انتابت حركة النهضة التونسية حالة من الذعر والخوف الشديد عقب توسع السلطات الأمنية مؤخرا فى توقيف شخصيات وقيادات من الصفوف الأولى لحركة النهضة التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية، ففي صباح الخميس الماضي، أوقفت السلطات فوزى كمون مدير مكتب رئيس الحركة راشد الغنوشي، وقبلها بيومين أصدر قاضى التحقيق بالمحكمة الابتدائية قرارًا بحبس وزير العدل الأسبق ونائب رئيس الحركة نورالدين البحيري.
كما اعتقلت قوات الأمن كل من الوزير الأسبق لزهر العكرمي، ومدير إذاعة موزاييك المحلية نور الدين بوطار، والقيادى السابق بالنهضة عبدالحميد الجلاصي، وذلك على ذمة عدة تهم خطيرة تواجه أعضاء وقيادات الحركة.
فى السياق ذاته؛ زار الرئيس التونسي قيس سعيد، الثلاثاء الماضي، مقر وزارة الداخلية حيث اجتمع بعدد من القيادات الأمنية، وتحدث بعد أن أثنى على المجهودات التى تقوم بها مختلف مصالح وزارة الداخلية، على أن الواجب المقدس يقتضى اليوم حماية الدولة والوطن من الذين لا هم لهم إلا السلطة والمال ولا يتورعون فى الارتماء فى أحضان أى جهة أجنبية.
وأكد رئيس الدولة على أن الكثيرين حاولوا تفكيك الدولة ويحاولون اليوم بكل الطرق تأجيج الأوضاع الاجتماعية لبلوغ مآربهم المفضوحة وذلك بمزيد التنكيل بالشعب فى معاشه وفى حياته اليومية. مشددا فى الوقت نفسه على ضرورة احترام القانون وعلى دور القضاء في إنفاذه فالجميع متساوون أمام القضاء ومن حق الشعب التونسى أن يطلب المحاسبة ولا عذر لأحد فى ألا يستجيب لهذا المطلب الشعبى المشروع.
وتواجه حركة النهضة فى تونس عدة اتهامات خطيرة أمام القضاء تتعلق بالإرهاب وتسفير الشباب التونسيين إلى بؤر التوتر والتطرف، ومنح جوازات سفر غير قانونية، وأيضا الفساد المالى وتبييض الأموال، مما جعل الحركة الإخوانية تسعى للتغطية على مثل هذه الجرائم الخطيرة بتنشيط الشارع والدعوة للتظاهر مرارا بهدف إسقاط الرئيس قيس سعيد الذي سحب البساط من تحت أرجلهم وكشفهم أمام الشارع التونسي.
ويمر اليوم نحو شهرين على قرار قاض تونسي بسجن رئيس الوزراء التونسى السابق علي العريض نائب رئيس حزب النهضة، فيما يعرف بملف تسفير المقاتلين إلى بؤر التوتر والإرهاب، وفى محاولة للتنصل من التهم الموجهة للحركة، قال القيادى الإخوانى والوزير في حكومة "العريض"، نور الدين البحيري فى تصريحات سابقة: "لا علاقة لى ولأبناء الحركة سواء من المسئولين فى الدولة أو من خارجها بموضوع العنف والتسفير ونحن أول من تصدى له".
حرب تحرير جديدة
من جانبه؛ قال الكاتب والمحلل السياسى التونسى نزار الجليدي، إن آلة القضاء تحركت أخيرا بعد طول انتظار، وبعد مطالبات كثيرة من رئيس الجمهورية وكذلك مطالبات مجتمعية من المجتمع التونسي، بأن يكون للقضاء مكان ودور فى محاسبة الذين أجرموا فى حق البلاد خاصة وأنهم عملوا على تعطيله لسنوات.
وأضاف "الجليدي" فى تصريحات خاصة لـ"البوابة"، أن إيقاف مدير إذاعة موزاييك ليس على خلفية مهنته الصحفية لكن الجميع يعرف تاريخه، وأن هذا الرجل كان قبل عام ٢٠١١ وبعده فى نفس المنصب، وفى نفس فلك التحريض والإضرار بالأمن العام سواء من خلال شبكة علاقاته المريبة أو من خلال منبره الإعلامى الذى يديره، كما أنه معروف شركاء الرجل، فكلهم من عائلة "بن علي" وكلهم من الفاسدين الأوائل الذين هم على قائمة المطلوبين، جميعهم إما فى السجن أو المنفى أو الهروب، والرجل الوحيد الذى بقى هو ليكون فى الواجهة ليتحمل التبعات التى كان شريكا فيها.
وأوضح المحلل السياسي، أن إيقاف البحيرى ليس من العدم، فالقضاء تحرك ضد ملفات كثيرة منها الانتدابات العشوائية فى القضاء وأيضا لجوزات السفر التى أسندت لأشخاص أضروا بالأمن العام وبدون حق قانوني، وأيضا للفوضى التى ضربت البلاد لعشر سنوات مضت بشكل عام. فاليوم تونس تعيش حرب التحرير كما وصفها الرئيس قيس سعيد.
ولكن إلى أى مدى سوف تنجح وتكون لهذه الحرب فاعلية كبيرة تظهر معه تحرر القضاء التونسى من سيطرة حركة النهضة الإخوانية، ليصبح هو صانع الحدث ومحرر التونسيين من تركة عشر سنوات عجاف، مشيدا فى الوقت نفسه بأن القضاء حافظ على هدوءه، والزمن الطويل جدا للحيثيات واستنطاق القضايا والدفوعات، والقضاء ليس لعبة سياسية إنما هو يتعافى بقدر ما كان مريضا، والشارع التونسى يرحب بالقرارات القضائية ويحتاج لمزيد من الإجراءات لتعطيل زمن القضاء، وتعطل زمن الإصلاح جعل الشعب يزداد إصرارا على إصلاح جميع المنظومات العامة وخا
ولفت "الجليدي" إلى أن حركة النهضة فقدت تأثيرها على الشارع التونسي، ولا يمكن أن تسترد تجييشها للشارع كما كانت تفعل خاصة وأن التونسيين كشفوا زيفها وكذبها، لقد أثبتت التجربة خلال السنتين الماضيتين بأن الحركة فقدت السيطرة على الشارع وفاقدة للمصداقية فى الشارع، ربما آخر حلولها هو تشويه صورة النظام فى الخارج من خلال منابرها الإعلامية الموالية.
ذعر وترويج شائعات
وعلى الرغم من أن القضاء يوجه عدة اتهامات خطيرة لقيادات حركة النهضة مثل غسيل الأموال أو تسفير الشباب إلى بؤر القتال والتوتر والزج بهم لتزويد صفوف المقاتلين الإرهابيين فى سوريا، أو منح جوزات سفر بطريقة غير قانونية لأشخاص أضروا بالأمن العام، وغيرها، فإن هيئات الدفاع تصر على نشر تدوينات تدعى أنها لا تعلم سبب الإيقافات أو تعلن أسبابا صغيرة مثل نشر تدوينة على فيس بوك، وذلك رغبة من الحركة الإخوانية فى إظهار النظام التونسى كأنه هش وضعيف أمام الخارج.
ولم تكف حركة النهضة عن الصراخ وإصدار البيانات منذ أيام بالتزامن مع حملة أمنية ضد قيادات متورطة فى اتهامات خطيرة، حيث أوضحت الحركة أن إيقاف البحيرى كان عنيفا وأنه تعرض للإيذاء وأنه مقدم على جراحة طبية، كما وصفت توقيفات الأمن التونسى بـ"الاختطاف" كعادة التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية التى تصف القبض على عناصرها الإرهابية المتورطة فى اغتيالات وتفجيرات بالاختطاف أو الاحتجاز القسري.
ونددت حركة النهضة بجملة الإيقافات التى قام بها الأمن التونسي، كما أشاعت روايات متناقضة لما تقوله وسائل إعلام تونسية عن التهم الموجهة للقيادات الموقوفة، ومن بينها القيادى السابق بالحركة عبد الحميد الجلاصي المتهم بتهديد الأمن العام للدولة التونسية فى حين أن الحركة تمارس عادتها فى تسطيح الأمور وتعلن على لسان هيئة دفاعها أن التهمة الموجهة للجلاصى هى احتساء فنجان قهوة مع متهم آخر فى نفس القضية وهو خيام التركى الناشط السياسي، بما فى ذلك من تلاعب واستخفاف بعقول التونسيين.
لجنة لمتابعة ملف الاغتيالات
وفى إطار تحريك ملف الاغتيالات وإزالة أى عوائق أمامه، قررت وزيرة العدل ليلى جفال، ٦ فبراير الجاري، تكوين لجنة خاصة تعمل تحت إشراف مباشر لها، ومكلفة بمتابعة ملف الاغتيال ومحاسبة كل من تورط فى تعطيل سير الملفات وسعى فى طمس الأدلة والتأثير على المسار القضائي.
كما عقدت وزيرة العدل اجتماعا مع الرئيس التونسى بعدها بأيام، حى تناول اللقاء جملة من المواضيع ذات الصلة بسير المرفق العمومى للقضاء وخاصة تلك المتعلقة بمآل عدد من القضايا التى بقيت فى الرفوف دون بتّ لمدّة أعوام وكلّما تم تحديد موعد لجلسة جديدة إلا وتم إثرها اتخاذ قرار بالتأجيل.
وفى بيان للرئاسة التونسية، فإن الرئيس تطرق إلى موضوع اللجنة التى وقع إحداثها لمتابعة سير قضيتى الشهيدين شكرى بلعيد ومحمد البراهمي، وأوضح، فى هذا السياق، أن السير الطبيعى للعدالة لا يقتضى إحداث مثل هذه اللجان ولكن للأسف هذه القضية وغيرها بقيت عالقة، هذا فضلا عن إتلاف بعض المؤيدات والوثائق وكان يُفترض أن تتولى النيابة العمومية إثارة دعاوى ضدّ من قام بهذه الأعمال التى هى فى الواقع جرائم حتى يقع طمس معالم جرائم أخرى.
وجدّد رئيس الجمهورية التأكيد على الدور الذى يضطلع به القضاء فى هذه المرحلة الدقيقة التى تعيشها تونس، مشدّدا على ضرورة محاسبة كل من أجرم على قدم المساواة فمن غير المعقول أن يبقى خارج دائرة المحاسبة من له ملف ينطق بإدانته قبل نطق المحاكم، فالأدلة ثابتة وليست مجرّد قرائن. مشيرا إلى أن الشعب التونسى يريد المحاسبة وقد طال انتظاره والواجب المقدّس يقتضى أن تتمّ الاستجابة لهذا المطلب فى أسرع الأوقات لأنه مطلب شعبى مشروع.