أثار ثقب بالون التجسس العملاق الذى طار من الصين إلى الولايات المتحدة، وأسقطته طائرة من طراز F٢٢، موجة توتر جديدة، حيث ترك هذا الحادث الدبلوماسيين الصينيين فى مواجهة حمراء وغاضبة من السياسيين الأمريكيين، وأدى إلى حرب كلامية عبر المحيط الهادئ، وتقارير عن مشاهد سابقة للبالونات الصينية فوق الأراضى الأمريكية، وتأجيل زيارة مرتقبة للغاية إلى الصين من قبل وزير الخارجية الأمريكية أنتونى بلينكين.
وقال المحلل الصينى الدكتور يو جى فى مقال له بصحيفة "الجاريان" البريطانية، إن الاستجابة الملتهبة من كلا الجانبين توضح مدى سوء العلاقات بين البلدين. بعد كل شيء، كما اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية، ظهرت مثل هذه البالونات المرسلة من الصين عدة مرات فوق الولايات المتحدة فى الماضي، دون انهيار العلاقات الذى نراه الآن. وبعد خمسة عقود من التقارب بين أكبر اقتصادين فى العالم، نما نفوذ الصين العالمى الآن إلى حد تشعر واشنطن بشكل متزايد بعدم القدرة على تحمله.
وكانت بكين فى الواقع، تأمل الى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة - بعد الخروج الفوضوى من إغلاق كوفيد والعلاقة المتوترة مع الغرب فى عام ٢٠٢٢ -، يبدو أن إعادة ضبط العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى ضرورية إذا أرادت الصين معالجة مشكلتها.
واعتمدت الصين تقليديًا على علاقاتها مع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة لدعم الابتكار والنمو - لذا فإن العزلة المتصورة عن الغرب ليست خيارًا جذابًا بالنظر إلى آمال الرئيس شى فى التعافى الاقتصادى بعد أن تخلت الصين عن سياستها المنتقدة بشدة ضد فيروس كورونا.
وكان هناك القليل من الثقة والدفء بين الولايات المتحدة والصين قبل ظهور البالون، وكان الاجتماع وجهاً لوجه فى نوفمبر ٢٠٢٢ بين جو بايدن وشى جين بينغ محاولة لمنع العلاقات الثنائية من السقوط الحر، لكن حادث البالون أشعلت التوترات فى كلا البلدين.
ففى بكين، أعلن العديد من قادة الرأى الصقور على وسائل التواصل الاجتماعى الصينية أن الولايات المتحدة فى حالة تدهور دائم، وأن واشنطن ستفعل كل ما فى وسعها لاحتواء صعود الصين- وبالتالى يجب على الصين أن تغتنم الفرصة للرد بقبضة من حديد.
وعبر المحيط الهادئ، كان الجمهوريون منشغلين فى إنشاء لجنة جديدة تركز على المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، ويعتزم رئيس الكونجرس الجديد كيفن مكارثى أن يسير على خطى سلفه فى زيارة تايوان.
ومن المؤكد أن مثل هذه الخطوة ستثير الرأى فى بكين. لا تستطيع إدارة بايدن أن تبدو ضعيفة تجاه الصين فى أعين الجمهوريين، ولا يمكنها، فى هذا الجو السياسى السام، السماح للقوات الأجنبية بدخول أجوائها - وهو انتهاك واضح لمجالها الجوى وربما للقانون الدولى - للذهاب دون منازع، كما قال بايدن المنصوص عليها فى خطابه عن حالة الاتحاد.
وتضاءلت بسرعة فوائد العديد من العناصر الأساسية للعلاقة بين الولايات المتحدة والصين، مثل التجارة والاستثمار، نتيجة زيادة القدرة التنافسية التجارية للشركات الصينية والإعانات السخية من بكين، ومن الناحية العسكرية والتكنولوجية، أصبح البلدان شديد التنافسية، بدلاً من الحاجة إلى العمل معًا.
وشنت إدارتان أمريكيتان متتاليتان حربًا تكنولوجية ضد بكين، اعتقادًا منها أن الولايات المتحدة يجب أن تحتكر التكنولوجيا فى الصين على الرغم من اختلاف ثقافتها ونظامها السياسى اختلافًا كبيرًا، ويقع الابتكار والبراعة التكنولوجية فى صميم فترة ولاية شى الثالثة- وهى رؤية تفترض أن العلاقات الثنائية غير المستقرة مع الولايات المتحدة موجودة لتبقى.
ويهدف الابتكار المحلى المتسارع إلى إعادة تشكيل الإنتاج الصناعى وسلاسل التوريد فى الصين، والتى لا تزال حتى الآن معرضة لمخاطر من الموردين فى الخارج وعرضة لتحول الاتجاهات الجيوسياسية.
علاقة تتسم بالتقلب والمنافسة
لقد تحولت العلاقة بين الدول من التعاون والاستقرار النسبى فى أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين إلى علاقة تتسم بالتقلب والمنافسة. إلى أن واجه شى التحدى الاقتصادى الذى تواجهه الصين فى مرحلة ما بعد الوباء، لم يكن البلدان بحاجة إلى بعضهما البعض كما كان الحال فى السابق.
وفى هذه الأثناء، تصاعدت المظالم الأخرى- من الخلافات حول حقيقة أحداث معينة، إلى إلقاء اللوم على الأخطاء المتصورة، مثل أصل فيروس كوفيد، ومن المحتمل أن تكون القيود المفروضة على السفر بسبب فيروس كورونا، والحرب الروسية على أوكرانيا، وعدم وجود اجتماعات متكررة وجهاً لوجه بين الزعيمين، قد أدت إلى تفاقم الأمور.
ورأى المحلل يو جى أنه سيكون من السذاجة الافتراض أنه حتى قبل ملحمة البالون، كان بإمكان بكين وواشنطن تخفيف حدة التوترات ببساطة عن طريق لقاء وجهاً لوجه أو زيارة قصيرة من قبل بلينكن.
ومع ذلك، فإن رغبة شى فى خلق بيئة خارجية مستقرة للسماح بالتنمية الاقتصادية المحلية لا تزال توفر فرصة للمصالحة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولا يزال العديد من المستفيدين الحاليين من العلاقات الثنائية الأكثر هدوءًا، بما فى ذلك مجموعات الأعمال الأمريكية الرئيسية، حريصين على رؤية العلاقات تأخذ منعطفًا إيجابيًا. وقد يكون لدى بايدن مساحة سياسية قليلة للسماح بالدبلوماسية تحت ضغط من الكونغرس ذى الأغلبية الجمهورية، وقد ينتهى الأمر بتصعيد الأمر أكثر.
وتعد ملحمة البالون بمثابة تذكير حاد بأنه بدون اتصال فعال، يمكن أن يتصاعد الشك والتوتر بسرعة، وقد يكون من المبتذل الدعوة إلى دبلوماسية هادئة ومهارة بين فريقى بايدن وشي، لكن بالنظر إلى المخاطر الكبيرة، لا ينبغى أن تصبح بكين ولا واشنطن ضحية بالون ينجرف.