يجب التصدى لكارثة الاتجار بالبشر من أجل الحفاظ على الشباب الأفريقى أفضل الموارد الضرورية لتنمية البلدان الأفريقية
وكالات الأمم المتحدة المختلفة لم تنجح خلال 50 عامًا فى تحقيق نتائج مهمة فى القارة السمراء.. ومشروع الحكومة الإيطالية يمثل نقطة الانطلاق للتنمية
أطلق فريق رئيسة المجلس الإيطالى جيورجيا ميلونى (رئيسة الوزراء) منذ زيارتها الأولى الرسمية للجزائر «خطة ماتى لأفريقيا» الطموحة، والتى تهدف إلى تحويل إيطاليا إلى «مركز للطاقة فى الاتحاد الأوروبى وجعلها مستقلة ضد الاستعمار إذ إن القادة الأفارقة لم يعودوا يحتملون تدخل القوى المحتلة السابقة، ولا سيما فرنسا وبلجيكا وبريطانيا العظمى.
ولم يتم اختيار اسم خطة ميلونى عن طريق الصدفة، لأن إنريكو ماتى الذى كان الرئيس الأكثر شهرة لشركة النفط الإيطالية إينى اغتيل فى ظروف غامضة فى عام ١٩٦٢ بينما كان يطمح إلى مشاركة عائدات النفط بشكل أكثر انصافًا مع الدول المنتجة غير الغربية وهو ما تسبب فى إزعاج كبير لشركات النفط الأنجلو ساكسونية.
وافتتحت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلونى مؤخرًا الحوارعلى المستويين الوطنى والأوروبى حول السياسات التى سيتم تنفيذها لمساعدة أفريقيا والشباب الأفارقة، الذين يواجهون اليوم قيودًا - بسبب الفقر والتمييز - للقيام بالهجرة. هذه المحاولات التى يقوم بها الشباب من أجل الهجرة من أفريقيا تشكل فى كثير من الأحيان خطرًا على حياتهم.. رغم أن الهجرة كانت موجودة دائمًا وستظل موجودة ومنذ فجر التاريخ، انطلق الناس فى رحلات أمل للبحث عن ظروف معيشية أفضل.
ومع ذلك، فإن ما حدث فى العقدين الماضيين لا يشبه هجرات أسلافنا، من أوائل القرن العشرين وبعد الحرب العالمية الثانية، الذين ذهبوا بحثًا عن ثرواتهم فى أمريكا وأفريقيا وحتى فى أستراليا البعيدة جدًا. كانت هذه الهجرات مختلفة تمامًا عما يحدث اليوم فى أفريقيا، حيث يقع الشباب الأفارقة فى شرك المتاجرين بالبشر عديمى الضمير الذين يسرقون أولًا جميع ممتلكاتهم ثم يتخلون عنهم فى وسط البحر وبين أمواجه المرعبة.
ومن الواضح أن هذا الاتجار بالبشر من أفريقيا (ليبيا، أفريقيا السوداء، تونس، المغرب، نيجيريا، إلخ) يجب إيقافه من أجل سلامة هؤلاء الشباب الذين هم أفضل مواردها الضرورية لتنمية البلدان الأفريقية نفسها.
فى الحقيقة، «خطة ماتى لأفريقيا، أطلقناها كفكرة للتعاون الإنمائى الذى يمكن أن يساعد البلدان الأفريقية على التطور من خلال الاستخدام الأفضل للموارد العديدة التى تمتلكها أفريقيا» هذا ما قالته رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلونى عن فكرة إطلاق برنامج لدعم التنمية فى أفريقيا هى فكرة قديمة وثورية.
ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وبعد انتهاء الاستعمار فى أفريقيا، أنفقت الدول الأوروبية مبالغ كبيرة كل عام لدعم تنمية أفريقيا، دون تحقيق نتائج ملموسة واخترع فنان كوميدى فرنسى نكتة شائعة جدًا فى أفريقيا ويمكن تلخيصها على النحو التالي: الضرائب التى يدفعها الفقراء فى أوروبا تستخدم لزيادة ثروات الأغنياء فى أفريقيا.
يحدث هذا لأن المساعدات التى تقدمها الدول الأوروبية لأفريقيا لا تتم بشكل مباشر على أساس ثنائى تحسبًا من أن يُنظر إليها على أنها شكل من أشكال الاستعمار الجديد ولهذا السبب، يتم اختيار التعددية دائمًا تقريبًا، حيث يتم توجيه هذه الأموال إلى وكالات الأمم المتحدة المختلفة العاملة فى أفريقيا، مثل منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى على سبيل المثال.
لسوء الحظ، لم تكن وكالات الأمم المتحدة فى أفريقيا مؤثرة؛ فعند قراءة بياناتهم المالية، ندرك أن معظم الميزانية التى يتلقونها لتنفيذ مشاريعهم التنموية فى أفريقيا غالبًا ما تنتهى بتمويل نفقات تشغيل الوكالات نفسها ودفع الرواتب والمعدات التقنية والسفر والدراسات والمؤتمرات والمدارس لأطفال موظفى الوكالات أنفسهم.. كل هذه الأمور تلتهم ميزانية من المفترض أنها مخصصة لتنمية أفريقيا.
ثم يأتى الفساد الحكومى والافتقار التام للشفافية من جانب البلدان الأفريقية المتلقية للمساعدات ليستكمل الصورة الأليمة التى يمكن رؤيتها بعد ما يقرب من ٥٠ عامًا من المنح المخصصة لتنمية أفريقيا مما يؤكد نكتة الممثل الكوميدى الفرنسى.
السؤال الحاسم للاستقلالية الغذائية
كما نرى، فإن معظم المبادرات والمشروعات المنفذة لأفريقيا لم تحل مشاكل التنمية، وخاصة المشكلة الرئيسية المتمثلة فى الاستقلال الغذائى للبلدان الأفريقية؛ فلا يزال الاكتفاء الذاتى من الغذاء يمثل المشكلة الحقيقية التى لم يتم حلها فى أفريقيا، وهو دليل أيضًا على فشل المبادرات المتتالية على مر السنين لمساعدة هذه البلدان.
ومن المشاكل الأخرى التى تفاقمت فى أفريقيا الحرب بين العصابات المسلحة، والتى تتخذ من الدين قناعًا فى حين أنها مجرد مسألة جنوح عادى يسعى إلى استغلال مختلف البلدان الأفريقية حيث تعيش بعض الحكومات الفاسدة، وذلك بفضل حالات التوتر والصراعات المزمنة هذه.
أخيرًا يأتى التواجد الروسى فى بعض البلدان الأفريقية وتعطش الصين للمواد الخام اللازمة للصناعة كى يدمر القليل الذى تم القيام به فى نهاية التسعينيات من القرن الماضى.
لهذا السبب، فإن الخطة التى اقترحتها إيطاليا قديمة وثورية ويمكن لأوروبا الموحدة تغيير مصير أفريقيا من خلال الترويج حقًا لتنمية البلدان الأفريقية ليس فقط من من خلال ضخ رأس المال، ولكن قبل كل شيء توفير الأفراد الأساسيين لتطوير مشاريع للزراعة والصحة والتعليم وضمان البنية التحتية الأساسية لأفريقيا: تلك هى الشروط الأساسية للتنمية.
ليست هناك حاجة للأيديولوجيات والنوايا الحسنة من جانب المتطوعين الشباب الذين يذهبون إلى أفريقيا بفكرة المساعدة والذين ينتهى بهم الأمر غالبًا إلى خلق أو تفاقم المشكلات الحالية. فبالكفاءة والإعداد والقدرة التقنية للقيام بالأشياء يمكن أن يساعد أفريقيا حقًا. إن التعاون بين القطاعين العام والخاص ضرورى لخلق فرص عمل فى أفريقيا ولإنتاج ما فى وسعه لضمان استقلال الغذاء والصحة وظروف المعيشة الطبيعية اللازمة لاستقرار المجتمع الأفريقى.
الخلاصة
من العبث الاستمرار فى الأمل فى وكالات الأمم المتحدة المختلفة مثل منظمة الأغذية والزراعة والصندوق الدولى للتنمية الزراعية وبرنامج الأغذية العالمى التى لم تنجح خلال ٥٠ عامًا فى تحقيق نتائج مهمة فيما يتعلق بمهمتها فى القارة السمراء. هذه حقيقة محزنة يمكن أن يتحقق منها أى شخص أتيحت له فرصة التواصل مع عالم التعاون الإنمائى وشارك فى أعمال ومشاريع فى أفريقيا ولهذا السبب، فإن الخطة التى اقترحتها الحكومة الإيطالية يمكن أن تمثل نقطة الانطلاق لتنمية أفريقيا.
معلومات عن الكاتب
سيرو مادلونى.. مسؤول سابق فى المجلس الأوروبى، يعمل حاليًا مستشارًا مستقلًا لعدة جهات أوروبية.. يتناول فى مقاله الخطة الإيطالية التى يراها منقذة لقارة إفريقيا وكذلك للقارة الأوروبية.
لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي: