قبل مائة عام وفي الوقت الذي كانت فيه مصر تحت وطأة الاحتلال الإنجليزي، كان طلاب الجامعات المصرية والحركة الطلابية في مصر يسطرون التاريخ بدمائهم دفاعًا عن الوطن واستقلاله، إلى أن وقعت أحداث 21 فبراير 1946 وهو اليوم الذي تم اعتماده ليصبح اليوم العالمي للطالب المصري، وذلك بعد الأحداث التي شهدتها مصر والمعروفة باسم "واقعة كوبري عباس" والتي خرج فيها طلبة الجامعات ضد قوات الاحتلال واشتبكت معهم على كوبري عباس، وخرج الآلاف من الطلبة في المحافظات احتجاجًا على معاهدة 1936 والتدخل البريطاني في مصر.
ثورة ١٩١٩
ويرجع فضل تنظيم الطلبة كقوة فاعلة فى مجال العمل الوطنى إلى الزعيم مصطفى كامل، الذى اهتم بتنظيم صفوف طلبة المدارس العليا لدعم الحركة الوطنية بتأسيس «نادى المدارس العليا» عام ١٩٠٥ بهدف تنمية الوعى السياسى للطلبة، وتعبئتهم ضد الاحتلال البريطانى ضمن شباب الحزب الوطنى الذى أسسه وبعد وفاته جاء بعده الزعيم محمد فريد ليرعى هذه النواة للحركة الطلابية.
كان الامتحان الأول للطلبة هو ثورة ١٩١٩ وتنطلق المظاهرات المنددة بنفى سعد زغلول من ميدان جامعة القاهرة ويسقط فيها العديد من الشهداء وتبادل الطلبة والطالبات توزيع المنشورات التى تدعو المصريين للنزول للشوارع والميادين، وكونوا جهاز شرطة خاصا أطلقوا عليه «البوليس الوطنى» لحماية المظاهرات من المندسين وخاصة مظاهرة النساء الأولى التى شاركت بها طالبات مدرسة السنية، كما شكلوا «الجهاز السرى» و«اليد السوداء» وكان لكل منهما دوره فى التحريك والتنظيم وتوزيع المنشورات.
احتجاجات ١٩٣٥
وفى عام ١٩٣٥ هبت مظاهرات طلابية حاشدة من ميدان الجامعة حين صرح وزير الخارجية البريطانى السير صمويل فى نوفمبر١٩٣٥ بأن الحكومة المصرية استشارت الحكومة البريطانية بشأن عودة دستور ١٩٢٣، فأبدت عدم ملاءمة ذلك، فقامت المظاهرات بالقاهرة وبعض المدن احتجاجا على هذا التصريح. وكانت مظاهرات ١٩٣٥ بمثابة ثورة جيل الشباب الذى تربى على ذكرى ١٩١٩ ودخل الجامعة ثم بدأ العمل بالسياسة، ويجسد نصب شهداء جامعة القاهرة، أمام بوابتها الرئيسية تاريخ قيادات طلابية استشهدت بثورة ١٩٣٥ فداء للوطن أمثال عبدالمجيد مرسى.
ودبت المظاهرات اعتراضا من ساحة الجامعة واتجهت إلى القاهرة من خلال كوبرى عباس، فقابلها البوليس بإطلاق النار وقتل فيها من طلبة الجامعة محمد عبدالمجيد مرسى، الطالب بكلية الزراعة ومحمد عبدالحكيم الجراحى الطالب بكلية الآداب، وقتل فى مظاهرة بطنطا عبدالحليم عبد المقصود شبكة الطالب بالمعهد الدينى بها، وقد أصيب فى الـ ١٦ من نوفمبر على طه عفيفى الطالب بدار العلوم وتوفى متأثرا بجراحه فى اليوم التالى.
انتفاضة ١٩٤٦
ولما كان طلاب الجامعة يعبرون عن ضمير مصر السياسى وتمثل بينهم جميع التوجهات السياسية والأحزاب والهيئات السياسية الموجودة فى مصر فقد تهيأوا للعب دور جديد فعال بعد أن وضعت الحرب أوزارها واتجه طلاب الجامعة إلى توحيد صفوفهم، فتأسست «لجنة أعمال الشباب» فى سبتمبر ١٩٤٥ وضمت الطلبة المنتمين إلى الحزب الوطنى والوفد والأحرار الدستوريين والهيئة السعدية والكتلة الوفدية والإخوان المسلمين ومصر الفتاة وبعض المستقلين لتحقيق وحدة الحركة الطلابية، ولكن يبدو أنهم لم يتفقوا على برنامج موحد للعمل فعادوا إلى الانقسام، وخاصة عندما حاول الإخوان المسلمون كما هو معروف عنهم أن تكون لهم اليد العليا فى أمور اللجنة . ووضعت الحرب العالمية أوزارها، وكان الجلاء مطلبا شعبيا، وعقدت اللجنة التنفيذية للطلبة فى فبراير ١٩٤٦ اجتماعا كبيرا داخل الحرم الجامعى طالبوا فيه الحكومة المصرية بعدم الدخول فى مفاوضات مع بريطانيا إلا بعد اعترافها رسميا بحق مصر فى الجلاء ووحدة وادى النيل.
وتوجه الطلبة فى مظاهرة سلمية كبرى إلى قصر عابدين لرفع مطالبهم إلى الملك، وما كاد الطلاب يتحركون على كوبرى عباس حتى فتحه البوليس عليهم وهاجمهم من الخلف، فسقطوا فى النيل فى مذبحة مروعة.
واندلعت المظاهرات فى الإسكندرية والزقازيق والمنصورة وأسيوط احتجاجا على مأساة كوبرى عباس وتضامن أعضاء هيئة التدريس بالجامعة مع الطلاب، كما تضامنت معهم اتحادات خريجى الجامعة وخريجى الأزهر وتقرر أن يكون يوم الخميس ٢١ فبراير «يوم الجلاء».
واستجاب الشعب للنداء، فتوقفت الحياة فى مصر وساد الإضراب، وخرجت من الأزهر مظاهرة هائلة شاركت فيها الجماهير اتجهت إلى ميدان الأوبرا حيث عقد مؤتمر شعبى اتخذ قرارات بالتمسك بالجلاء عن وادى النيل، وتحرير مصر والسودان، ثم زحفت المظاهرة الكبرى بعد انتهاء المؤتمر إلى ميدان قصر النيل وميدان الإسماعيلية «التحرير الآن».
ووقع إضراب عام فى السودان وسوريا ولبنان وشرق الاردن تضامنا مع الحركة الوطنية المصرية دون وجود مخطط أجنبى، وتقرر اعتبار يوم ٢١ فبراير يوم التضامن العالمى مع طلاب مصر تكريما لنضال الطلبة المصريين.
هزيمة ١٩٦٧
كما لعب طلاب جامعة القاهرة دورا هاما فى تأييد ثورة يوليو وحشدوا الجماهير لتأييد الثورة واستمرت الحركة الطلابية فى عصر عبدالناصر رغم ما شابه من اعتقالات للطلبة الشيوعيين والإسلاميين على حد سواء.
وانفجرت الحركة الطلابية يوم ١١ فبراير ١٩٦٨ على يد الطبقة العاملة فى حلوان، إذ خرج آلاف من العمال فى هذا اليوم إلى الشوارع احتجاجا على الأحكام المخففة التى حكمت بها المحكمة العسكرية على ضباط سلاح الطيران المتهمين بالإهمال أثناء هزيمة ١٩٦٧. وقد كانت مظاهرات العمال، التى قمعت قمعا دمويا، مجرد بداية لانعطاف إلى أعلى فى الحركة السياسية فى البلاد، فقد تسلم الطلاب الراية فى الأيام التالية، وخرجوا إلى الشوارع فى مظاهرات عمت المدينتين الرئيسيتين القاهرة والإسكندرية، وتلاقت مع مظاهرات العمال القادمين من الأحياء الصناعية.
وتم إلقاء القبض على العديد من القيادات الطلابية وانفجرت براكين الغضب الشعبى مطالبة بالإفراج عنه مرددة شعارات التنديد بالهزيمة، مكررة المطالب بعقد محاكمة جادة للمسئولين عن النكسة، منادية بإطلاق الحريات العامة.
على الفور، اتخذ مجلس الوزراء برئاسة جمال عبدالناصر، قرارا بإلغاء الأحكام التى صدرت وإحالة القضية إلى محكمة عسكرية عليا أخرى، وتمت الاستجابة لمطالب الطلبة الخاصة بإعطائهم مزيدا من الاستقلالية وحرية الحركة لاتحاداتهم، والسماح لهم بالعمل السياسى، فصدر قرار رئيس الجمهورية رقم ١٥٣٢ لسنة ١٩٦٨، بشأن تنظيم الاتحادات الطلابية منفذا لهذه المطالب، وبدأت الجامعة تموج بالحركة وعاد الطلاب يعبرون عن آرائهم بحرية داخل الجامعة.
كانت أحداث فبراير ١٩٦٨ هى المقدمة لحركة طلابية واسعة ونشيطة استمرت على الأقل حتى مطلع عام ١٩٧٣، وقد اعتبرت هذه الحركة أحد أهم مراكز النشاط السياسى الجماهيرى طوال هذه السنوات الخمس، هذا بالرغم من أن العمال كانوا هم أصحاب المبادرة الأولى فى ذلك.
انتفاضة ١٩٧٢
أما انتفاضة يناير ٧٢ الطلابية التى حدثت بعد ٤ سنوات من النشاط السياسى المتواصل فى الجامعات، فقد انفجرت إثر خطاب ألقاه السادات فى ١٣ يناير ٧٢، شرح فيه أسباب عدم وفائه بالوعد الذى قطعه على نفسه بأن يكون عام ٧١ هو عام الحسم مع العدو الصهيونى، وقال إن السبب هو اندلاع الحرب الهندية الباكستانية التى جعلت الظرف الدولى غير مواتٍ لقيام حرب إقليمية أخرى، وبالطبع كان المطلب الطلابى هو دخول الحرب، أى حل المسألة الوطنية حلا عسكريا حاسما، وبالفعل لم تهدأ الأوضاع إلا عندما أعلن السادات عن دخول الحرب عام ١٩٧٣.
وفى محاولة منه للحد من التحركات الطلابية، أصدر السادات لائحة ٧٩، التى ألغى من خلالها اتحاد طلاب الجمهورية الذى كان يمثل رأيا عاما غاية فى الخطورة ويعبر عن الحركة الطلابية المصرية، كما ألغى اللجنة السياسية فى اتحادات الطلاب وحرم كافة أشكال العمل السياسى داخل الجامعة.
انطفاء جمرة الحركة الطلابية
بعد مقتل السادات وتولى حسنى مبارك السلطة بعده سار على طريق سلفه فأصدر قرار بتعديل لائحة ١٩٧٩ والصادر عام ١٩٨٤، وبموجب هذا القرار أصبح عمل الحرس الجامعى الذى شكله السادات داخل الجامعة لا يتوقف على حماية منشآت الجامعة فقط بل وأمنها، وبالطبع لم يحدد ما هو المقصود بكلمة أمنها وتركها مطاطة حتى يسهل مهمته فى اعتقال وشطب من الانتخابات ومضايقة أى طالب جامعى.
واقتصر كفاح الطلبة خلال حكم مبارك بالتنديد بممارسات إسرائيل فى الأراضى المحتلة بعد اندلاع الانتفاضة الأولى، ولم يسمح لهم بالعمل السياسى داخل الجامعات بعد أن أحكم مبارك سيطرته عليهم من خلال القبضة الأمنية فكانت تحركاتهم محدودة ولم تحدث دويا كسابقها وتوقفت تماما الحركة الطلابية كعضو سياسى فاعل.
بعدها بدأت النار تشتعل من جديد وتبدأ ثورة يناير فى ضخ الدماء من جديد، كان طلاب جامعة القاهرة وغيرهم من الجامعات وقود الثورة وخرجت العديد من المسيرات التى نددت بحكم مبارك من ميدان جامعة القاهرة.
أما فى عهد المعزول محمد مرسى فتحولت ساحة جامعة القاهرة من ساحة للنضال السياسى إلى ساحة للتصفيق لقراراته وحشد الحشود لتأييده رغم المليونيات المطالبة بإسقاط نظامه.
الحركة الطلابية فى مواجهة الإخوان
شهدت الحركة الطلابية نشاطا كبيرا خلال عهد الرئيس الراحل محمد مرسى، وبدأ سخط الطلاب على حكم جماعة الإخوان الإرهابية عقب اللقاء الذى جمع الرئيس مع طلاب الجامعات فى سبتمبر ٢٠١٢ بسبب أسلوب وممارسات طلاب الإخوان، الذين شكلوا جبهات مستقلة لمواجهة الطلبة المعارضين للجماعة.
وبدأت الاحتجاجات الطلابية فى بعض الجامعات بسبب سوء الخدمات وارتفاع المصاريف، وازدات الاحتجاجات بسبب انفراد الطلاب التابعين للإخوان الذين تولوا رئاسة اتحاد الطلبة بوضع اللائحة الطلابية دون استفتاء.
ولعبت الحركة الطلابية آنذاك دور كبيرا فى الأحداث التى شهدتها البلاد مثل الإعلان الدستورى وأحداث الاتحادية، فقد شهدت العديد من الجامعات احتجاجات طلابية اعتراضا على الإعلان الدستورى، وتنديدا بقتل المتظاهرين أمام قصر الاتحادية. كما شهدت الجامعات مواجهات بين الطلاب المؤيدين والمعارضين، خاصة بعد وضع الدستور الجديد للبلاد، وبدأ الطلاب المنتمون للجماعة فى عقد ندوات لحث الطلاب للتصويت بنعم فى الاستفتاء، فى المقابل قام الطلاب المعارضين بحملة مضادة، كما كانت انتخابات اتحاد الطلاب فى ٢٠١٣ تمثل صراعا سياسيا المؤيدين والمعارضين، كما ظهرت الحركة الطلابية بشكل مؤثر فى العديد من الاحتجاجات وشاركت فى حملة تمرد وثورة ٣٠ يونيو.