وجه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رسالته لمناسبة زمن الصوم ٢٠٢٣. هذا نصها:إلى إخواننا السادة المطارنة الأجلّاء،و الرؤساء العامّين والرئيسات العامّات،وأبنائنا الكهنة والرهبان والراهبات المحترمين،وسائر أبناء كنيستنا المارونيّة وبناتها في لبنان والنطاق البطريركيّ وبلدان الإنتشار الأحبّاء، السلام والبركة الرسوليّة
ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان (متى 4: 4) بعد أن صام يسوع في البريّة أربعين نهارًا وأربعين ليلًا، وجاع، دنا منه المجرّب وقال له: "إن كنت أنت ابن الله، فقل أن تصير هذه الحجارة خبزًا". فأجابه وقال: "مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله" (متى 4: 3-4)
واضاف قائلا بهذا الجواب يتّضح أنّ الإنسان بحاجة في آن إلى خبزين، لا يمكن الإستغناء عن أيّ منهما للعيش: الخبز الماديّ وخبز كلمة الله و هو اليوم حاجة شعبنا الجائع، وغيره من شعوب الأرض، بسبب الأزمات السياسيّة والإقتصاديّة والمعيشيّة والماليّة، وبسبب الحروب والتهجير والتشريد وهدم البيوت، وبسبب عوامل الطبيعة كالزلزال الذي أصاب تركيا وسوريا. ولذا، زمن الصوم الكبير هو زمن خدمة المحبّة بالشكل المكثّف في البطريركيّة والأبرشيّات والرعايا والرهبانيّات والأديار والمؤسّسات الكنسيّة. وفيه تنظّم كاريتاس-لبنان حملتها السنويّة في الرعايا والمؤسّسات الكنسيّة والخاصّة والرسميّة، وعلى الطرقات العامّة، في جميع المناطق اللبنانيّة. إنّنا نحيّي شبيبة كاريتاس المتطوّعين، ونشكرهم على ما سيعانون من تعب الوقوف والحرّ والبرد. ونسأل الله أن يكافئهم على تعبهم.
كذلك الصليب الأحمر اللبنانيّ ينظّم حملته السنويّة، بالتنسيق مع حملة رابطة كاريتاس بحيث تأتي متكاملة معها في الأزمنة. متجّنبة حصولها في الزمن الواحد.
واستطرد حديثه إنّ زمن الصوم الكبير يضع كلّ واحد منّا في حالة الواجب على مساعدة إخوتنا وأخواتنا من باب العدالة والتضامن والمسؤوليّة. الصيام يتضمّن بحدّ ذاته الصدقة التي هي إشراك من هو في حاجة مّما نملك، أكان كثيرًا أم قليلًا".
تقاسم خيرات الدنيا هو طريقنا إلى الله، وواجب نؤدّي الحساب عنه، أخلاصًا أبديًّا أم هلاكًا، كما يؤكّد الربّ يسوع في إنجيل الدينونة العامّة: "هلّموا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعّد لكم منذ إنشاء العالم، لأنّي جعت فأطعمتموني ... وابعدوا عنّي يا ملاعين إلى نار الأبد، لأنّي جعت فما أطعمتموني (راجع متى 25: 34-35). وكذلك في إنجيل الغنيّ ولعازر (لو 16: 19-32).
يقول القدّيس باسيليوس الكبير "لا يحقّ لك أن تستعمل مالك كمتمتّع به على هواك، بل كموكَّل عليه"؛ والقديّس غريغوريوس النيصي:"ما يفيض عنك ليس لك، فلا تستطيع أن تجعل نفسك مالكًا". قاعدة الصيام هي أنّك ما تدّخره بصيامك تساعد به من هم في حاجة.
خبز كلام الله
واضاف متحدثا ان الحاجة الثانية الضروريّة مع الأولى، بل تفوقها، هي "الجوع إلى كلّ كلمة تخرج من فم الله" (متى 4-4). يسوع، عندما صام عن الخبز الماديّ، كان يغتذي من كلام المسيح ، من إرادة الآب حتى تماهى بالكليّة مع الكلمة، بل هو إيّاها، فأصبحت جسده في سرّ القربان. هذا ما أكّده للجموع بقوله: "أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المنّ في البريّة وماتوا أنا هو الخبز الحيّ الذي نزلت من السماء، فمن يأكل من هذا الخبز يحيى إلى الأبد. والخبز الذي أعطيه أنا، هو جسدي الذي أعطيه لأجل حياة العالم" (يو 6: 48-51).
فعندما صام يسوع أربعين نهارًا وأربعين ليلًا، كان في حالة صلاة. فالصيام يقتضي الصلاة، لكي ينفتح الإنسان على كلام الله ويصغي إليه بقلبه، ولكي تحيا فيه محبّة الفقراء فيمدّ لهم يد الصدقة. صوم وصلاة وصدقة هذا المثلّث يشكّل كيان الصوم الكبير. وهو كيان لا يقبل التجزئة.
واختتم بان ما نعيش اليوم من أزمات سياسيّة تتسبّب بالأزمات الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة والإجتماعيّة، إنّما مردّه فكفكة هذا المثلّث. فليعد كلّ واحد منّا من موقعه وواقعه ومسؤوليّته، ويبحث عن الخلل عنده في أركان هذا المثلّث.