الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

الدكتور حسام بدراوى يكتب: الفلسفة وراء الأفعال

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

النموذج الديمقراطى فى الغرب محل مراجعة نتيجة ثورة المعلومات والاتصالات

فلسفة الديمقراطية هى الشورى والحرية والمحاسبية وتداول السلطة فى إطار قانون يتفق عليه الجميع. فإذا خالفت الحكومات هذة الفلسفة فقد خرجت عن الطريق الصحيح.

العالم النامى يحتاج إلى مبادرات لتحقيق عدالة ناجزة لا تسمح للحرية بالتحول إلى فوضى

فكرت كثيرا فى غياب الفلسفة أحيانًا وراء القرارات والأفعال فى إدارة البلاد، خاصةً فى بلاد العالم النامى، لأنه بدون وجود فلسفة يحدث تخبط وقد تتعارض الأفعال بين حكومة والتالية لها.
مثلًا، فلسفة العدالة تستلزم وجود النيابة التى تقوم بالتحقيق قبل توجيه التهم إلى المواطن وإلا أصبح جهاز الأمن مسيطرًا على أقدار الناس، النيابة هى جهاز يجب أن يكون محايدا وليس تحت وصاية السلطة التنفيذية، وذلك لحماية الشعب، وكيل النيابة فلسفيًا هو محامى جموع الشعب. 
فإذا كانت الإحصاءات تقول إن عدد قضايا البراءة فى المحاكم أكثر من قضايا إثبات الاتهام، فإن محامى الشعب قد يتحول إلى جلاده. 
إذن للاحتفاظ بالفلسفة وراء الفعل لا بد من وجود رقابة وإحصاءات وتحليل حتى لا تخرج الوظيفة عن فلسفة وجودها. 
نفس الشىء ينطبق على فلسفة أن المتهم برئ إلى أن تثبت إدانته، فإذا وضعنا كل من نشك فيه وراء القضبان سواء بالحبس الاحتياطى لشهور وقد تمتد إلى سنوات، أو بمعاملة المتهم كمجرم إلى أن تثبت براءته أو بوضع المتهم فى قفص أثناء محاكمته فإننا خرجنا عن فلسفة العدالة الناجزة. 
أما فى قضايا التنمية، وسآخذ التعليم كمثال، فإن فلسفته أنه حق من حقوق المواطن، وأولوية لا تقبل المناقشة، فإذا قامت الدولة –أى دولة- بفرض رسوم لدخول المدارس العامة أو قدمت الحق بلا كفاءة تستدعى إنفاق الشع بللحصول على التعليم خارج نظام التعليم الرسمى المؤسسى أو فى التعليم العإلى، أنشأت الجامعات الحكومية التى تستوعب أغلبية المواطنين بمصاريف تتعدى قدرات المواطنين وبدون خلق نظام تمويل للطلاب فهى تخرق فلسفة التعليم بكل المقاييس. 
وأذكر أنه عندما فرضت بريطانيا رسومًا إضافية فوق موازنة الدولة المخصصة لكل طالب فى الجامعات، أنشأت معها نظامًا لتمويل الطلاب لا يسدده الخريج إلا بعد تخرجة وعمله وحصوله على دخل يسمح بسداد القرض بدون أن يؤثر على حياته. أنا أذكركم أن جميع المواطنين فى أوروبا يحصلون على حق التعلم على نفقة المجتمع ككل الذى تمثله الحكومات، ولا يمكن سلب المواطنين هذا الحق فهو فلسفة وراء حق الجميع فى التعلم. 
مثال آخر هو فلسفة رفع مستوى المعلم، التى تقول «إن مستوى التعليم فى أى أمة لا يرتفع فوق مستوى معلميه».. إذن ترتبط فلسفة التعليم بالعمل على رفع مستوى وقدر المعلمين وإلا أصبحنا خارجين عن فلسفة التعليم. 
مثال آخر هو فلسفة إنشاء الطرق السريعة مثلًا، فهدفها تيسير حركة المرور، وسرعة الوصول إلى الهدف، وأن اتساع الطريق يقاس بأضيق نقطة فيه. 
فإذا أنفقنا الأموال وأنشأنا الطرق ثم لم نخطط الطريق أو نضع علامات الإرشاد كما هو معروف فى كل العالم، أو إذا لم ننشئ مع الطريق مخارجه بسعة تسمح بتيسير الحركة فنحن لا نتبع فلسفة وجوده أساسا ويصبح إنفاق الدولة بلا عائد. 
نفس الشىء ينطبق على حالة إغلاق حركة المرور أمام مئات السيارات فى ساعات الذروة للتحقق من رخص السيارات بهدف اكتشاف مخالف واحد أمام تعطيل مائة عدم مخالف وراءه، الفلسفة تقول إن حق التسعة وتسعين وتيسير حياتهم أهم وأفضل من تعطيل الجميع من أجل اكتشاف مخالف واحد. 
فى فلسفة إدارة الأمن فى عالمنا النامى، فإن الممارسات التى ترى أن تأمين أى منطقة، يكون بإغلاقها أمام المارة، بينما استقرار الأمن فى الدول المتقدمة وفاعليته لا يتحقق بالمظاهر وإغلاق الطرق بل إن الأمن الحقيقى يتحقق ولا نشعر بوجود رجاله الذين يرهبون المواطنين وبدون الممارسات التى توقف حياة الناس، وتعطل مصالحهم.. الحل الأسهل، والذى يدل على قلة الحيلة هو الإغلاق ومنع المرور، بلا إكتراث لوجود محال تجارية فى تلك الشوارع، تضطر لإغلاق أبوابها، وتفقد زبائنها، وغير مكترثة لوجود سكان، يعانون الأمرين للوصول إلى بيوتهم، خلف كتل الخرسانة التى تتمركز عندها قوات الأمن، تسأل كل من يقترب إلى أين هو ذاهب، وتطلب ما يثبت أنه يقطن إحدى المبانى الحزينة الواقعة فى منطقة التأمين، وكأنها خلف بوابات سجن منيع.

 




المسألة فى الفلسفة وراء الأفعال فكلما شاهدت إجراءات أمنية فى الشوارع فاعلم أن الأمن ليس مستقرا فهذه مظاهر ضعف وليس قوة، لأن الأمن القوى لا تراه بالعين.
نفس الشىء فلسفيًا هو بوابات الأمن على مداخل الفنادق التى لا نراها فى كل أوروبا الآن وعلى ومداخل المولات والتى أصبحت إجراءات شكلية لا تؤدى قيمة أمنية حقيقية.
بل وأضيف، فى عاملنا النامى، أن كمائن الأمن فى الشوارع التى تبدأ أحيانا لسبب، وينتهى سبب وجودها، ولكنها تظل موجودة تسد حارة من حارات المرور بلا معنى ويسميها الناس كمائن والكل يعرف مكانها.. إنها فلسفة إدارة ومفهوم لا يُعنى بالحقيقة ولكن بالشكل.
والآن نأتى إلى فلسفة الديمقراطية وهل نحترمها فى دول العالم النامى؟
فلسفة الديمقراطية هى الشورى والحرية والمحاسبية وتداول السلطة فى إطار قانون يتفق عليه الجميع. فإذا خالفت الحكومات هذة الفلسفة فقد خرجت عن الطريق الصحيح.
إننا نلاحظ ونحن ننظر إلى الديمقراطية الغربية، ومايطبق منها فى دول العالم، خاصة الدول النامية، نجد كثيرًا من التناقضات بين الفلسفة والواقع، نرى تَجَبْر السلطات الممنوحة للحكومات، وأحيانا الظلم الاجتماعى لطبقات من الشعوب التى لا تستطيع بمقومات معارفها وقدراتها أن تحصل على تكافؤ حقيقى للفرص المتاحة كما ندّعى ونقول، فالأكثر تعليمًا، والأكثر ثراءً، والأكثر انفتاحًا على العالم، يحصل على الفرصة، وتزداد الفجوة بين المواطنين تدريجيًا وتضيع فى كثيرمن الأحيان فرص التنمية الإنسانية المستدامة التى نبتغيها من الحكم الرشيد. 
الديمقراطية نجحت فى أوروبا وأمريكا الشمالية ولكنها فشلت فى تطبيقها فى الدول النامية والفقيرة.
السؤال هو: ما هى معضلة تطبيق قواعد الحرية السياسية وتحقيق الديمقراطية فى هذه الدول؟
والإجابة، أن الفعل لا يتناسب ولا يرتبط بفلسفة، ولا بد لتحقيق الديمقراطية فى الدول الفقيرة وغير المتعلمة ولحل المعضلة النظر إلى فلسفة الديمقراطية بشكل أعمق. 
إن النموذج الديمقراطى حتى فى تطبيقه الحالى فى الغرب هو محل مراجعة نتيجة ثورة المعلومات والاتصالات التى كسرت الحواجز بين المواطن وصانع القرار، وأتاحت فرصة للتواصل المباشر بينهما ربما دون حاجة لوسيط مثل الأحزاب، بل فقدت الأحزاب أهميتها كأداة للتنظيم وتعبئة الناخبين وجمع التبرعات بسبب إمكانية قيام المرشح بهذه الأمور بشكل مباشر عبرالإنترنت. 
ربما يكون الاهتمام الأكبر للمواطن الآن يتركز على فاعلية الحكم effectiveness أى قدر الإنجاز والاستجابة لمطالب المواطن بغض النظر عن الفكرة الأيديولوجية التى يتبناها النظام. 
ولكن من ناحية أخرى، فإن تحقيق أكبر فاعلية للحكم يرتبط بوصول الأكفأ لمقاعد الحكم من خلال نظام يتيح ذلك، ويرتبط أيضا بأهمية وجود نظام الرقابة والمساءلة على صانع القرار، وتحديد فترات للحكم لضمان التجديد فى الفكر وحيوية الأداء. باختصار نرى أن الجيل الجديد للديمقراطية يجب أن يركز على العناصر التالية:
- فاعلية الحكم
- كفاءة الحكام
- الرقابة والمساءلة المستقلة عن السلطة التنفيذية
- نظام عدالة مستقل وفعال (الثورة الحقيقية يجب أن تحدث فى هذاالمجال)
- نظام تعليم وثقافة يتيح للمواطنين فرصة اختيار الأفضل
إننا نبحث عن مبادرات جديدة للحكم، بالاتفاق بينما نحلم به من دولة مدنية حديثة وبين القوى الحقيقية على أرض الواقع، مبادرات لا تحرم البلاد من إمكاناتها الإنسانية ولا من مؤسساتها الفاعلة الوطنية، مبادرات تعطى للحرية مكانها واحترامها بضبط العدالة الناجزة التى لا تسمح للحرية بالتحول إلى فوضى، ولا بالتلاعب الانتقائى للقانون. مبادرات تسمح لعموم الشعب بالاختيار الحر، وحسن الاختيار لممثليه فى البرلمان.
الفلسفة وراءالفعل ومراجعة التطبيق ليتواءم مع فلسفة وجوده هو أمر فى غاية الأهمية.
لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي:

 

https://www.ledialogue.fr/