائب رئيس اتحاد كلية هندسة، وكان له دور قيادي في الحركة الطلابية وعضوًا كذلك بالحزب الشيوعي المصري، وكانت دلال طالبة بالكلية والتحقت بحزب التجمع وساهمت في تأسيس الاتحاد النسائي بالحزب، وكان الفرق بينهما في الديانة فكان معتز مسلمًا بينما دلال مسيحية.
وعلى الرغم من اختلاف الديانة ارتبط معتز ودلال ببعضهما وواجها الجميع بعلاقة حبهما إلى أن تم زفافهما في أواخر الستينيات، ويقول معتز عن زوجته الراحلة: "كانت إحدى القيادات البارزة للحركة الطلابية وفي عام ١٩٦٧ التحقت بكلية الهندسة، وبسبب نشاطها تعرضت للاعتقال مرتين في ١٩٧٣ لمدة ٤ أشهر وفي ١٩٧٥ لمدة ٣ أشهر".
وردًا على تساؤل بخصوص مطالبته زوجته بترك الاحتجاجات والحركة أو مدى تخوفه من اعتقال زوجته وإصابتها خلال الاحتجاجات، قال الحفناوي لـ"البوابة"، إن أحد الشروط الأساسية التي اتفقا عليها قبل الزواج هو استمرار كل منهما في الحركة الطلابية والدفاع عن حقوق العمال والطبقة الكادحة، وأن يدعم كل منهما الآخر، منوهًا أن ذلك دعاهما إلى الاستمرار وعدم التوقف على مدار سنوات عمرهما.
وحول دورها في الحركة، قال الحفناوي، إن دلال كانت من قيادات الحركة وتقوم بالتنظيم والحشد والنزول للمشاركة في الاحتجاجات، فضلًا عن التنسيق بين الجامعات والكليات المختلفة للتواصل من أجل تنظيم اعتصام أو مظاهرة، موضحًا أنها كانت تهتم بالمساواة وعدم التمييز بسبب الدين أو الجنس أو العرق.
وتابع: "في تلك الفترة حاولت تنظيمات جماعة الإخوان تشتيت الطلاب والطالبات وتفريقهم بحجة عدم الاختلاط، ولكن الدور الوطني الذي كان على عاتقنا جعلنا نتماسك أكثر، وهذا ما كان يقوم به الجناح اليساري في الجامعات، وكان يشجع على الاستمرار والالتفاف معًا والوحدة وعدم التفريق بين طالت أو طلاب".
وعن اعتقالها أوضح الحفناوي، أن دلال تعرضت للاعتقال مرتين، كما أنه تعرض أيضًا مرتين للاعتقال، وكان كلاهما يدعم الآخر ويقود التظاهر من أجل الإفراج عنها وعن بقية زملائه، مشددًا أنه لم يكن يخشى عليها من الاعتقال لأنه كان يؤمن بقضية أكبر وكانت هي تسلك معه ذلك الطريق.
دور كبير
في نفس السياق، يقول الكاتب الصحفي جمال فهمي، أحد قيادات الحركة ورموز العمل الطلابي في تلك الحقبة، إن الفتيات كان لهن دور كبير في الحركة وكان لهن أدوار قيادية لا يمكن إنكارها، منوهًا أن العديد منهن كان له دور قيادي في اللجنة العليا للطلبة والعمال في عام ١٩٤٦، ومنهن الدكتورة لطيفة الزيات وإنجي أفلاطون، منوهًا أن الحركة استمرت بعد ذلك في أحداث السبعينيات وكان من قيادات تلك الفترة من الطالبات أمل محمود، ونجلاء بدير وسلوى الخطيب، وآمنة زكي، ماجدة رشوان، وكل هذه الأسماء كانت قيادات داخل الحركة وخاصة في أحداث ١٩٧٢ و١٩٧٥.
وتابع فهمي في تصريحات لـ"البوابة"، أن دور المرأة المصرية في الحركة الوطنية عمومًا كان له كبير الأثر في التغيير الذي حدث في البلاد، ومن هذه الأسماء سهام صبري التي تعرضت للاعتقال في عام ١٩٧٢، وكانت من ضمن القيادات مع أحمد عبدالله رزة، مشددًا على أن دور المرأة المصرية لم ينقطع قديمًا أو في التاريخ الحديث، وكان لها دور بارز في ثورة يناير وما تلاها من أحداث، والعديد من الأدوار الوطنية التي قامت بها على مر العصور والأنظمة.
حاولت تنظيمات جماعة الإخوان تشتيت الطلاب والطالبات وتفريقهم بحجة عدم الاختلاط، ولكن الدور الوطني الذي كان على عاتقنا جعلنا نتماسك أكثر.