ما زالت آثار التغيرات المناخية تلقي بظلالها علينا، فأدت لزيادة كميات الأمطار وفى أوقات متقاربة كنتيجة لمناخ متطرف، حيث تسقط على مصر قرابة 1.4 مليار متر مكعب فى الوادى والدلتا علاوة على عشرات المليارات من الأمطار بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو» مع العلم أن الطبيعة أقوى من الإنسان فهناك ولايات أمريكية مثل كاليفورنيا وفى ألمانيا وبلجيكا قد تعرضوا للغرق. وهنا تحدث الخبراء الذى ناقشناهم عن أهمية المشروعات لتعظيم الاستفادة من الأمطار ما يسمونه «حصاد الأمطار» وليس «التصريف» وطالبوا، بمزيد من المشروعات بالمدن الجديدة والصحراوية لاختلاف طبيعتها مثل التلال والمرتفعات والوديان التى تجعل حركة المياه فى غاية الخطورة وذات سرعات مختلفة ذات تأثيرات تدميرية بعكس الوادى والدلتا ذات المصارف الطبعية على نهر النيل.
طالبوا باتحاد الأضلاع الثلاثة وهي الهندسة الصحية وتصمميم المواقع والصرف الصحي لابتكار حلول غير تقليدية وبتكلفة أقل ويكون مردودها تعظيم القدرة المصرية الاستفادة بـ5 أضعاف المياه المتساقطة عبر خططها فى غضون السنوات الخمس القادمة، وتطبيق بعض الطرق المحلية لإعادة استخدام الأمطار، حيث توجد عشرات التجارب التى يمكن الاستفادة منها.
بحسب بيان للهيئة العامة للاستعلامات، أن مصر يسقط عليها نحو ١.٤ مليار متر مكعب من مياه المطر كل عام، وتعتمد مصر بنسبة ٩٧٪ على مياه نهر النيل، وتصل احتياجاتها المائية إلى نحو ١١٤ مليار متر مكعب سنويًا يقابلها موارد مائية لا تتجاوز ٦٠ مليار متر مكعب سنويًا، بعجز يصل إلى ٥٤ مليار متر مكعب سنويًا، ويتم سد هذه الفجوة من خلال إعادة استخدام المياه، واستيراد محاصيل زراعية بما يُعادل نحو ٣٤ مليار متر مكعب سنويًا، بحسب وزير الموارد المائية والري. بدوره تلقى الدكتور هانى سويلم وزير الموارد المائية والرى تقريرًا من الدكتور أسامة الظاهر رئيس قطاع المياه الجوفية لاستعراض الموقف التنفيذي لمشروعات الحماية من أخطار السيول بمحافظات الجمهورية المختلفة، والإجراءات الخاصة بالتعامل مع موسم الأمطار الغزيرة والسيول. وصرح الدكتور سويلم بأنه ونظرًا لزيادة شدة وتواتر الظواهر المناخية المتطرفة مثل السيول الومضية والأمطار الغزيرة التى تتساقط بمختلف المحافظات فيجرى تنفيذ العديد من أعمال الحماية من أخطار السيول فى مصر، حيث تم إنشاء ١٥٠٠ منشأة لحماية المواطنين والمنشآت.
رغم التصريحات الرسمية عن حجم مياه الأمطار فإن الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة يقول إن ما يتم الاستفادة منه من مياه الأمطار ١.٤ مليار متر مكعب من المياه التى تسقط على أراضى الدلتا والصعيد ويتم الاستفادة منها كرى للأراضى الزراعية يتم توفيرها من مياه نهر النيل، فبحسب منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" فى تقريرها ٢٠١٤ ذكرت أن مصر تسقط عليها نحو٥٠ مليار متر مكعب من المياه ولا يتم الاستفادة منها.
وأوصى التقرير بدخول مصر فى تطبيق استراتيجيات حصاد الأمطار الذى يتم عن طريق عمل مصايد للأمطار والسيول بحيث أحولها من مدمرة إلى مفيدة فمثلا عمل سدود ترابية فى سيناء مثل مجموعة سدود الروافعة الموجودة فى شمال سيناء ويمكن لها قدرة أكثر من ١٠٠ مليون متر مكعب يستفيد منها البدو فى رى زراعتهم فى شمال سيناء مثل زراعة الخوخ والبرقوق المشهورين بزراعتهماـ
ويضيف نور الدين لـ"البوابة": أما جنوب سيناء فيتم عمل بيارات أو هرابات وهى عبارة عن حفر برية دائرية فى الأرض ومبطنة بطبقة أسمنتية مثلا البلاعات فى الشوارع التى تخزن فيها كميات كبيرة من المياه ويشيد صفوف فى طريق السيل بحيث تقود مياه السيل فيها وتقلل من تأثيراتها التدميرية علاوة على عمل بحيرات صناعية فى اتجاه قدوم السيل فى رأس غارب لإعادة استخدامها لمياه الشرب أو الري.
أما عن الساحل الشمالى الغربى من الإسكندرية حتى مطروح والسلوم أوصت هيئة الأغذية بعمل خنادق مثل الترع الصغيرة بحيث تكون صفوف متراصة لديها القدرة على استيعاب كميات أمطار كبيرة من الساحل الشمالى الغربى يمكن لها أن تزرعه، أما أمطار وسيول الصعيد فلها مخرات وهى خنادق ومواسير تحت الأرض للسيول تمتص المياه وتعبر بها أسفل القرى جميعها ثم تصب فى نهر النيل حيث تحول مياه نهر النيل إلى اللون الأصفر بفعل حبيبات الرمال.
وبالفعل هناك خطط كثيرة لدى وزارة الرى يتم تنفيذها منذ ٥ سنوات حيث تعمل فى حصاد مياه الأمطار والسيول يمكن أن تضيف كميات كبيرة جدا للمياه لدولة مصر التي تعاني من الشح المائى حيث ما يتم الاستفادة منه فعليًا ١.٤ مليار متر مكعب سنويًا يمكن مضاعفته ٥ أضعاف الرقم فى حالة عمل مشروعات حصاد الأمطار فى سيناء والبحر الأحمر ومحافظات الصعيد ومرسى مطروح والسلوم.
جدير بالذكر تقوم وزارة الموارد المائية والرى من خلال غرف العمليات ومراكز الطوارئ التابعة لها والتى تعمل على مدار الساعة برصد ومتابعة حالة الأمطار والسيول التى تتعرض لها البلاد من خلال مركز التنبؤ بالفيضان التابع للوزارة، وعلى الفور يتم رفع درجة الاستعداد القصوى واستنفار المعدات والأفراد بكافة قطاعات الوزارة، وذلك من خلال التنسيق مع الجهات المعنية بالدولة والتى يتم إمدادها بخرائط التنبؤ على مدار الساعة.
كما يتم تحليل البيانات التى يتم تجميعها من خلال شبكة أجهزة قياس الأمطار المنتشرة فى جميع أنحاء الجمهورية لتحديد كمية الأمطار التى سقطت بكل منطقة على مستوى الجمهورية، وكذلك حساب حجم المياه التى تم حصادها أمام السدود وداخل بحيرات التخزين.
بدوره؛ يقول الدكتور ضياء الدين القوصى خبير الموارد المائية، لا يتم الاستفادة من كميات الأمطار الضخمة التى تسقط على مصر إلا بنسب قليلة والباقى يهدر فى التربة أو يتسرب إلى البحر، وما تقوم به وزارة الري من مشروعات الحماية من أخطار السيول فى شبه جزيرة سيناء والبحر الأحمر هى جهود محمودة سواء سدود تخزين وإعاقة أو التحويل والغرض بغرض تعظيم الاستفادة من هذه الكميات من مياه الأمطار بأكبر قدر ممكن.
ويضيف "القوصي"، لـ"البوابة": نسبة الفاقد من مياه الأمطار قد تصل إلى ٥٠٪ سواء بالتسرب إلى سطح البحر أو تتبخر من سطح الأرض فى الأجزاء الخالية من مشروعات حصاد الأمطار، ونحتاج لمزيد من الجهود والمشروعات لتعظيم الاستفادة من مياه الأمطار خاصة أننا أمام تغيرات مناخية واستخدام تقنيات حصاد الأمطار.
وقال إبراهيم عوض، المتحدث باسم محافظة القاهرة فى تصريحات سابقة، إن المحافظة تقوم بالدفع بعدد كبير من سيارات الشفط على الأماكن التى يحدث بها تجمعات للمياه، بسبب الأمطار الغزيرة التى تهطل، كما توجد نحو٦٨ نقطة تجمع للأمطار، حيث كانت أكبر المناطق تجمعا للمياه هى أسفل كوبرى ٤.٥، ومنطقة شرق حى شارع الميثاق بمدينة نصر.
وأوضح “عوض": أن المحافظة استعدت لفصل الشتاء عبر توسعة محطة الصرف الصحى بمنطقة عين شمس لاستيعاب كميات الأمطار التى قد تهطل طيلة فصل الشتاء، بخلاف التوسعات الأخرى، «عملنا توزيعه تخلص بنهاية الشهر باستيعاب حوالى ٥٠٠ ألف متر مكعب من مناطق شرق القاهرة، وبمناطق الجنوب فيه محطة فى طرة وأخرى خلف المنصة، وعندنا استعدادات كبيرة لاستيعاب الأمطار».
فى السياق ذاته؛ يقول الدكتور عباس الزعفراني، أستاذ التخطيط بجامعة القاهرة: منطقة الساحل الشمالى ضمن المناطق كثيفة الأمطار وبشكل منتظم تصل كمياتها نحو ٥٠ إلى ٢٥٠ مل سنويًا وهذا رقم له وزن، وهنا نعمل بطريقة حصاد الأمطار من خلال عمل شبكة صرف للأمطار بشكل مستقل عن الصرف الصحي، وأقوم ربطها بالأخير على مكان تجميع وتخزين مياه الأمطار لإعادة استخدامها مرة أخرى سواء أكانت مياها للشرب أو رى الحدائق أو الأراضى الزراعية بالمدينة.
وهنا يمكن تطبيق مشروع حصاد الأمطار فى الإسكندرية والعالمين ودمياط الجديدة والمنصورة الجديدة وكافة المدن الواقعة على الساحل الشمالى تصلح لعمل مثل هذه المشروعات حصاد الأمطار وليس الصرف. أما الصرف يُعمل به فى حالة زيادة كميات المياه عن قدرة شبكات التجميع هنا يجوز صرف الفائض إلى البحر مثلا وهنا نطبق قاعدة درء الضرر المقدم عن جلب المنفعة.
وبحسب "وزير الرى والموارد المائية": تهدف مشروعات الحماية من أخطار السيول لتوفير الحماية للمواطنين، وحماية المدن والقرى البدوية والمنشآت السياحية والطرق وخطوط الاتصالات والغاز والمياه والكهرباء وأبراج الكهرباء والتى تقدر قيمتها بعشرات المليارات، بالإضافة لحصاد مياه الأمطار وتجميعها فى البحيرات الصناعية أمام سدود الحماية لاستخدامها بمعرفة التجمعات البدوية فى المناطق المحيطة، وتوفير الاستقرار للتجمعات البدوية نتيجة تغذية الخزان الجوفي.
ويضيف الزعفرانى لـ"البوابة": يتم العمل بنظام حصاد الأمطار التى تختلف أشكالها حسب كل منطقة سواء مدن أو مناطق جبلية خاصة أن هناك متغيرين يجب وضعهما فى الاعتبار عن التخطيط هما التغيرات المناخية والمناخ المتطرف الذى ينذر بسقوط أمطار بشكل مستمر وكميات كبيرة علاوة عن تخطيط المدن السكنية فى المناطق الصحراوية ذات الخصائص المختلفة عن مدن وادى النيل.
ويواصل "الزعفراني": تجهز المدن بشبكة تصريف أمطار مستقل عن المجارى على أن توجه خطوطها للتخزين فى أماكن محددة لإعادة استخدامها فى مياه الشرب أو رى الحدائق أو الأراضى ويمكن تطبيق ذلك فى الإسكندرية وكافة المدن الجديدة، أما بالنسبة للجبال فى البحر الأحمر وشبه جزيرة سيناء فتسقط عليها كميات من الأمطار بشكل غير منتظم وتكون سيولا وهذه تحتاج إلى أنواع سيول إبطاء وأخر تحويل تحمى المدينة ثم توصيل السيل للبحر عبر مجار محددة.
وعند وصول الكميات المتبقية من المياه إلى المدينة يتم التنازل عن الحصاد مقابل تقليل الضرر وصرفها إلى البحر فى المدن الساحلية أو المجارى فى المدن أو ربطها بخزانات جوفية تستطيع تخزين المياه لإعادة استخدامها.
ويواصل "الزعفراني": يمكن الاعتماد على الساحل الشمالى الغربى فى الزراعات المطرية ولكنها ستكون غير منتظمة لعدم انتظام الأمطار هشة فى أغلب الأحيان لأن غيابها يؤدى إلى تلف المحاصيل وهنا نشير لأهمية الرى التكميلى سواء بمياه الأمطار أو الترع مثل الحمام أو العلمين التى شقتها وزارة الرى والموارد المائية وهذا يسمى "الري التكميلي". وأردف "الزعفراني": أما باقى المدن فى جمهورية مصر العربية مثل القاهرة التى تتساقط عليها أمطار قليلة وغير منتظمة يجرى العمل على تصريف الأمطار لتقليل الأضرار الناجمة عن الأمطار، وهنا تكون القاهرة صرف أمطار وليس حصادا خاصة أن ما يسقط عليها ٣٠ ملم سنويًا وكذلك الإسكندرية وهنا الأفضل الصرف على حدائق أو متنزهات عامة لتيسير حركة الشوارع، وقد تم تطبيق هذا فى القاهرة الجديدة.
ويواصل "الزعفراني": صرف مياه الأمطار فى مدن الوادى والدلتا عبر المصارف والترع أو جريان سطحى يعمل بموجب الجاذبية الأرضية، ولكن العشوائيات فى مدن الدلتا أو الإسكندرية وخاصة فى منطقة جنوب شرق التى كانت أراضى زراعية وجرى البناء عليها دون تخطيط جيد وردم الترع والمصارف ومخرات السيول وهنا عند هطول الأمطار لا تجد مسارات لتصريفها علاوة عن نوع التربة الطينينة –ليست لديها قدرة على امتصاص المياه.
وهنا نحتاج للدمج ما بين شبكات الصرف (المصارف الطبيعية بالدلتا) مع الشبكات التى ينشئها المهندسون ومع الصرف عبر المسطحات والحدائق يكون تخطيطا جيدا عبر ميول تتماشى مع الجاذبية الأرضية ويتم ذلك عبر التنسيق بين مهندسين المواقع والتصميمات بالإضافة للمهندسين الصحيين ومهندسى الرى والصرف الزراعى وعند تضافر الثلاثة أطراف سنصل لحلول جيدة وقليلة التكلفة وتعظيم استخدامات المياه أما الاعتماد على طرف واحد مثل مهندسى الصرف الصحى الذى يتعامل عبر "ماسورة وطلمبة" تكون التكاليف عالية جدا وبطء شديد فى تنفيذ المشروعات.
طرق محلية للتعامل مع الأمطار
هناك طرق محلية تبدأ من المنازل فى التعامل مع قطرة الأمطار التى تتساقط على سطح المنزل الذى بدوره يصرفها على شبكة الصرف الصحى وهنا تبرز أهمية وجود جنينة أو حديقة منزلية يتم التوصيل إليها لصرف الأمطار أو عمل خزانات كبيرة أعلى المنازل تخزن بها المياه لإعادة استخدامها وقد طبقت هذه التجربة فى منزلى وباءت بالنجاح وتخلصت من فكرة غرق المنزل، وتم تنفيذ تجارب الصرف على الحدائق فى القاهرة الجديدة.
الساحل الشمالى يسقط عليه أمطار
وأضاف الدكتور “سويلم” أنه إلى جانب هذه الإجراءات بعيدة المدى والمتمثلة فى تنفيذ منشآت للحماية من أخطار السيول، تتخذ الوزارة إجراءات موسمية تتمثل فى قيام أجهزة الوزارة المعنية بالمرور الدورى على ١١٧ مخر سيل والتعامل الفورى مع أى تعديات على مجارى هذه المخرات وإزالتها للحفاظ على شبكة تصريف مياه السيول بدون وجود أى عوائق.