يبدو أن الولاية الثانية لحركة طالبان في حكم أفغانستان، لن تكون أفضل حالا، وسرعان ما ستتجه إلى الانهيار، بسبب الانقسامات الداخلية غير المسبوقة، التي تضرب الحركة منذ سيطرتها على الحكم، عقب الانسحاب الأمريكي غير المنظم من أفغانستان في نهاية أغسطس 2021.
وتحكم حركة طالبان دولة أفغانستان حاليا، للمرة الثانية، حيث كانت المرة الأولى خلال الفترة من 1996 إلى 2001، لكنها باءت بالفشل بسبب الانقسامات، وكثرة المناوئين لها.
ورغم أن مسيرة طالبان نحو استعادة السلطة في أفغانستان، بدت متماسكة، تحت قيادة عسكرية وسياسية موحدة مقرها في قندهار جنوب البلاد، فإنه بمجرد وصولها إلى السلطة تبين أن هذا التماسك كان هشا، وأن مرحلة السعي لجني المكاسب بدأت مبكرا.
وبينما تصور الخبراء والمتابعون، أن الزعيم الروحي للحركة هبة الله أخوندا زاده، يتمتع بنفوذ قوي بين باقي قادة الحركة، كشف الواقع عن أنه غير قادر على توحيد الصفوف، أو إقناع جميع قادة الحركة بالانضواء تحت لوائه.
قرارات أخوندا زادة الأخيرة التي قيدت المجتمع الأفغاني، خاصة الجزء النسوي منه، دفعت بخلافات القادة إلى السطح، فجهر عدد منهم برفض هذه القرارات، باعتبارها تمثل تحديا للشعب، وللمجتمع الدولي، مطالبين بتخفيف حدة هذه القرارات حتى لا تقود في النهاية للإطاحة بالحركة مرة أخرى.
وأمام إصرار أخوندا زادة على قراراته التي تعيد المجتمع الأفغاني إلى الوراء سنوات طويلة، اضطر عدد من قادة طالبان إلى تبرئة أنفسهم من ذلك علنا وبطريقة مباشرة، عبر توجيه انتقادات تعد الأولى من نوعها داخل طالبان منذ نشأتها مطلع تسعينيات القرن المنصرم.
وفي الأسبوع الماضي، قال وزير الداخلية بالوكالة في حكومة طالبان سراج الدين حقاني، زعيم شبكة حقاني، ونائب المرشد الأعلى للحركة، إنه يتعين استعادة ما سلب من حقوق المرأة، معتبرا أن القرارات الأخيرة تساعد على استهداف وتحدي وتشويه النظام بأكمله.
وأضاف: "لا يمكن التسامح مع هذا الوضع بعد الآن، فلدي مسؤولية مختلفة، وهي الاقتراب من الناس".
مكتب نائب رئيس الوزراء عبد السلام حنفي، تدخل أيضا موجها انتقادات إلى أخوندا زادة في نهاية الأسبوع الماضي، معربا عن رفض قرارات المرشد الأعلى، وقال إن طالبان لا يمكنها الادعاء بأنها تقود دولة مستقلة دون ضمان نظام تعليمي قوي.
من جهته، قال الدكتور عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، إن حركة طالبان تعاني بسبب قلة الخبرة في إدارة الدولة، مشيرا إلى أن الحركة ما زالت تتعامل بمنطق الجماعة وليس نظام الحكم، الأمر الذي يهدد بانهيارها سريعا.
وأشار إلى أن قرارات مرشد حركة طالبان، لم تعد تحظى بشعبية حتى بين أتباعه، مما يدل على عدم اقتناعهم به، ورغبتهم في إخراجه من المشهد، وضع أحدهم مكانه.
وفسر عبد المنعم الانتقادات العلنية الموجهة إلى أخوندا زادة بأنها محاولة واضحة من قادة طالبان إلى تبرئة أنفسهم أمام المجتمع الدولي، وأيضا تقديم أنفسهم كبدائل معتدلة لزادة، في محاولة لإقناع العالم بأن أزمة طالبان ليست في نظامها الحاكم، وإنما في أشخاص يمكن الإطاحة بهم مع الإبقاء على النظام نفسه.