فرنسا فى مواجهة روسيا فى القارة السمراء!
باريس تتأرجح من موقع وسيط إلى محارب مشترك مما يمثل خطورة بعد إرسال معدات متطورة إلى كييف
التقارب بين دمشق وباريس ضرورة.. وسفير سابق للاتحاد الأوروبى: الغرب سيعمل على التطبيع مع النظام السورى بطرق مختلفة
فرنسا لديها تقليد جيوسياسى مزدوج، أوروبى وبرى وبحرى وعالمي. من منطق الغزو (نابليون / الاستعمار)، تحول فى القرن العشرين إلى منطق الشراكة الذى يمثل الاتحاد الأوروبى والفرنكوفونية تجسيدًا حديثًا.
يتمثل أحد التحديات الجيوسياسية لفرنسا فى تثبيت نفوذها فى هذين المجالين، وهو ما أسميه فى الجغرافيا السياسية "الزاوية اليمنى" مع علاقة ثقة من جانب مع روسيا، وثقل سياسى لألمانيا والولايات المتحدة والجانب الآخر هو إفريقيا، قلب الفرانكوفونية العالمية ومفترق طرق المستقبل للقضايا الاستراتيجية العالمية (استقرار الهجرة إلى البحر المتوسط، السوق الناشئة التى يمكن أن تكون بمثابة منفذ طبيعى للشركات الفرنسية).
ومع ذلك، فإن العكس هو الصحيح. بعد الغزو غير الشرعى لأوكرانيا من قبل روسيا، تأرجحت فرنسا من موقع وسيط إلى محارب مشترك وهو الأكثر خطورة خاصة بعد إرسال معدات متطورة بشكل متزايد. سياسيًا، يبدو أنها تصادق على خطاب زيلينسكى، الذى يسعى إلى تحويل تهديد السلام المرتبط بانتهاك ميثاق الأمم المتحدة إلى معركة من أجل "القيم الغربية" ضد روسيا المرفوضة خارج الفضاء الأوروبى. ويتجاهل هذا الخطاب، المتوافق إلى حد كبير مع خطاب الصقور الأمريكيين، قرنين من ترسيخ الحضارة الروسية فى أوروبا ويمكن أن يدفع بوتين بشكل أكبر إلى أحضان الصين.
وفى الوقت نفسه، فإن الصين وروسيا هما اللتان تعملان على طرد فرنسا من منطقة نفوذها فى إفريقيا التى باتت أحد مراكز نفوذ روسيا وهذا النفوذ يعتمد على أساليب مجموعة فاجنر.. وبينما كانت فرنسا دائمًا جنبًا إلى جنب مع مستعمراتها السابقة فى المراحل الأولى من الانطلاق الاقتصادى لإفريقيا، فإنها تخاطر بقطع نفسها عن القارة السمراء فى وقت يمكن أن تصبح فيه القارة المستقبل الاقتصادى لفرنسا. كل ذلك يكون بمثابة الصدمة التى تتعرض لها فرنسا.
وبالتوافق مع واشنطن فى القارة الأوروبية، تخاطر فرنسا بمشاهدة الخضوع الصناعى والعسكرى والطاقة للاتحاد الأوروبى ودمجه فى نوع من الإمبراطورية الغربية حيث ستكون عضوية الناتو النتيجة الطبيعية لعضوية الاتحاد الأوروبى. ولا شك أن إعادة إشعال الحرب الباردة مع احتمال تحولها إلى مواجهة عالمية ليس فى مصلحتنا.
وبعد أن أصبحت فرنسا مهمشة فى إفريقيا، قد فرنسا نفوذها فى المناطق الناطقة بالفرنسية ويُحكم عليها بأن تصبح لاعبًا إقليميًا صغيرًا. وعندما تفتح الدول الأفريقية أعينها وتدرك أن المذهب التجارى الصينى أو الدعم الروسى للجيش لا يمكن أن يحل محل استراتيجية الشراكة طويلة الأجل، هنا سيكون الوقت قد انتهى بالفعل لفرنسا وسيكون الوقت قد تأخر كثيرًا. إذا كان لم يتم إغراق إفريقيا اقتصاديًا بالتوجه الروسى الصيني، فسوف يغمر هذا التأثير المشترك سواحل البحر المتوسط بسرعة.
لهذا السبب يجب على فرنسا إعادة التفكير فى أهدافها الجيوسياسية، وفى عالم عالمى معقد، تجديد العلاقات الصريحة والاحترام مع دول إفريقيا من خلال تقديم اتفاقية تنمية إنسانية حقيقية لها، مع إعادة التوازن لعلاقتها الروسية.
معلومات عن الكاتب
جوليان أوبير.. سياسى فرنسي، انتخب نائبًا عن عن الجمهوريين خلال الانتخابات التشريعية لعام 2012، ثم أعيد انتخابه عام 2017، ولم يوفق فى انتخابات 2022، ينضم هذا العدد للحوار، ويكتب عن الوضع الفرنسى المتأرجح فى مواجهة تنامى الدور الروسى فى القارة السمراء.
لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي: