الإثنين 18 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

وجوه زائفة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كل الأطباء كلامهم مقنع وجميل.. الطبيبة التي شخَّصَت حالتي، وكتبت لي قائمة دواء مقنعة وجميلة.. الطبيبة الثانية التي شخَّصت حالتي، وغيَّرت قائمة الدكتورة الأولى مقنعة وجميلة.. الطبيب الذي ألغَى تشخيصهما وقائمتيهما مقنع وجميل. أين المشكلة؟ أني لم أخِفَّ.

أول عصا لمسَت يدي ليتها كانت من مدرس.. كانت من موظف بمدرستي الابتدائية.. جاء في حصة احتياطية ولم يفعل شيئًا.. وقتها (كنتُ) خجولًا جدًّا.. لم أجرؤ أن أسأله: لماذا ضربْتَني؟.. فأنا الوحيد الذي لم يتكلم.. وكل الفصل أشقياء ومُتبجِّحون.. الآن كبرتُ وأدركتُ السبب.

خطيب الجمعة ملعلع في الحديث عن فتنة المال.. الناس خاشعون.. على رءوسهم الطير.. يهزُّون رءوسهم طربًا بالكلام.. تسقط الطيور.. تصير عصافير مدقوقة على جانبي الوجه.. جميعهم بلغوا مرتبة الأولياء في الزهد.. طفل مال على أبيه "يعني إيه فتنة المال؟.. "اسكت خلِّينا نسمع مولانا".

لي صديق وَرِع بشكل مذهل.. إذا سلَّمَت عليه إحدى حاملات تاء التأنيث، انتفض وتوضأ من جديد. تعجَّبَت إحداهنَّ من تعجُّبِي.. أخبرتني أن إحدى صديقاتها اتصلَتْ به.. بعد المكالمة أخذ "شاوَر".. وكان في عزِّ البرد وبالليل.. ألهذه الدرجة بلغ به الورع؟!.

الفتاة من "إيَّاهنَّ" تُعطِّل نزولها المتسربع.. تتصنَّم أمام المرآة.. تتحول لـ"مانيكان".. تُتمِّم على كل فسفوسة.. وكل تفصيلة لفسفوسة.. أخيرًا تركب المواصلات.. يلفت لبسُها ومظهرُها بعض الركاب.. تُبدِي امتعاضًا من نظراتهم.. يتحرَّجون من النظر إليها.. ويدلدلون رقابهم.. تكتم غيظها: خسارة ساعتين أضعْتُهما أمام المرآة.

السلفيون خطفوا تريند لفت الانتباه.. يسار الرصيف شيخ بجلابية مأزعرة.. وشبشب بصباع "شايف العالم المغيبة؟! فاكر نفسه عايش في عصر الخيمة".. يمين الرصيف شيخ آخر يركن سيارته الفاخرة الفاجرة.. يفتح الباب.. تنبعث نسائم من التكييف "شايف مولانا؟! راكب عربية آخر موديل"! على بعد خطوات تقف فتاة "منهنَّ".. تفكر بجدية في لبس نقاب؛ لعل وعسى.

في المترو يظهر المعدن المصري الأصيل.. ينتفض شاب شهم ليُجلِس سيدة.. تقعد وتحشر إبنها.. على يمينها يُحرَج شاب أشهم منه.. يقوم لتجلس براحتها هي وابنها.. وعلى مسافة مليمترات يقف مسنٌّ.. يرقب مشهد الشهامة وهو يتسنَّد على عكازه.

محطات المترو أصبحت تنافس أسواق العتبة والموسكي.. المحلات والباعة الجائلون والمتسولون.. زحام الإعلانات يحاصر الأعين في كل مكان... زحام الركاب يُعطِّل السلالم الكهربائية.. زحام الركاب يُنهِكُ القطارات.. زحام الركاب ينحت القضبان.. زحام الركاب يكحت البلاط.. زحام الركاب طفَّش كورونا.. طبيعي أن يُخَسِّر المترو.

جروب لطيف في المترو.. دوشونا باستظرافهم الصاخب.. أكثرهم صخبًا شابة بتقفِّل العشرينيات.. "إيه رأيكم نقضِّي كام يوم في إسكندرية؟".. الجروب وافق على الفكرة اللذيذة.. مر المترو على محطة الأهرام.. فتشَتْ إحداهن سرًّا.. المحطة فيها شغل زوج الشابة.. عفاريت الدنيا ركبوها.. جميع محاولات إقناعها أنه هزار فشلت.. طفح فمها بقاموس من أقذع الشتائم.. فجأة انتبهت إلى أنهم ليسوا وحدهم في المترو.. أصرَّت أن تنزل أول محطة وتترك "الملاعين".. ألهذه الدرجة تخاف من زوجها؟!

في الأتوبيس تجلس أم وبجوارها طفلها.. طاعن في السن يتشعبط في عكازه.. تغضب من صاحب لسان فالت.. "قَعَّدي الحاج وخدي المفعوص على رجلك".. "أنا قاطعة له تذكرة.. خليك في نفسك".. مسكينة.. ستأتي محطتها وتعود لبيتها.. دقائق الأتوبيس ستمرّ.. الصغير سيكبر.. ويبقى معها في البيت.. وسيسقيها ما أرضعته وهو صغير.