الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

أليكسيس ترودى يكتب: استراتيجية التوتر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كوسوفو تساهم فى خلق انقسامات جديدة.. وبلجراد تتجنب الدخول فى عمليات استفزاز

استراتيجية التوتر سمحت للألبان بممارسة ضغط مستمر على السلطات الصربية وتم تطبيقها على المستوى الدبلوماسى فى فرنسا نفسها

عواقب مأساوية على أوروبا نتيجة الأحداث المتوالية فى دول يوغوسلافيا السابقة


يبدو أن سلطات كوسوفو التى نصبت نفسها بنفسها، والتى تسعى بشكل عبثى للحصول على اعتراف دولى منذ عام ٢٠٠٨، اختارت استراتيجية التوتر مع الصرب، فى مواجهة فشلهم على المستوى الدولى. وفى الحقيقة، اعترفت ٩٤ دولة فقط من أصل ١٩٣ فى الأمم المتحدة - وفقًا لقرار الأمم المتحدة ١٢٤٤ - بالمقاطعة الجنوبية لصربيا. ولا تريد القوى العظمى فى العالم متعدد الأقطاب الاعتراف بالدولة الفاشلة كعامل من عوامل عدم الاستقرار وتلك الدول العظمى هى (الصين، الهند، روسيا، البرازيل)، كما ترى الدول الإسلامية الكبرى فى هذه الدولة بمثابة "قمر صناعي" للولايات المتحدة (إندونيسيا، باكستان، مصر، والجزائر) وحتى فى دول الاتحاد الأوروبى الخمس، بما فى ذلك إسبانيا، ترفض تمامًا مشاهدة تمجيد انفصال الإقليم فى أوقات السلم.
لذلك، فى أعقاب هذا التصعيد فى التوتر، قررت بريشتينا (عاصمة كوسوفو) تحويل "قوة أمن كوسوفو" إلى جيش حقيقى، وذلك خلافًا لنصيحة الناتو، والأب الروحى لكوسوفو (الولايات المتحدة) ومعظم الدول الغربية. فى عام ٢٠١٨، دفعت عدة أحداث كوسوفو إلى شفا حرب أهلية. فى مارس ٢٠١٨، تعرض مدير مكتب كوسوفو وميتوشيا، ماركو دجوريتش، خلال زيارة رسمية إلى رؤساء بلديات البلديات الصربية فى كوسوفو الشمالية، للاختطاف فى ميتروفيتشا وبعد ذلك تحرش به أفراد شرطة كوسوفو فى شوارع بريشتينا. فى سبتمبر ٢٠١٨، قام أفراد الشرطة بإغلاق محطة توليد كهرباء جازيفود، خلال عملية كوماندوز تستحق أن تحرز لقب "أسوأ الأفلام الأمريكية". وفى النهاية، فى ديسمبر، أعلنت السلطات التى نصبت نفسها بنفسها فى بريشتينا حصارًا تجاريًا على الحدود مع صربيا، مما تسبب فى نقص كبير فى الغذاء فى الجزء الصربى والذى كون غالبيته مواطنين من كوسوفو الشمالية. على عكس جميع قواعد القانون الدولى، فقد فرضوا ضريبة بنسبة ١٠٠٪ على جميع المنتجات القادمة من أو المتوجهة إلى صربيا، مما تسبب فى توقف مفاجئ فى التجارة وسلسلة من عمليات إغلاق العديد من الأعمال. جاء قرار فرض ضرائب على منتجات صربيا والبوسنة والهرسك (دولتا يوجوسلافيا السابقة اللتان لا تعترفان بكوسوفو) بعد فشل آخر من قبل سلطات كوسوفو فى الدخول كعضو فى الانتربول.
لمدة عامين، استمرت سياسة الاستفزاز ونفذت الشرطة الخاصة لدولة كوسوفو المعلنة ذاتيا – مدعية أنها تحاول إيقاف شبكة من المهربين- عملية كبيرة فى أبريل ٢٠٢٠ فى شمال ميتروفيتشا وزفيتشان وليبوسافيتش، وهى ثلاث بلديات صربية فى شمال كوسوفو حيث ألقى القبض على ١٦ من رجال الشرطة الصربية واثنين من الروس الأعضاء فى فريق الأمم المتحدة فى حين أن أتباع الشرطة الخاصة فى كوسوفو (ROSE) لم يمنعوا أنفسهم من ترويع السكان الصرب، بإطلاق النار على بعض المارة، مخاطرين بإثارة أعمال شغب جديدة مع صرب كوسوفو.
 


وفى نوفمبر ٢٠٢٢، أقام الصرب فى بلديتى ليبوسافيتش وزفيتشان حواجز مرة أخرى، فى مواجهة رفض المؤسسات المؤقتة فى بريشتينا التكيّف ببساطة لبدء المفاوضات بشأن إنشاء استقلال للبلديات الصربية فى كوسوفو- شمالًا، ولكن تم التخطيط له من خلال عملية بروكسل منذ عام ٢٠١٣. وبعد هذه الأحداث واصل ضباط الشرطة الألبانية فى ROSE اتباع تلك السياسة حيث تم سرقة مزارع الكروم الصربى من فيليكا هوتشا، سيرجان بتروفيتش حوالى ٤٠.٠٠٠ لترًا. وخلال هذه الاضطرابات التى لا تعد ولا تحصى، قرر أفراد الشرطة وموظفو الخدمة المدنية الصربية الاستقالة فى مواجهة الكثير من المضايقات من جانب السلطات الألبانية. لذلك يجد الصرب البالغ عددهم ١٢٠٠٠٠ فى كوسوفو أنفسهم فى وضع حرج لأنهم لا يتمتعون بأى حماية من بلجراد.
استراتيجية التوتر التى نتحدث عنها سمحت للألبان بممارسة ضغط مستمر على السلطات الصربية، تم تطبيقها أيضًا على المستوى الدبلوماسى فى فرنسا نفسها؛ فخلال احتفالات ١١ نوفمبر ٢٠١٨، نجح رئيس هذه الدولة الفاشلة، الذى حوكم أمام المحاكم السويسرية والصربية بتهمة الاتجار بالأعضاء، هاشم تاتشى، فى وضع نفسه خلف الرئيس الفرنسى مباشرة، بينما تراجع ألكسندر فوتشيتش إلى المركز الثالث ويبدو من سخرية التاريخ، أنه خلال الحرب العالمية الأولى، حصلت صربيا المتحالفة مع فرنسا فى إطار جيش الشرق على أول انتصار حاسم فى دوبرو بوليى فى ١٥ سبتمبر ١٩١٨ وضحت فى هذه الحرب بثلث سكانها المدنيين من أجل النصر النهائى خاصةً أن كوسوفو وميتوهيا كانتا مجرد مقاطعة جنوبية لصربيا وكان الألبان أعداء لجيش الشرق.
فى ديسمبر ٢٠١٨، أدت هذه السياسة الماهرة للغاية للشعب الألبانى فى كوسوفو إلى تثبيت العلم الألبانى، إلى جانب العديد من أعلام الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الأولى، داخل كاتدرائية نوتردام فى باريس. ومما يزيد الأمر مأساوية أنه فى نفس الكاتدرائية، مقر ملوك فرنسا، دقت الأجراس فى يونيو ١٣٨٩ بمناسبة الانتصارات الصربية الأولى ضد الغازى العثمانى!.. أخيرًا، فى مايو ٢٠١٩، تمكنت السلطات التى نصبت نفسها فى بريشتينا من عكس اتجاه التاريخ تمامًا. بفضل مباركة الحاكم العسكرى لمنطقة الأنفاليد ودعم من الحكومة الفرنسية، قام سفير كوسوفو فى باريس بتنظيم أمسية فى كنيسة إنفاليد المجاورة لقبر نابليون. سوف يسعد الـ٢٥٠.٠٠٠ الصرب والـ٦٠.٠٠٠ الغجر الذين طردتهم هذه السلطات نفسها من أراضيهم الأصلية منذ عام ١٩٩٩ أن يتأكدوا ويؤكدون أن "السلام يسود كوسوفو" فى حين أنه لا يجب أن ننسى تدمير ١٣٥ كنيسة أرثوذكسية ومذبحة ضد الصرب فى مارس ٢٠٠٤، عندما قُتل ١٩ شخصًا ودُمرت ٣٤ كنيسة أرثوذكسية صربية تحت أنظار جنود الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسى فى الحال.
يمكننا أن نرى بوضوح الآثار طويلة المدى المزعزعة للاستقرار لاحتلال الناتو: من خلال تسهيل ظهور حكومة ألبانية فى كوسوفو، والذى جعل المجتمع الدولى أكثر قدرة على تطوير استراتيجية توتر التى تساهم فى خلق انقسامات جديدة. ولا يبدو أن استراتيجية التوتر هذه تؤتى ثمارها حقًا لأن بلجراد أولًا وقبل كل شيء لا تستجيب للعنف بالعنف، وبالتالى تتجنب فى الوقت الحالى الدخول فى لعبة بريشتينا الاستفزازية وثانيًا، نذكر راديكالية بريشتينا فى المفاوضات والموقف المؤقت لممثليها تجاه ممثلى الاتحاد الأوروبى (القائمين على محادثات السلام). كل هذه العناصر تعتبر ذرائع تستخدمها بلجراد لحشد البلدان من أجل قضيتها. فى الواقع، أطلقت السلطات الصربية منذ ٤ سنوات حملة دولية للضغط حتى تعيد الدول النظر فى اختيارها فيما يخص الاعتراف بكوسوفو وبالفعل نجحت هذه الطريقة فى تراجع أكثر من ١٢ دولة عن قرارها المبدأى منذ ٤ سنوات والذى كان يؤيد الاعتراف بكوسوفو. كل هذه الدول تراجعت عن موقفها وذلك بفضل العمل الدبلوماسى لوزارة الشؤون الخارجية الصربية. هذه هى الواقعة الأولى من هذا النوع على المستوى الدولى فيما يتعلق بتاريخ العلاقات الدولية، لكن يجب الاعتراف بأن إنشاء كوسوفو فى عام ٢٠٠٨ خلق مصدرا للإزعاج وسيكون له عواقب مأساوية على أوروبا.

معلومات عن الكاتب 
أليكسيس ترودى.. مؤرخ ومتخصص جيوسياسى فى البلقان، يعمل فى جامعة ميلون فال دو سين  وباحث فى معهد الإستراتيجية المقارنة (ISC) بالإضافة إلى أنه رئيس مجموعة فرنسا - صربيا الجماعية، يتناول تطورات الأحداث فى دول يوغوسلافيا السابقة وتأثيرها على مجمل الأوضاع فى أوروبا.

لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي:

 

https://www.ledialogue.fr/