كان لأمهات الطلبة دور أيضا فى الحراك الطلابى فى السبعينيات، ومن المؤكد أيضا قبل هذا، ولكن كان لدينا شهود حقيقيون من حركة السبعينيات، رووا لنا خروج الأمهات، بعضهن جئن من محافظات مصر، وبعضهن من أحياء القاهرة والإسكندرية الشعبية، وبعضهن من أحياء القاهرة الراقية.
تقول الكاتبة الصحفية بهيجة حسين، إحدى رموز الحراك الطلابى فى السبعينيات، إنه من العلامات المميزة والمهمة هى حركة الأمهات التى تكونت في ذلك الوقت من الستات الشعبيات والفلاحات وسيدات من الطبقة المتوسطة التى تم القبض على أبنائهن الطلبة من كل جامعات مصر، وكن يخرجن فى مظاهرات وكان يُكتب لهن البيانات لأن فيهن أميات ومن طبقات فقيرة من الأحياء الشعبية.
وتابعت حسين، فى تصريحات لـ«البوابة نيوز»: «هن الأمهات اللاتى عرفن بأسماء أولادهن: أم حسن بدوى، أم عبد الباسط عبدالصمد، أم أحمد ومحمد فتيح، أم عصام الشهاوى، أم أحمد هشام، أم أحمد عبدالله رزة، أم الجميعى، أم أحمد ومحمد عبدالرحمن، وأم انتصار وإشراق وأمل جمال، وغيرهن كثيرات، هن السلالة العظيمة من نسل أمهات مصر الخالدة، ونحن بناتهن وأولادهن نحمل ذكراهن وسيرتهن، هن أمهات هتفن للوطن وأرضعن الأبناء عشقه».
أصواتهن تملأ فراغ الكون
وأضافت: «هن الأمهات اللاتى ما زالت أصواتهن تملأ فراغ الكون، وهن يرتدين ثياب أمهات الطبقة الوسطى فى سبعينيات القرن الماضى، والأمهات الريفيات والشعبيات بزى نساء مصر التقليدى، الجلباب الأسود والطرحة التللى لغطاء الرأس، كن هن كل نساء مصر ببهائهن وجمالهن، وقوتهن وهن يهتفن مطالبات بتحرير الأرض والأبناء، ويقمن بعمل المظاهرات لنقابة الصحفيين ونقابة المحامين ثم يقمن بالذهاب لجريدة الأهرام لإيصال صوتهن للصحافة للإفراج عن أبنائهن المعتقلين والمعتقلات».
ويتحدث الكاتب الصحفى حسن بدوى، أحد رموز الحركة الطلابية فى السبعينيات عن حركة الأمهات: قائلا: «تم إلقاء القبض على العشرات من طلبة الجامعات المصرية فى يناير ١٩٧٣ عقب اعتصام كبير احتجاجا على حملة اعتقالات فى ديسمبر من عام ١٩٧٢، وتم إيداعنا في سجون القناطر، أبو زعبل، طرة، الحضرة بالإسكندرية والقلعة». وأضاف: «كانت والدتى امرأة بسيطة، أتذكر أنها قدمت إلى الجامعة قبل إلقاء القبض علىّ لإقناعى بالعدول عن نشاطى الطلابى، ودخلت حرم الجامعة».
وتابع بدوى: «دخلت والدتى عند قصر الزعفرانة بوجه باكٍ لإقناعى واستقبلها طالبات بطب عين شمس زميلاتى فى الحركة الطلابية، أكدن لها أن عليها الفخر بأن ابنها هنا، وأنهن بنات وداخل اعتصام الحركة، لتحضر والدتى فى اليوم التالى بطعام لتوزعه على الاعتصام، ولم تكن تعرف أنها ستصبح جزءا تاريخيا مهما من حركة الأمهات فى الحراك الطلابى».
ويسرد حسن موقف لا ينساه قائلا: «جاءت لى والدتى السجن بعد القبض علىّ فى يناير ١٩٧٣ وقالت لى بفرح: أنا طلعت مظاهرات عشانك أنت وزمايلك، وهتفت مش هنخاف مش هنطاطى إحنا كرهنا الصوت الواطى، وأنا مصرية مش واخدة على الديكتاتورية، لأباغتها متسائلا: تعرفى يعنى إيه ديكتاتورية يا ماما، فشرحت لى معناها بعفوية شديدة، لنضحك سويا وكنت فخورا بما تفعله».
واستكمل: «كانت والدتى تسمى أم حسن نحلة الاتصال لحركة الأمهات، فبسبب وزنها الخفيف كانت تبلغ القرارات لباقى الأمهات فى جامعات مصر، مضيفا كانت والدتى مزهوة بما تفعل وقالت لى: مش أنا روحت نقابة الصحفيين وقابلت أمينة شفيق وفضلنا نتكلم سوا».
أنهى بدوى الحديث عن حركة الأمهات قائلا: «كانت حركة عظيمة ولدت من رحم الحركة الطلابية، وقامت بدور الإعاشة للمعتقلين الطلبة بالسجون من خلال لجان كل لجنة خاصة بالطهى لكل سجن».
جبهة أهالى المعتقلين
وتقول كريمة الحفناوى، الأمين العام للحزب المصرى الاشتراكى، إن الحركة الطلابية التى كانت تنتمى لها سميت حركة السبعينيات، قائلة: «نحن دخلنا على إرث حركة ٦٨ وجماعة أنصار الثورة الفلسطينية، فأنا التحقت بالجامعة عام ١٩٧٠ فى بداية ثورة الغضب الطلابى على نظام السادات وتم اعتقالى يوم ٢٤ يناير عام ١٩٧٢ بعد أن اعتصمنا بحرم الجامعة».
وأضافت الحفناوى، أن الطالبات أثرن الحياة السياسية سواء كانوا فى الحركة الطلابية بعين شمس أو القاهرة، وكنا نواجه اعتراضا كبيرا من عائلاتنا ونسمع عبارات: «يا بنتى مستقبلك أنتى مش ولد»، ثم بعد ذلك اقتنع أهالينا أننا يجب أن نتمرد على الأوضاع القائمة فتشكلت أول جبهة شعبية سميت «حركة أهالى المعتقلين»، وتضم جميع أهالى المعتقلين السياسيين والطلبة والتى كان لها حركة أخرى قانونية تناصرها سميت حركة «محامين» تكونت من شباب الحركة.
وتتحدث الحفناوى عن فترة حبسها قائلة: «جاءت الليلة التى لا تنسى فى فبراير عام ١٩٧٣ بعد أن تم القبض على ٦٠ فتاة وكنت منهن، وقتها كنت فى كلية الصيدلة، وأخريات أصبحن الآن طبيبات ومهندسات وسياسيات يعملن بالعمل العام، ومنهن سهام صبرى، أروى صالح، عزة بلبع، وشاهندة مقلد وفتحية العسال وصافيناز كاظم وعفاف مرعى وغيرهن.
وقالت إن أبشع ما كان يوجه لهن ليس التعذيب الجسدى بل النفسى المتمثل فى منع الزيارات ومنع الكتب، فقد كانت أنظمة الأمن القمعية تريد أن تجعلنا نرسب فى الامتحانات ليتم فصلنا ولا نستطيع العودة للعمل السياسى داخل الجامعات.
وتابعت: «تم فصلى وعدت مرة ثانية فبدلا من أتخرج عام ٧٦ تخرجت عام ٧٨، وأبشع ما واجهنى حبسى فى مديرية أمن الجيزة هى وعزة الخميسى مع الخارجات عن القانون والسوابق، كان بالنسبة لنا سجن القناطر هو فرحة عارمة وسط زميلاتنا».