فى مطلع الستينيات ومع بداية ظهور التتر الدرامي، أصبح للعمل الفني عنوانًا، قاد الفنان والملحن عبد العظيم عبد الحق بداية ظهور التتر فقد لحن تتر مسلسل «هارب من الأيام».
ومسلسل «الضحية» و«الساقية» وغيرها، وكان للفنان القدير عبد العظيم عبد الحق مشهد فى فيلم «الإرهاب والكباب» مع الزعيم عادل إمام، وكان عبد الحق يلعب دور رجل مسن ناقم على الوضع والحال الذي وصل إليه الجميع، وبالتأمل للمشهد وأدائه العبقري، تشعر وكأنه يتحدث بمرارة عما آل إليه التتر الفنى وكأنما كان يرى الحال.
إلى أن بدأ التوهج فى السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وتربع على عرش التتر الموسيقي عمار الشريعي، ياسر عبد الرحمن، ميشيل المصري ودخول عمر خيرت أثرى الحالة الإبداعية، ومن الشعراء كان لسيد حجاب نصيب الأسد من كتابة التتر، ومعه عبد الرحمن الأبنودي، وأحمد فؤاد نجم، وشكل سيد حجاب وعلى الحجار توأمة إبداعية جعلت من التتر الغنائى بطلا للمشهد الفنى، وشعبية توازى شعبية العمل.
كانت كلمات مسلسل «بوابة الحلوانى» للشاعر سيد حجاب وغناء علي الحجار «إللى بنى بنى مصر كان فى الأصل حلواني» كفيلة بأن تغازل مسامع الأسرة وكأنما نادت عليهم فردًا فردًا، فى إشاره لبدأ العمل، وظل تتر مسلسل «ذئاب الجبل» أحد أهم المراسم والفلكلور الذى مثل صعيد مصر إلى وقتنا الراهن.
ومن أبرز دلائل قدسية التتر فى تلك الحقبة الفنية، كان الشاعر والمطرب يجتمعوا مع المؤلف ويستلموا نسخة من السيناريو كباقي فريق العمل، للغوص فى تفاصيل الحالة الدرامية والفنية ليعيشها الشاعر بقلمة وكلماته، ويجسدها المطرب فى صوته وآهاته، بما يؤكد رؤية القائمين على الفن فى تلك المرحلة من التحضير للتتر الذي لا يقل أهمية كجزء أساسي عن العمل.
ومع مطلع الألفينات ومر التتر بحالة من الموسيقى مع كتابة أسماء الأبطال، كأنما مؤشر لتهميش دور التتر فى العمل الدرامى وتمهيدا لما سيمر به إلا بعض الأعمال مازالت تداعب عقول ومسامع الجمهور، وظهر أيمن بهجت قمر واحد أهم كتاب التتر فى الوقت الحالى.
وكانت لتتر مسلسل «يتربى فى عزو» شعبية كبيرة ولاقى نجاحًا مثل أحد ألوان الإبداع وإنما فى إطار السياق الدرامي الذي يحقق للمسلسل الهدف والفكرة من التتر، وكان مسلسل «١٠٠ وش» غناء «المدفعجية»، وأشعار «كنكة» بداية لدخول لون المهرجانات فى التتر الفني، وكانت أغنية «مليونير مليونير» رغم نجاحها إلا أنها مؤشر لما قد يأتي وتكون باب جديد من فصول تطور التتر الفنى ولكن إلى أين؟.
إلى أن جاء تهميش التتر إما لتوحش الحملات الإعلامية التي جارت على مقدمة العمل وأصبح كلمة الحلقة رقم ( ) هى مقدمة العمل الفنى، ليفرغ المساحة أمام الإعلانات، إما لانحدار الذوق العام أصبح التتر فريسة سهلة لمن يعبث به، إما لعدم وجود قامات فنية وكتابية تعيد الأمجاد مرة أخرى، أو لإنقطاع الوصال الوجداني بين المشاهد والأعمال الفنية وهو ما يعتبر متابعة العمل «تحصيل حاصل» دون أثر يبقى.
من جانبه؛ أكد الناقد الفنى طارق الشناوى أن التتر الفنى هو العنوان الرئيسى ويمثل مقدمة العمل، وهو ما يخلق الحالة بين المشاهد والمنتج الفنى قبل بداية العمل.
وقال «الشناوى» فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، إن سيد حجاب والحجار وعمار الشريعى وميشيل المصرى وعمار الشريعى، حققوا نجاحات كبيرة ولكن هذا لا ينفى أن هناك اليوم أيضا تترات فنية مبدعة ولا يجب أن نعيش أسرى الماضى.
ووصف قطع التتر لحساب الإعلانات أنه تغلغل القوى الاقتصادية على حساب القوى الإبداعية ولكن لا يمكن أن يمهد ذلك لإنقراض التتر فالخطأ بقطع التتر لا يبرر الخطيئة بانقراضه.
فى سياق متصل؛ أكد الكاتب والسيناريست أيمن سلامة أن التتر جزء أصيل من العمل، وهو مسئولية المخرج، ويمثل تمهيد درامى بين المشاهد والعمل الفنى.
وقال «سلامة» فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن التتر هو العملية التحضيرية الأولى للمشاهد للدخول والانصهار داخل روح العمل؛ معتبرًا ما يحدث من قطع التتر لصالح الإعلانات إنما اقتطاع جزء من العمل، ويمثل فجوة درامية وفنية بين المشاهد والعمل الفنى.
في السياق نفسه؛ أكد الناقد الموسيقى أحمد السماحى، أن البداية للتر كانت فى الستينات، وكان التتر عبارة عن أجزاء من الموسيقى الغربية،لعدم اعتراف الصناع فى ذلك الوقت بأهمية التتر، حتى ظهرت محاولات الفنان والموسيقى القدير عبد العظيم عبدالحق فى ظهور التتر.
وقال «السماحى»، فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن فترة نهاية السبعينيات مع ظهور ميشيل المصرى، وجمال سلامة، وعمار الشريعى وسيد حجاب كانت ميلاد المرحلة الحقيقية للتر، خاصة بعد نجاح تتر مسلسل الأيام للثلاثى المبدع سيد حجاب، وعلى الحجار وعمار الشريعي والذي يعتبر الباب الذهبى لدخول التتر قلوب المشاهدين.
وأضاف أن التترات الآن «ترملت» بعد وفاة عمار الشريعى، وميشيل المصرى، وهناك عامل آخر أثر فى حال التتر الآن وهو تكلفة التتر الغنائى من شاعر ومطرب، فأصبح التتر الموسيقى بديلا، ولكن الشعب المصرى يحب الغناء عن الموسيقى.
واعتبر الناقد الموسيقي، أن الدخول فى الحلقة مباشرة بدون تتر ليحل محلها الإعلانات أنه جهل وجشع، والكارثة أن يضيع مجهود أشخاص سهروا الليالى لخروج لون فنى للمشاهد ويتم تجاهله وتهميشه.