ساعدني الحظ بحكم عملي كصحفي أن أزور سوريا مرتين قبل "ربيعها" كما زرت تركيا بعد نجاحنا في إزاحة الإخوان، الآن يصبح من العبث أن أكتب عن مشاعري حول العاصمتين دمشق واسطنبول، الزلزال الذي ضرب الدولتين يجعلنا نرفع الأقلام ونجفف الصحف.
الحدث الذي نتابعه منذ أيام حدث جلل بإمتياز ومن عاش زلزال 1992 بمصر يعرف معنى خروج الرعب من باطن الأرض، عشنا ضربة الزلزال الرئيسية في صدمة وبعدها عشنا مايسمى الهزات الارتدادية ويكفي أن نتذكر أن ليال طوال خاصمنا فيها النوم وكم انتفضنا مذهولين إذا اهتز فرع شجرة بفعل الريح.
لذلك يعتصر الوجع قلوبنا مع بشر ردمهم التراب في سوريا وتركيا، بشر عاديون تماما مثلنا يجتهدون لرعاية أبنائهم ويتابعون شاشات التليفزيون ويبتسمون لفيلم كوميدى، بشر لا يعرفون خبث المؤامرات السياسية لهم أحلام قد انهارت ولهم ابتسامات للغد ضائعة.
في سوريا وتركيا مصيبة واحدة ونظامان سياسيان والضحايا من الجانبين أصحاب هم واحد وحلم واحد بالحق في الحياة.
و لأن الدموع وحدها لا تكفي فقد تابعنا خبر الإتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم الثلاثاء الماضي مع الرئيس السوري بشار الأسد لنعرف بأن الأزمة الكبرى من الممكن لها أن تكون مفتاحا لحل أزمات صغيرة مضت.
وهنا يتبلور معنى جديد لمصطلح "مسافة السكة" خمس طائرات شحن مصرية تنطلق للغوث، قوافل طبية جادة تتحرك، معدات الدفاع المدني للإنقاذ صارت على الأرض هناك، كل ما اتخذته مصر من إجراءات ليس تفضلا أو منة ولكنه الواجب، ذلك الواجب الذي لم ولن تتأخر ابدا عنه، دور مصر أن تتقاسم الوجع وتساند الضعف وتنتصر للإنسان.
ولعلنا لاحظنا ايضا مكالمة تمت مع التركي أردوغان الذي ناصبنا العداء لسنوات ولكن مصر الحضارة تعرف الفارق جيدا بين الأنظمة السياسية التي هي بحكم طبيعة الأمور متغيرة وبين الشعوب التي هي مالكة الحاضر والمستقبل في كل البلاد.
وحسب رصد زميلنا الكاتب الصحفي محمد طعيمه لعدة فضائيات خليجية فقد أكد أن مساعدات من سبع دول عربية وصلت مطار دمشق وجاهزة للتوزيع فور قبول "سارقو الثورة المؤودة" دخولها المناطق التي يسيطرون عليها.
وهنا نتوقف قليلا لنتأمل عن علاقة من يسمون أنفسهم بالمعارضة السورية بأدنى الحقوق الإنسانية، زلزال مدمر وصرخة كبرى من الطبيعة لم تهز جفنا لمجموعة المجرمين الذين اطلوا علينا في غفلة من الزمن.
وبينما تتوالى الأخبار عن نجاح البعثة المصرية في الوصول إلى مناطق المعارضة المدعومة من تركيا إلا أن الملاحظة الذكية التي يرصدها طعيمة هي أن بعثتنا المصرية وصلت إلى هناك من بوابة دمشق ولا قبلة لنا غيرها كعاصمة موحدة للسوريين.
وهنا وعلى الطاير فقط نسأل عن تحرك إخواننا السوريين المقيمين معنا بمصر، ربما لعدم متابعة مني ولكن لم أسمع عن مبادرة إغاثية قدموها لأنفسهم في بلادهم، أقول لم أسمع ربما فعلوها ولكنني أريد معرفة ملامح تلك المبادرة، أتذكر في سنوات عجاف في حرب الإستنزاف كنا صغارا مهجرين من الإسماعيلية وفي الدلتا تركنا أبي الذى غزا الشيب شعره وقفل عائدا تحت القصف للمدينة كواحد من الحرس الشعبي.
أتذكر هذا وانا أرى إخواننا السوريين بالقاهرة وهم من الموسرين ماليا مازالوا على أعمدة الشاورما في كل عواصم محافظات مصر، بينما الألم ينطق من تحت الأنقاض في معظم المناطق السورية، الأعداد النهائية للضحايا لم يتم حصرها بعد وهي مرعبة على كل حال وقد تفوق أعداد ضحايا الحرب.
لذلك يصير فرضا تضافر الجهود وتنسيقها.. لعلنا نمسح دمعة مخلوطة بالتراب.