تشير الدلائل أن تاريخ إنشاء الكنيسة التي تحمل اسم الملاك ميخائيل بحدائق القبه بمصر كان مرتبط بنشأة بلدة اسمها "منية الأصبغ" على الخليج المصرى نسبة إلى أبى ريان أصبغ بن عبد العزيز بن مروان وكان والده عبد العزيز بن مروان والياً على مصر فى العصر الأموى (685 - 705م) والجدير بالذكر أن هناك شارع يسمى بمنية الأصبع فى حى دير الملاك حتى وقتنا هذا.
وفى أواخر القرن العاشر تغير إسم البلدة من "منية الأصبغ" إلى "الخندق" بعد أن أمر القائد الفاطمى جوهر الصقلى بحفر خندقاً من الجبل إلى نهر النيل شمال مدينة القاهرة فى السبت 10 يونيو سنة 971م فحفر الخندق بجوار قرية "منية الأصبغ" من جهتها البحرية فإشتهرت منذ ذلك الوقت بإسم "الخندق" وهو الاسم الذى عرفت به الكنيسة فى وقفيات المخطوطات التى تخصها أو كتب التاريخ التى ذكرتها.
وأيضاً هناك شارع يسمى بالخندق فى حى دير الملاك حتى وقتنا هذا. أما قرية الخندق فقد خربت فى سنة 1404م ورحل أهلها منها وبقى عامر منها إلى اليوم كنيسة الملاك ميخائيل كشاهد وحيد لوجودها.
وذكر المقريزى فى كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والأثار" والذى ألفه بين عام 1417 و1436م بما يفيد أن الكنيسة بقيت عامرة إلى وقته وحدها مع خراب بلدة الخندق ففى كلمة عن الكنائس قال: كنيستا الخندق ظاهر القاهرة أحدهما على إسم غبريال (والأصح ميخائيل) الملاك، والأخرى على إسم مرقوريوس وعرفت برويس، وكان راهباً مشهوراً سنة ثمانمائة وعند هاتين الكنيستين يقبر النصارى موتاهم وتعرف بمقبرة الخندق وعمرت هاتان الكنيستان عوضاً عن كنائس المقس فى الأيام الأسلامية.
مما سبق نستنتج أن الكنيستان - الملاك والأنبا رويس - قد هدما وهو ماذكره المقريزى أيضاً أن الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله هدمت فى عهده كنيسة الملاك ضمن كنائس أخرى كثيرة فى 14 أغسطس 1009م.
يذكر أن المؤرخ القبطى أنبا ميخائيل أسقف تنيس عن الخليفة الظاهر 1021-1036م والذى تولى الملك بعد أبيه الحاكم بأمر الله: "وكان فى أيامه هدوء وسلامه عظيمة وأقام ملكاً ستة عشر سنة ملكاً . . وبنيت البيع فى أيامه حتى أعيدت لما كانت عليها وأفضل، ولم يزل البنا والعمارة متصلة إلى السنة التى كتبت فيها هذه السيرة وهى سنة سبع ماية سبعة وستين للشهدا = 1051م"
وعلى مانرى من هذه الدراسة التاريخية أن عمارة هذه الكنيسة ثانية كان فى ذلك الوقت كما هو واضح من سياق الاحداث التاريخية
وفى عهد البابا يوأنس الحادى عشر البطريرك(89) (1427-1452م) جرى تكريس هيكل بإسم الملاك غبريال بحرى كنيسة الملاك ميخائيل بالخندق وقد حضر لتكريسها ومعه أسقفان الأول الأنبا ميخائيل أسقف أطفيح وأهناس المدينة والثانى الأنبا يوأنس أسقف أسيوط الذى سجل هذا التكريس دون ذكر السنة التى كرس فيها سوى انه جرى يوم 26 بؤونة = 20يونيو فى ميمر قديم عنها وعن كنيسة أخرى هى بيعة الملاك غبريال بجبل النقلون بالفيوم.
هناك مخطوط عن تاريخ عمل الميرون المقدس فى زمن البابا يوأنس السادس عشر البطريرك (103) كتبه القمص عبد المسيح كاتب القلاية البطريركية وخادم بيعة الست السيدة بمنية صرد (مسطرد) وهو يروى لنا انهم كانو يريدون عمل الميرون المقدس فطلبوا من ناظر البيعة (رئيس مجلس الكنيسة) ان يقطعوا شجرة زيتون من جنينة دير الملاك لأجل طبخ الميرون فأجابهم بالطاعة وقد حضر الأب البطريرك للكنيسة يوم 23 أبيب 1418ش (28 يوليو 1702م) وتكريسه للكنيسة قبلاً بعد عمارتها فى صباح أحد العنصرة 1418ش (يونيو 1702م).
فى نظارة ابراهيم بك مليكة الوهابى شرع فى هدم مبنى الكنيسة فى عام 1893م وإعادة بنائها على طراز حديث حتى أن البابا كيرلس الخامس البطريرك (112) عندما حضر لوضع حجر أساسها لإعادة بنائها فى 20 نوفمبر 1893م صلى أولاً بكنيسة أنبارويس ثم حضر حفل وضع حجر الأساس بعدها على أرضها فى حضور نحو ألفى نسمة من أعيان الطائفة القبطية على رأسهم صاحب العطوفة بطرس باشا غالى وعزتلو باسيلى بك تادرس وغالباً كان إتمام بناء الكنيسة فى عام 1895م.
ويوجد بمدخل الكنيسة ألواح رخام بلغات مختلفة منها العربية والقبطية تؤرخ هذا بعد أبانا الذى فى السموات.
أثار خرجت مع هدم الكنيسة فى 1893 ولم تعد إليها:
أ. أيقونة للسيدة العذراء جالسة على كرسى وحولها الملاكان ميخائيل وغبريال بمقصورة بكنيسة الشهيد إستفانوس وهى الصغيرة بالبطريركية القديمة بالأزبكية بالركن الغربى منها عملت فى سنة 1495ش (78/1779م) بإهتمام المعلم حنا جرجس الخنانى.
ب. أيقونتان قديمتان بحجم كبير بكنيسة القديسة دميانة ببولاق مصر شارع الصحافة.
أثار خرجت من الكنيسة إلى المتحف القبطى فى سنة 1909:
أ. صندوق بشارة من الفضة.
ب. صليب فضة.
نشر عن أعمال البابا كيرلس الخامس (112) 1874 - 1927م أنه أمر بترميم وتنظيم القصر الموجود بجنينة الملاك البحرى بالعباسية وهو قصر كان قد بناه البابا بطرس السابع (109) (1809 - 1852م) وكان يتردد عليه كل يوم خميس.
ويصف على باشا مبارك القصر فى كتابه الخطط التوفيقية 1888م فيقول:
"فإنه - القصر - يشرف من الجهة البحرية على الحقول الممتدة لجهة القبة ومن الجهة الشرقية على الحدائق والحقول الممتدة لجهة العباسية ومن الجهتين القبلية والغربية على حدية الدير. ولحسن موقع هذا الدير يهرع اليه المسيحيون من كل جنس للزيارة والتروح من أماكنة المشرفة على الرياض والحقول الرائقة. وله مواسم حافلة كل سنة منها عيد الصليب فى السابع عشر من توت وعيد الملاك ميخائيل فى الثانى عشر من بؤونة وهناك يجتمع كثير من الأمة من القاهرة والجهات القريبة للزيارة والصلاة والنزهة ويسمى هذا الدير دير الفرح" مميزاً له عن دير الأنبارويس الذى كان يدفن فيه الأقباط موتاهم قديماً إلى أن أبطل فى 25 ديسمبر 1928 وعرف بدير الحزن.
وهناك شارع أسمه شارع القصر (قصر البطريرك سابقاً) فى حى دير الملاك حتى وقتنا هذا.
استمرت الكنيسة نحو مائة عام حتى تصدعت على أثر زلزال أكتوبر 1992 وأقتضت الظروف بترميم الكنيسة، وكانت فرصة أعدها الرب لتوسيع الكنيسة وأقتضى الحال إلى توقف الصلاه بها مؤقتاً وبناء كنيسة أخرى على وجه السرعة فى الفناء الواقع بالجانب البحرى على إسم الملاك غبريال إحياء وتذكار للكنيسة القديمة التى كانت قائمة قبلاً، وفى 20 يوليو 1995 افتتحت كنيسة الملاك ميخائيل للصلاة بها بعد ترميمها وتوسيعها.
وتجددت مرة أخرى الكنيسة فى السنوات الماضية بعمل ترميمات وتجديدات من الداخل والخارج مع الحفاظ على طرازها الاصلى الذى بنيت به منذ ١٣٠ عام، ودشنت فى نوفمبر ٢٠٢٢ بيد قداسة "البابا تواضروس الثانى" ونيافة "الأنبا ميخائيل" الأسقف العام لكنائس قطاع حدائق القبة والوايلي والعباسية، وبعض الآباء الأساقفة. وقد تم خلال التجديدات انشاء معرض لمقتنيات الكنيسة الذي يحوي صورًا لها تاريخ من بينها صور زيارات القديس البابا كيرلس السادس وقداسة البابا شنودة الثالث، إلى جانب بعض من مقتنيات الكنيسة القديمة.
أسماء الكنيسة على مدار التاريخ
- الخندق:
ذكر مخطوط عن أسماء الكنائس يرجع إلى نحو أواخر القرن 13م وذكر إسم الكنيسة بهذا النص: "ميخاييل بالخندق"
- الخندق الفوقانى:
فى خلال القرنان الخامس عشر والسادس عشر حدثت إضافة للصيغة الجغرافية لاسم الكنيسة فأصبح يقال إنها "بالخندق الفوقانى" تمييزاً لها عن دير الخندق الاخر الذى كان يسمى "بالخندق التحتانى" أو "الخندق السفلى" (وهو اليوم دير الانبا رويس).
وأقدم صيغة ترجع إلى عام 1461م: وفيه عمل الميرون المقدس وحضره عدد من الأباء الكهنة بمحروستى مصر والقاهرة - وذكر بيعهم . . . كنيسة الملاك بالخندق الفوقانى.
وثانى صيغة تعتبر أقدم وقفية ذكر فيها إسم الكنيسة على مخطوط بالكنيسة ويرجع نسخه الى 2 ديسمبر 1594م وجاء فيها "على بيعة الملاك الجليل بالخندق الفوقانى وقفاً مؤبداً وحبساً مخلداً"
- الخندق البحرى:
إبتداء من أوائل القرن 17م بدأ يظهر لفظ "البحرى" ملاصقاً وتابعاً لصيغة اسم الكنيسة فى تدرج من "بحرى مصر" إلى "بالوجه البحرى" إلى "الخندق البحرى".
- وقفية فى 4 مايو 1620م جاء فيها:
"وقفاً موبداً وحبساً مخلداً على بيعت الملاك الجليل الطاهر ميخاييل رييس قوات أجناد السموات، بحرى المحروسة شرق الزاوية الحمره بجانب الشيخ الدمرداشى"
- مخطوط 17 ديسمبر 1638م:
وكان المهتم به "الناظر ببيعة الملاك الجليل ميخاييل بالوجه البحرى"
- مخطوط 5 نوفمبر 1649م:
"لأجل بيعة الملاك ميخاييل بالخندق البحرى"
- دير الملاك البحرى:
أقدم صيغة عثر عليها يرجع إلى النصف الثانى من القرن 17م.
ويجب إيضاح أن الكنيسة لم تكن يوماً من أديرة الرهبان ولكن سميت بـ (دير) لسببين:
أ. فى جميع الحجج والوقفيات قديما كان يكتب "دير" وليس "كنيسة" أو "بيعة".
ب. فى العمارة القديمة فى العصر العربى، نجد أن العرب من باب التعميم أطلقوا على كل مبنى له سور ويطل ما فيه على فناء داخلى إسم "دير" (لأنه يدارى ما بداخله) ولم يفرقوا ما بين سور حول كنيسة أو حول دير رهبان.
أما التسمية بالبحرى فهو لثلاث أسباب:
أ. لأن بلدة الخندق كانت فى العصر العربى تتبع أقليم الشرقية ثم تتبعت لضواحى القاهرة وهذان الأقليمان كانا قائمين فى الوجه البحرى.
ب. لأن بيعة الملاك ميخائيل كانت وماتزال تقع بحرى دير الست السيدة الذى عرف بأبو رويس.
ج. لأن الاسم مع توالى العصور أصبح يميز ما بين كنيسة الملاك البحرى الواقعة فى شمال مدينة القاهرة وكنيسة الملاك القبلى الواقعة فى جنوب القاهرة فى مصر القديمة. فأصبح الملاك ميخائيل هو حارس شعب المدينة فى شمالها (بحريها) وفى جنوبها (قبليها).