قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبومازن" - في كلمته بمؤتمر القدس "صمود وتنمية" بالجامعة العربية ليوم الأحد - "سنتوجه إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار يحمي حل الدولتين من خلال منح فلسطين العضوية الكاملة.. ونحتفظ بحقنا في الذهاب إلى المحاكم والمنظمات الدولية حماية لحقوق شعبنا.. كما ننتظر من المؤسسات والصناديق العربية أن تؤدي واجب الدفاع عن القدس وحماية هويتها".
وأضاف أن المعركة المحتدمة في القدس وعليها، لم تبدأ فقط يوم احتلالها عام 1967، بل قبل ذلك بعقود عدة، وحتى قبل وعد بلفور الذي تآمرت على إصداره الدول الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا وأمريكا، بهدف التخلص من اليهود في أوروبا من جهة، وإقامة ما سمى بالوطن القومي لهم في فلسطين من جهة أخرى، ليكون مخفرا لتأمين مصالح هذه الدول الاستعمارية".
وتابع "أود في بداية حديثي إليكم، أن أعبر باسم دولة فلسطين وعاصمتها المقدسة وشعبها المرابط، عن بالغ التقدير للرئيس عبد الفتاح السيسي، لمشاركته الهامة في هذا المؤتمر، وهي فرصة لتقديم الشكر للرئيس السيسي وحكومته والشعب المصري الشقيق على دعم مصر المتواصل للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في جميع مراحل نضاله، ورعايتها للمصالحة الوطنية، ودعمها لإعادة إعمار قطاع غزة، كما أعبر عن الشكر للملك عبد الله الثاني، ملك المملكة الأردنية الهاشمية على مواقفه ودعمه وحكومته والشعب الأردني الشقيق للشعب الفلسطيني دفاعا ونصرة لقضيته العادلة ودولته المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية، والشكر موصول على الجهود المبذولة في إطار الوصاية الهاشمية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس".
وأردف الرئيس الفلسطيني "نتوجه لرؤساء الوفود ولجميع المشاركين ممثلي المنظمات والمؤسسات والصناديق والشخصيات لحضراتكم جميعا، على استجابتكم وحضوركم معنا اليوم في هذا المؤتمر الهام الذي ينعقد تحت سقف جامعتنا العربية، تنفيذا لقرار القمة العربية الـ (31) في الجزائر مطلع شهر نوفمبر الماضي، واستجابة لنداء القدس والمسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، ومولد ورفعة المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، في هذا الوقت الذي نواجه فيه أبشع أشكال الاضطهاد والعدوان، وبالذات في مدينة القدس المحتلة، عاصمة فلسطين الأبدية".
وأوضح قائلا "كلنا ثقة أيها الإخوة والأخوات، أن مؤتمرا يخصص قضية القدس، سوف يكون بمستوى هذه القضية الكبيرة التي يتناولها، وعلى قدر التحديات الجسام التي تواجهها عاصمتنا الفلسطينية المقدسة، بفعل الاحتلال الإسرائيلي المتواصل لها ولأرض دولة فلسطين منذ 55 سنة، وبفعل المخططات والإجراءات التي ينفذها هذا الاحتلال، والتي تستهدف تاريخ المدينة ومقدساتها وأهلها وهويتها الحضارية الفلسطينية العربية والإسلامية المسيحية".
وأضاف "أن المعركة المحتدمة في القدس وعليها، وفي كل أرض فلسطين وعليها، لم تبدأ فقط يوم احتلال مدينتنا المقدسة عام 1967، ولكنها بدأت قبل ذلك بعقود عدة، وحتى قبل وعد بلفور الذي تآمرت على إصداره الدول الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا وأمريكا، بهدف التخلص من اليهود في أوروبا من جهة، وإقامة ما سمى بالوطن القومي لهم في فلسطين من جهة أخرى، ليكون مخفرا أماميا لتأمين مصالح هذه الدول الاستعمارية".
وذكر "رفض شعبنا المرابط في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وعد بلفور الاستعماري العدواني الظالم، وقاوم بكل الوسائل الاعتداءات على أرضنا ومقدساتنا، كما تصدى لموجات الهجرة اليهودية التي راحت دول الغرب تدفعها نحو فلسطين، حيث بدأت الثورات والمقاومة الفلسطينية منذ الأيام الأولى ضد تنفيذ الوعد المشؤوم، فكانت انتفاضة إبريل 1920 وثورة البراق في أغسطس 1929 وثورة عام 1936 والإضراب الكبير الذي استمر ستة أشهر وكلها كانت ضد الاستعمار البريطاني والهجرة اليهودية، وضد الاعتداءات الصهيونية على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس، وبالذات حائط البراق.
ونوه الرئيس الفلسطيني إلى أنه: "نغتنم فرصة انعقاد مؤتمر القدس اليوم، لتقدم رواية حقيقية موثقة حول المسجد الأقصى المبارك، بما فيه حائط البراق، وهي رواية تدحض الرواية المزورة التي يستند إليها الاحتلال، فنحن أصحاب الحق في فلسطين وفي القدس وفي المسجد الأقصى المبارك، ونحن أيضا أصحاب الحق الديني والتاريخي والقانوني الحصري في حائط البراق، الذي هو كما أسلفنا جزء من المسجد الأقصى، ووقف إسلامي صحيح، وحقنا هذا قد قرره القرآن العظيم الذي أعطى المكان اسمه وهويته، "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله"، وهو حق أقرته لنا أيضا الشرعية الدولية ممثلة بعصبة الأمم عام 1930، في أعقاب ثورة البراق التي تحدثنا عنها آنفا، بل واعترف به حتى كبار رجال الدين اليهود آنذاك، الذين شهدوا بملكية المسلمين الحصرية للحرم القدسي الشريف، بما في ذلك حائط البراق".
وتابع "ذلك أنه بسبب تلك الثورة؛ ثورة البراق، أرسل مجلس عصبة الأمم، لجنة خاصة مكونة من ثلاث دول أوروبية غربية هي السويد وسويسرا وهولندا، للبحث في خلفيات وأسباب اندلاع الثورة، ولتحديد الحقوق في حائط البراق. فعقدت هذه اللجنة 23 اجتماعا استمعت خلالها إلى شهادات العشرات من المسلمين واليهود والشخصيات الدولية؛ 52 شاهدا أدلوا بشهاداتهم أمام اللجنة؛ 21 من اليهود، وثلاثون من المسلمين، وشاهد واحد من سلطة الانتداب البريطاني، كما اطلعت على عشرات الوثائق المقدمة من الطرفين، قبل أن تصدر تقريرها في شهر ديسمبر 1930".
وأشار إلى أن اللجنة خلصت في تقريرها إلى أن السبب المباشر في اندلاع ثورة البراق كان الاستفزازات اليهودية عند حائط البراق وادعاء ملكيته، وإلى أن الحائط الغربي كله، الذي يمثل حائط البراق جزءا منه تعود ملكيته للمسلمين وحدهم، وأن للمسلمين وحدهم أيضا الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءا لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف الإسلامي؛ وهذا ما ورد نصا في تقرير اللجنة.
كما أوضح “أبو مازن” أن اللجنة قررت كذلك أنه للمسلمين أيضا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط، لكونه موقوفا حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير.
وذكرت اللجنة في تقريرها أن الجانب اليهودي لم يدع في أي مرحلة من مراحل التحقيق الذي قامت به، أن له أي حق ملكية، لا في حائط البراق، ولا في حي المغاربة المجاور له، ولا يطالب بأي حق ملكية كهذا.. ونظرا للأهمية الفائقة لقرار عصبة الأمم هذا، فإننا نضعه أمامكم كوثيقة تاريخية وقانونية.
وتابع الرئيس الفلسطيني: "وكما رفض شعبنا وعد بلفور ونتائجه، فقد رفضنا أيضا كل محاولات تصفية قضيتنا أو اختزالها أو تزييف وطمس حقائقها؛ رفضنا صفقة القرن، ورفضنا - ولا نزال نرفض - نقل السفارة الأمريكية أو أي سفارة أخرى إلى القدس، كما رفضنا في شهر يوليو 2017 محاولات إسرائيل لوضع بوابات إلكترونية تتحكم في الدخول والخروج إلى المسجد الأقصى، وضرب أهلنا في القدس أروع أمثلة البطولة والوحدة، بمسلميهم ومسيحييهم، في التصدي لهذه المؤامرة وإفشالها، وما زلنا وسنظل متمسكين بثوابتنا الوطنية، مدافعين عن حقوقنا، مهما كانت الظروف، وسوف نتصدى اليوم، وكل يوم، وبكل ما نملك من إرادة وقوة لمخططات الحكومة الإسرائيلية الأكثر عنصرية وتطرفا، التي تستهدف المسجد الأقصى ومقدساتنا كافة؛ ولا يمكن أن ننسى، جريمة إحراق المسجد الأقصى عام 1969، ولا مذبحة المسجد الإبراهيمي بالخليل عام 1994، فضلا عن الاعتداء على المساجد والكنائس والمقابر الإسلامية والمسيحية، ما يفرض علينا جميعا واجبات دينية وسياسية وإنسانية لحمايتها وصون هويتها ووجودها".
وأوضح: " لقد تعرضنا في الماضي، وما زلنا نتعرض لأكبر عملية تزوير لتاريخنا. لقد قالوا حين بدأت مؤامراتهم لاحتلال فلسطين، إنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، فهل كانت فلسطين عبر التاريخ أرضا بلا شعب كما يزعمون حتى يأتي هؤلاء لكي يحتلوها؟؟.. وحقيقة الأمر هي أنهم أرادوها أن تصبح أرضا بلا شعب عبر تهجير شعبها من خلال الجرائم والمذابح التي ارتكبوها بحق هذا الشعب، بعد أن كانت المدن الفلسطينية زاخرة بالحياة مزدهرة بشعبها الذي عمرها وعاش فيها آلاف السنين".
كما أشار الرئيس الفلسطيني "ولأن الحقيقة لا بد أن تظهر مهما طال ليل الكذب والتزوير، فقد قام مخرج إسرائيلي اعتمادا على مؤرخ إسرائيلي أيضا، بإنتاج فيلم وثائقي يسجل شهادات حية عن واحدة من هذه المذابح التي ارتكبتها إسرائيل عام 1948، وهي مذبحة قرية الطنطورة الفلسطينية جنوب مدينة حيفا، التي أعدمت فيها قوات الاحتلال ما يقارب مائتي إنسان فلسطيني من الرجال والنساء والأطفال، وقامت بتهجير باقي مواطني القرية قبل تدميرها. وهذا الفيلم أمامكم أيضا".
وذكر أن اللافت أن هذا الفيلم يوثق أيضا شهادات عدد من الجنود الإسرائيليين الذي شاركوا في ارتكاب هذه المذبحة، التي هي مثال على 51 مذبحة أخرى ارتكبتها إسرائيل، إلى جانب هدم وتدمير أكثر من 500 قرية فلسطينية عن بكرة أبيها.
وأضاف: "كما قلت لكم في بداية الحديث عن القدس، كلي ثقة وأمل بأن نكون في أعمالنا أيضا بمستوى هذه القضية الكبيرة، وأن نبذل كل جهودنا من أجل حمايتها بكل الأدوات السياسية والاقتصادية والقانونية.. نعم، القدس بحاجة اليوم إلى أمتيها العربية والإسلامية، بحاجة إلى من يشد إليها الرحال لكي يشارك أهلها رباطهم المقدس، ولو أياما أو حتى ساعات، كما أنها بحاجة إلى من يرسل إليها زيتا يسرج في قناديلها، ويعزز صمود المرابطين فيها وفي أكنافها المباركة، هذا ما أوصى به نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو واجب ديني وضرورة إنسانية ووطنية لا بد من أدائها".
ونوه أنه أمام التعنت الإسرائيلي، وممارساته التي تخطت كل الخطوط الحمراء، سوف نتوجه في الأيام القليلة القادمة إلى الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي لنطالب باستصدار قرار يؤكد على حماية حل الدولتين من خلال منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ووقف الأعمال الأحادية، وعلى رأسها الاستيطان الذي يعتبر كله باطلا وغير قانوني، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية، والدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام.
في هذا السياق، فإن دولة فلسطين تحتفظ بحقها، بل ستواصل الذهاب إلى المحاكم والمنظمات الدولية حماية لحقوق شعبنا المشروعة.
واستطرد بقوله: "لقد أقرت القمة العربية الأخيرة في الجزائر دعوة الدول الأعضاء لفرض ضريبة القدس بقيمة أصغر وحدة نقدية فيها، على فواتير الاتصالات التي يستخدمها المواطنون، ولقد بدأنا نحن في دولة فلسطين بأنفسنا في ذلك، وننتظر من أشقائنا، عربا ومسلمين، أن ينفذوا هذه الدعوة، كما ننتظر من المؤسسات والصناديق العربية أن تؤدي واجب الدفاع عن القدس وحماية هويتها التاريخية والدينية، من خلال دعم المشاريع التنموية في فلسطين، وفي مدينة القدس بخاصة؛ هذه المشاريع التي تضمنتها القرارات الصادرة عن الجهات المختصة في الجامعة العربية، في القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة والإسكان والسياحة والثقافة والشباب والمرأة".
وأشاد في هذا السياق، بالمبادرة التي أطلقتها مؤسسة قدسنا برعاية الشيخ الدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن آل ثاني، وصندوق وقفية القدس وصندوق تمكين القدس، التي حشدت تمويلا بقيمة 70 مليون دولار أمريكي، وتنوي رفعها إلى 200 مليون دولار خلال السنوات الخمس القادمة، لتمويل مشروعات وقفية في القدس وفلسطين.
ودعا الجميع للمساهمة في تعزيز هذه المبادرة الهامة وأمثالها، دعما لصمود أهلنا في القدس وفلسطين.
واختتم كلمته بقوله: "أقول لكم القدس في العيون وسوف تبقى في العيون.. وهي درة التاج وزهرة المدائن.. والعمل من أجلها والدفاع عن مقدساتها شرف ورفعة، فتحية لأهلها المرابطين فيها، المدافعين عن هويتها في وجه عدوان المحتلين الغاصبين".