الجماعة الإرهابية نجحت فى غرس النظام الأيديولوجى فى المجتمع الفرنسى من خلال مدارسها ومساجدها وجمعياتها.. والمواجهة تتطلب العمل المتواصل لسنوات
تفكيك هذا التنظيم بكل تجلياته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية يصبح واجب اللحظة فى فرنسا
وثيقة تكشف: جناح «ولاية سيناء» كان يحصل على مساعدات كبيرة من الجناح العسكرى لحركة «حماس»
إن مشكلة مكافحة النزعة الانفصالية للإسلاميين فى فرنسا أو دفعهم لاحترام القيم الجمهورية هو تحدٍ وجودى، من وجهة نظرى، يقف حجر عثرة أمام محاولات الساسة الفرنسيين تنظيم الحالة الإسلامية فى فرنسا.
والمشكلة الكبرى تكمن فى عدم الوقوف على الأسباب الحقيقية وراء تلك الظاهرة، وإن لم ينجح الفرنسيون فى تحديد دقيق لتلك الأسباب فلن يستطيعوا التوصل إلى حلول جذرية لهذه المشكلة المستفحلة فى المستقبل المنظور.
وعندما أتحدث عن تحديد دقيق للأسباب الرئيسية وراء تلك المشكلة المزمنة، التى يعانى منها المجتمع الفرنسى منذ اكثر من أربعة عقود، فإننى أعنى ما أقول.
فطوال تلك العقود الأربعة ومنذ محاولات جان بيير شوفينمون عام ١٩٩٩ إيجاد حل لها، مرورًا بمحاولات ساركوزى عام ٢٠٠٣ وحتى الآن، كانت تلك المحاولات للأسف تعيد إنتاج الأزمة عبر تحديد خاطئ لها باعتبارها أزمة دين.. ومن هنا كان الحل دائمًا هو الاستعانة ببعض المتنفذين داخل هذه الديانة للقيام بحل المشكلة والتعامل مع الدولة كممثلين لها الأمر الذى كان يساهم دائما فى إعادة إنتاج الأزمة لأننا نضع الحل فى إيدى المتسببين فى المشكلة.
فقد اختطف التنظيم الدولى للإخوان الإسلام ومعه مسلمى فرنسا منذ عقود عديدة فى جريمة واضحة تمت على ضفاف السين وعلى مرأى ومسمع من الجميع وربما بمساهمة من البعض، عن عمد أو سوء فهم.
لقد حان الوقت لتغيير الاستراتيجية لمواجهة التحدى وتعريف من هو العدو على وجه التدقيق. لأن جماعة الإخوان المسلمين ليست مجرد تنظيم «محافظ»، فهم مصنفون فى الإمارات ومصر كمنظمة إرهابية، وفرعهم الرسمى فى فلسطين/غزة هو منظمة حماس الإرهابية التى اعتمدت أسلوب العمليات الانتحارية بفتوى من مفتى الجماعة يوسف القرضاوى الذى أقر تلك العمليات علانية شريطة أن تكون بتوجيه من جماعة الإخوان. ثم قامت فى يناير ٢٠١١ بتنفيذ أوامر قيادتها فى مصر باقتحام الحدود ومهاجمة أقسام الشرطة المصرية واقتحام السجون والإفراج عن ٣٦ قيادة من قيادات جماعة الإخوان بينهم محمد مرسى وكذا الإفراج عن قيادتين من حزب الله اللبنانى وآخرين من حركة حماس الأمر الذى أدى إلى إشاعة الفوضى فى البلاد وتمكين تنظيم الإخوان الأم فى مصر من إسقاط نظام مبارك والوثوب مكانه إلى السلطة.
حماس وداعش.. تعاون وثيق
وفى يوليو ٢٠١٧، عقد عصام صالح، القيادى فى «جيش الإسلام» التابع لتنظيم داعش فى غزة، مؤتمرًا صحفيًا، أعلن فيه إنهاء الخلاف القائم بين داعش وحركة حماس مضيفًا أن مشاورات جرت بين الطرفين تم على إثرها الاتفاق على وقف «داعش» التفجيرات فى قطاع غزة، على أن توقف حماس اعتقالاتها لعناصر داعش.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد وإنما وصل الأمر إلى حد التعاون وتقديم المساعدات اللوجستية من قبل حركة حماس لتنظيم داعش وبخاصة فى سيناء فى مواجهته للجيش المصرى حيث نشرت مؤسسة (جويش نيوز سينديكيت (Jewish news syndicate) الإسرائيلية تقريرًا حصريًا حول حصولها على وثائق خطيرة مسربة من داخل تنظيم «داعش» الإرهابى، تكشف تفاصيل وكواليس خطيرة عن الحرب الدائرة فى سيناء.
وأوضحت المؤسسة الإسرائيلية أنها حصلت على وثائق داخلية تابعة لـ«داعش» صاغها أحد قيادات التنظيم، ويدعى أبومرام الجزائرى، يكشف فيها عن الطرف الذى يقدم مساعدات كبيرة لفرع «داعش» فى سيناء، أو ما يعرف بـ"ولاية سيناء».
وتشير الوثيقة المكونة من ١١ صفحة إلى أن جناح «ولاية سيناء» كان يحصل على مساعدات كبيرة من قبل الجناح العسكرى لحركة «حماس» فى قطاع غزة.
ولم تكن تلك هى المرة الأولى التى تتعاون فيها حركة حماس الفرع الفلسطينى لجماعة الإخوان مع التنظيمات الإرهابية، فقد كشفت أوراق القضية ٢٣٠ لسنة ٢٠٠٩ المعروفة بتفجيرات «المشهد الحسينى»، والتى راحت ضحيتها مواطنة فرنسية استغلال اثنين من المخططين هما: خالد محمود مصطفى، وأحمد محمد صديق، لغزة كملاذ آمن، تحت سمع وبصر وبحماية حركة حماس.. أيضا استخدم البلجيكى من أصل تونسى، فاروق طاهر الأنفاق، فى العودة من غزة إلى مصر للمشاركة فى التفجيرات، بعد الحصول على التوجيهات من قادة تنظيم حركة حماس فى غزة.
كما أوضحت أيضًا أوراق القضيتين رقم ٤٠٩ لسنة ٢٠٠٦، ٨٦٧ لسنة ٢٠٠٥ المعروفتين بتفجيرات دهب المصرية وشرم الشيخ، دخول الشقيقين أيمن ويسرى محمد حسين محارب إلى غزة لتلقى التدريب والتمويل والسلاح لتنفيذ تلك التفجيرات، حيث دخلا القطاع بمساعدة من ماجد الدرى أحد أكبر كوادر حركة حماس هناك. وتقابلا مع أبوسليمان القيادى بالحركة والذى قام بتجهيزهما بالأموال اللازمة للقيام بالعمليتين.
وقد يتصور القارئ أن تلك الوقائع قديمة ويتعلق معظمها بفرع تنظيم الإخوان فى فلسطين لكننا نذكره بقرار الإدارة الأمريكية فى يناير ٢٠٢١ بإدراج حركة حسم الإخوانية فى قوائم التنظيمات الإرهابية، وهى الحركة التى أسسها محمد كمال عضو مكتب الإرشاد الدولى لتنظيم الإخوان والذى لقى مصرعه فى إحدى المواجهات الأمنية بمنطقة المعادى إحدى ضواحى العاصمة المصرية بالقاهرة فى أكتوبر ٢٠١٦، وهو ما لم يذكره خبر إدراج الحركة كتنظيم إرهابى فى الولايات المتحدة.
بداية الخطر الإخوانى:
لقد جاء التنظيم الدولى إلى فرنسا منذ ثمانينيات القرن الماضى بهدف واحد أطلق عليه الإخوان آنذاك مسمى «التمكين فى الغرب».
هذا التمكين الذى يتم وفق رؤيتهم عبر ثلاث مراحل تعمل بالتوازى وليس بالتوالى.
أولًا التمكين الاجتماعى:
عبر إنشاء المؤسسات الاجتماعية التى يتم من خلالها جمع وتنظيم المسلمين الفرنسيين والمهاجرين فى وحدات إدارية منظمة؛ بدأت بسبع جمعيات فى عام ١٩٨٩ لتصل إلى ٢٥٠ جمعية فى منتصف ٢٠٠٥.
ثانيًا التمكين الاقتصادى:
وذلك عبر التمويل المباشر وغير المباشر حيث يتمثل الأخير فى حقائب المال الدبلوماسى الذى استخدم فى بناء المساجد والمدارس والمراكز الثقافية، وعدد من الأنشطة التربوية الأخرى.
والتمويل المباشر من خلال التبرعات والتحويلات البنكية بالإضافة إلى عائدات الأنشطة الإسلامية كتجارة الحلال وأنشطة الحج والعمرة وجمع الزكاة والصدقات.
ثالثًا التمكين الثقافى:
وذلك عبر إنشاء المراكز الثقافية والمدارس وإقرار ودعم التعليم الخاص والتعليم بالمنازل، مما سمح للإخوان بنشر منهجهم فى التربية الفكرية والدينية فى كل ربوع تلك الضواحى.
هذا التمكين بأشكاله الثلاثة يقودنا إلى التمكين السياسى الذى يبدأ عادة بالتأثير فى الانتخابات المحلية والعامة، ويتطور ليصبح ورقة مهمة ينبغى على السياسيين أخذها بعين الاعتبار فى معاركهم الانتخابية، حتى نصل إلى مرحلة يصبح الإخوان فيها ورقة حاسمة فى أى انتخابات تشريعية أو رئاسية.
ووفق تلك الاستنتاجات فإن تفكيك هذا التنظيم بكافة تجلياته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية يصبح واجب اللحظة فى فرنسا.. قد يساهم القانون الجديد (قانون مكافحة الانفصالية) فى جزء من عملية التفكيك تلك ولكنه لن يكون كافيًا بالطبع حيث عرف التنظيم الإخوانى بالقدرة على التأقلم مع كافة الظروف والمهارة فى التغلب على مجمل المعوقات التى واجهته عبر تاريخه. فقد نجح الإخوان طوال ما يقرب من مائة عام فى استخدام تناقضات خصومهم ليحولوها إلى صالحهم ويبنون من خلالها مؤسساتهم؛ والتجربة المصرية خير دليل على ذلك.
تفكيك سيستغرق سنوات
ولهذا يجب إعطاء الأولوية، كخطوة أولى، لتجفيف مصادر التمويل ومراقبة وحظر هذه الجمعيات ومحاكمة قادتها. هذه هى الأسلحة الرئيسية التى فى حوزتنا لاتخاذ الخطوة التالية الحاسمة، وهى تفكيك النظام الأيديولوجى الذى نجحت هذه الجماعة فى غرسه فى المجتمع الفرنسى من خلال مدارسها ومساجدها وجمعياتها. هذا التفكيك سوف يتطلب سنوات من العمل من أجل القضاء عليه.
تواجه فرنسا عملية معقدة استمرت لسنوات وسنوات. يلزم اتخاذ إجراءات أسرع وتطبيقات أقوى لحفظ ما يمكن حفظه، وإلا ستستمر الدولة والمجتمع، للأسف، فى العمل فى حلقة مفرغة.
لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي: