مظاهر الإيمان تم تسليمها إلى متعصبين متعطشين للدماء وأصحاب معتقدات أكثر ظلامية
العالم الغربى يستخدم العلمانية بدلًا من المسيحية لمعارضة الإسلام الراديكالى.. والطبيعى أن الإيمان ينتصر دائمًا فى هذا التكوين
سارع العديد من جنود بوش بعد سحق العراق ماديًا إلى العودة إلى ديارهم واعتناق الإسلام.. لقد وجدوا أنفسهم لأول مرة فى حياتهم على اتصال بشىء أبهرهم ولم يعرفوه من قبل: الإيمان
لقد كتبت هذا المقطع بشكل عفوى تمامًا، وحتى «على الفور»، بعد موجات الهجمات البربرية فى عام ٢٠١٥. بالفعل هذه الهجمات الجهادية التى كان يتم ارتكابها يوميًا، ولسنوات، فى جميع أنحاء العالم، بإسم الإسلام الراديكالى والجهادى والسلفى الإخوانى، لقد تحدونا بوحشيتهم وتواترهم؛ وتلوثت أرضنا الآن بالدماء. وهنا تساءلت عن الأسباب التى قد تدفع الشباب فى بلادنا، من خلفيات غير متوقعة فى كثير من الأحيان، فى مناخ يسوده السلام، إلى تبنى مثل هذه القضايا، إلى حد التجنيد فى كتائب الموت التى يتم ذكرها فى أماكن كثيرة ومتعددة. لقد تأملت أيضًا فى الردود التى قدمها مجتمعنا العلمى، أولًا وقبل كل شىء على تراخى وعناء الشباب، ولكن أيضًا على «انحرافاتهم» وعندما أعدت قراءته، وباعتبار أننى طبيب قد اتبع منهجًا طبيًا؛ أليس مجتمعنا مريضا؟.
طرح السؤال هو إجابة بالفعل فلقد قادنى هذا إلى استبدال عنوان «أنا أتهم» لإميل زولا، الذى تم اختياره فى البداية فى العنوان إلى «طبيب يتهم»، ولم يكن لدى أى مشكلة، لاحقًا، باستبدال عناوين الفقرة بالصيغ المستعارة من أسئلة الطب.
علم الأوبئة والجوانب السريرية
فى بداية الأمر، هناك ملاحظة: فى جميع الأوقات وفى جميع مناطق العالم، تبنت المجتمعات معتقدات بصورة متزايدة؛ ففى مجتمعاتنا، توفر الأصولية اليهودية والمسيحية إجابات للأسئلة الأساسية التى تدور فى أذهان الجميع. وفى مرحلة الطفولة، تشكل هذه الإجابات (صواب أو خطأ) نوع من الـ"يقين» يسمح لك ببناء الذات. وهذه الهياكل الموضوعة لا تمنع الأفراد من إعادة النظر فى هذه العقائد، أو حتى رفضها، دون أن تهز شخصية مبنية بالفعل على أسس مكتسبة فى السنوات الأولى من الحياة، والتى لا نتذكرها. ويمكننا أن نقارن ذلك ببناء منزل، يحافظ عليه أو محمى بفضل أساسه. ولكننا لا نرى هذا الأساس، مثلما لا يتذكر الفرد سنواته الأولى، مهما كانت حاسمة. ومثلما لا يفكر أى مهندس معمارى فى بناء منزل بدون أساسات؛ فمن السخف تمامًا حرمان أطفالنا من هذا الدعم! لكن هذا هو النهج الذى اتبعه حكامنا، والذى أصبح أكثر وضوحًا يومًا بعد يوم.
متلازمة الغرب
فى بداية الألفية الثالثة، بدا أن غربنا قد نجح، بعد قرون من الهيمنة الدينية والتعصب، فى تحرير نفسه من هذا الاستحواذ. ولقد أتاح فصل الدين عن السياسة للجميع، إمكانية الإيمان أو عدم الممارسة، أو ممارسة العقيدة أو عدم ممارستها، فى سياق الموضوعية وانتصار العلم. إن تقدمنا المادى والسيطرة العلمية السائدة، فى سياق الفكر الفردى الذى يغلب عليه الطابع «التروتسكي» بين من يسمون أنفسهم بالسياسيين الجمهوريين، وجميع وسائل الإعلام تقريبًا، تشجع شعوبنا على تبرئة أنفسها من هذه الأصولية اليهودية المسيحية (التى كانت رغم ذلك قد شكلتهم فى سن مبكرة): وهو ليس «موضوعيًا» بما يكفى فى أعينهم. وهذا يقود شبابنا، المحرومين، والذين يفتقرون بشدة إلى الترقى، إلى الانضمام إلى معتقدات أكثر ظلامية من تلك المعتقدات العقلانية والعلمية التى أراد آباؤهم الحفاظ عليها؛ فعندما لا تجد ملاذات فى المخدرات فأنت تفكر فى ملاذ أخر.
وبالفعل التشخيص الواضح والجذرى للمشكلة غائب والسبب نخبتنا الديكارتية، وبشكل عام، كل «فوضويتنا»، تظهر عمى ملحوظ فى محاولة الفهم الضيق لشبابنا.
لماذا ينخرطون فى «الجهاد» بمن فيهم (مسلمين أو غير مسلمين) خاصة أنه لم تكن لهم علاقة بالدين؟ لماذا انخرطوا فى الطوائف؟ لماذا يتعاطون المخدرات؟ جوابى واضح للغاية: لأنهم لم يكن لديهم أى شيء آخر، «لأنك أعطيتهم الفراغ وكنت تخشى أن تنقل إليهم التقاليد التى كونتك أنت ولأنك لم تفهم أن الشاب يحتاج اليقين والمبادئ لبناء نفسه. حتى أنك، مثلنا جميعًا، كنت تعتقد أنك أذكى من والديك». كل شيء خاطئ!
الأجوبة التى تعطيها لهذه الانحرافات الشبابية؟ لا توجد لأنه فى الحقيقة أنت تعتقد أنه من خلال مطاردة تجار المخدرات أو الطوائف أو تجنيد الوعاظ، أنك وجدت الحل. هذا جيد بالفعل، لكن هذه هى الطريقة التى تعالج بها التأثير وليس السبب. فى كل مرة، أشعر بالدهشة من أن نخبنا قادرة فقط على التفكير فى علاج الآثار دون حتى محاولة إلقاء نظرة على الأسباب. وهكذا، إذا واجه الطبيب نوبة التهاب الزائدة الدودية الحاد، كان راضيًا عن إعطاء المسكنات للألم، ومضادات الالتهاب للحمى، ومضادات القىء للقىء، وما إلى ذلك دون إزالة السبب. ومع ذلك، هذا ما يفعله قادتنا بانتظام!
ويعرف القائمون بالتجنيد جيدًا أن «عرضهم» يلبى حاجة لم تتمكن من أخذها فى الاعتبار لدى أطفالك. أنت تعالج الأعراض وليس المرض. التأثير وليس السبب. بالكاد أفضل من «كسر ميزان الحرارة"
العلاج الذى يطبق: «بجانب العلامة"!
إنك ترد على التعصب بالعلمانية: إن العلمانية التى، بسبب الاستجابات «الديمقراطية» التى يجب أن تقدمها لاستفزازات الإسلاميين الراديكاليين، تجد نفسها محاصرة إلى أقصى الحدود، بل وحتى تقترب من الأصولية. وهذا الأمر علمانى هذه المرة، والذى يكمل ازدراء أعزائنا الروحانيين الذين مع ذلك يتعطشون للتعالى والمثل الأعلى؛ ويثير المزيد من استفزازات هؤلاء المتطرفين الذين يضمرون المزيد من الازدراء للآخرين.
إذا حرمت أطفالك، بهدف الموضوعية أو الشفافية، من هذه الموروثات الروحية، فسوف يبحثون عنها فى مكان آخر، ولم يكن سوق الإيمان أكثر ازدهارًا منذ تخلينا عن هذه «المكانة»، التى تم تسليمها الآن للإعلانات التجارية، أو إلى المتعصبين المتعطشين للدماء مثلما هو اليوم، والتى تنخرط بهم فى معتقدات أكثر ظلامية من تلك التى أردنا الحفاظ عليها. وفى الحقيقة أنه منذ ظهور الإسلام الراديكالى، لم تعد فكرة الطوائف ناجحة.
الأصولية العلمانية رد فعل نقدمه للاستفزازات
هذه العلمانية النقية والقاسية التى تفرضها على نفسك من أجل «رد ديمقراطي» على المحرضين الذين يستخدمون كل الترسانة القانونية بشكل ساخر لإجبارك على القيام بذلك، يكون لها قيمة فقط إذا احترمها الجميع. إن الأمر مثل نزع السلاح. نعم بالتاكيد! من الواضح، على سبيل المثال، فى حالة نزع السلاح النووى، أنه إذا لم تمتثل دولة واحدة، فقد تهيمن على جميع البلدان الأخرى. بهذه الروح، من الضرورى أن ندرس الأمر، مع الأخذ فى الاعتبار أن العلمانية تسمح بحرية العبادة للجميع، فماذا يمكن أن يحدث إذا لم يلعب الجميع اللعبة، على المستوى الوطنى وعلى المستوى الدولى؟.
- على المستوى الوطني: فى بلد مثل فرنسا ذات ثقافة مسيحية تقليدية، استغرق الأمر قرونًا لتحقيق الفصل بين الكنيسة والدولة، دون أن يسلب روحها وتقاليدها. هذه التقاليد التى جعلت من فرنسا هى فرنسا، لها تاريخ ولغة وشعب. هؤلاء الناس، من أصول مختلفة اليوم، يعيشون فى بلد له تاريخ وتقاليد، ويشاركون قيمه باحترام سلمى. لكننا هنا نبدأ من الصفر لأن أوروبا رأت أنه من المناسب أن تقرر أن تدير ظهرها لتراثها اليهودى المسيحى.
- على الصعيد الدولي: دعونا نجازف باحتمالية، ليست بعيدة، بالنظر إلى السخرية التى أبدتها جميع الشخصيات العامة تجاه الشىء الدينى.
دعونا نتخيل أن فرنسا والعالم الغربى بأسره، من التقاليد المسيحية- مدفوعين برياح التقدم والحداثة - قرروا بأنهم ليسوا بحاجة إلى قيمهم التأسيسية، لاستئصال نهائى، «استئصال» كل ما يتعلق بالدين وتطبيق علمانية أصولية، أى معادية لأى مرجع دينى، للحفاظ على مقاربة موضوعية ومادية بحتة للعالم.
لا داعى للتخيل أن الدول الثيوقراطية، وخاصة الدول الإسلامية، ستستمر فى المرجعية الإلهية والتوحيد الذى لا يزال يحمل عقائد دينية ومبادئ أخلاقية. ماذا سيحدث بعد ذلك؟ إنه رهان آمن على أنهم سيشكلون قطبًا كبيرًا للجذب. سيكون لديهم «حصريًا» اللجوء للدين أمام شعب، مفطوم تمامًا وفى حالة من «العوز».. عندئذ سينهار تفوقنا المادى مثل بيت من ورق.
على عكس ما يمكنك قراءته هنا أو هناك، فإن ما نختبره ليس حرب أديان، كما يُعلن، إنه أكثر جدية! فى الواقع، للحديث عن حرب الأديان، يجب على دين ما أن يشن حربًا على دين آخر. ليست هذه هى القضية!. العالم الغربى لا يستخدم المسيحية لمعارضة الإسلام الراديكالى ولكن يستخدم العلمانية! إنه جهاد الإيمان المتعصب ضد الأفراد المحرومين منه، ونعلم أن الإيمان ينتصر دائمًا فى هذا التكوين.
تذكر، مع ذلك، أن فرسن جتريكس استسلم لقيصر فى أليسيا؛ لكن روما أصبحت كاثوليكية بعد ذبح المسيحيين فى حلبة مصارعة الثيران. وبالقرب منا كثيرًا، سارع العديد من جنود بوش، بعد سحق العراق ماديًا، إلى العودة إلى ديارهم، واعتناق الإسلام: لقد وجدوا أنفسهم لأول مرة فى حياتهم، على اتصال بشىء أبهرهم ولم يعرفوه من قبل: الإيمان.
العلاج: توقف عن جعل قيمنا قديمة الطراز، دون الخوف من إعادة تأكيد جذورنا ونقلها. يجب أن نكون قاسين تجاه أولئك الذين يسمحون لأنفسهم بالتزاحم معهم وخاصة «المتطرفين» الذين سيتم إقصاؤهم من ترابنا، أو أن يتم إبعادهم عن طريق الأذى. بالإضافة إلى الخطر الذى يمثلونه بأنفسهم.. دعونا لا ننسى أنهم يقتلون الناس كل يوم. بما فى ذلك عندنا ولا مكان للخير و«حقوق الإنسان» فى مثل هذا التكوين.. وإلا (القليل من السياسة على أى حال): يُطلق على الأشخاص الذين يرون بوضوح اسم «الشعبويين». على عكس النخب الديمقراطية، فإن المعاناة من العمى المستمر تتعثر فى المواقف الأيديولوجية التى تمنعها من تسمية الأشياء.
معلومات عن الكاتب
آلان بليش.. طبيب معروف فى الغرب بكتاباته التحليلية ذات النظرة الفلسفية العميقة للأشياء.. يحلل ظاهرة العلمانية التى يؤمن بها فى مواجهة التيارات الدينية المتعصبة ويرى أن التشدد فى العلمانية ليس فى صالح المجتمع وفق تحليله المتكامل.
لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي: