«ظلال» قطب تثير أزمة داخل الإخوان..واتهامات لـ«مدير مكتب القرضاوى» بتحريفها
أبى سيد قطب أن يترك عام 2022 دون أن يدخل فى معركة جديدة حول فكره وتراثه، وها هو سيد مدينة معالم الألم وحطام الأمل فى تاريخ الحركات الإسلامية يطل بطبعة جديدة تظهر فى السوق التركية لكتاب «فى ظلال القرآن».
أذكر أننى اشتريت نسخة «دار الشروق» المصرية التى طبعت «الظلال» بـ60 جنيهًا بالتقسيط من أحد الإخوان عام 1986، ثم ترك لى آخر 3 أشهر هدية على أن أركز فى قراءة سورتى التوبة والأنفال، وأظنها الطبعة الثانية عشرة أو الثالثة عشرة.
النسخة الجديدة قدم لها الشيخ عصام تليمة وهو مدير مكتب الشيخ يوسف القرضاوى سابقا، وأحد قيادات الإخوان حاليا، لكن تليمة الآن على المحك عند الإخوان، لأنه قدم الطبعة الأولى للظلال بأفكارها وتصوراتها القديمة؛ عن دار «جسور» عام 2022 مقتصرًا على نصّ الطبعة الأولى حتى عام 1964 التى لا تحتوى على تلك الإضافات التى عبّر فيها سيّد قطب عن رؤيته التى استقرّ عليها ونافح من أجل إيصالها للناس حتى الرمق الأخير.
الطبعة الأولى التى أحدثت جدلا كبيرا ليست المنقحة والمكتوبة بالمنهج الحركى فى القرآن الكريم، قبل أن ينقحها قطب فى حديقة مستشفى سجن ليمان طرة، العنبر الأول للدور الأرضى بعد محاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر فى الفترة من 54- 64.
هذا المنهج الذى صكه قطب فى «الظلال» و«المعالم» و«هذا الدين» و«المستقبل لهذا الدين» وأكمله السورى القطبى منير محمد الغضبان فى «المنهج الحركى فى السيرة النبوية»، وكان القيادى والمنظر الإخوانى السورى سعيد حوى ينوى تكملته فى «الأساس فى الحديث الشريف»، لكنه كتب فى أخريات حياته كتاب «هذه تجربتى وهذه شهادتى» كمراجعات فكرية لتاريخه ليصك المخرج من جماعة الإخوان المسلمين، كما دشن «المدخل لجماعة الإخوان» فى أخريات حياته.
خلاف الإخوان
لم يناقش الشيخ عصام تليمة أفكار قطب التى تجاوزها الزمن وتحتاج إلى معالم فى طريق التجديد والمراجعة والتقييم وكشف زيف البطولات الوهمية التى صنعت من أجلها، ولكن – كما يبدو - فعصام تليمة ورفاقه محسوب أكثر على جبهة إبراهيم منير «لندن» يريدون ظلالًا بغير المنهج الحركى، الإضافات التفسيرية التى التى تدفع الجماعة والتنظيم نحو العنف، ظلال بدون معالم السخط المعاصرة التى أرساها سيد وخطها لنفسه فى مدينته الخاصة.
تخشى الطبعة الجديدة طبعة جسور أواخر عام 2022 أن تقترب من بيت الحاكمية، ومعالم العزلة الشعورية، الاستضعاف، الجاهلية المعاصرة، تكفير من لا يكفر الكافر، وانتحار العصبة المؤمنة من أجل عقيدتها وأفكارها قصة أصحاب الأخدود.
ففى الفصل الأخير من كتاب المعالم «هذا هو الطريق» جعل قطب الجواب النهائى للعصبة المؤمنة أمام أعدائها هو «الموت» بل «الانتحار» وأن تكون الإجابة النهائية عن المعالم هو أن تنتهى كما انتهى أصحاب الأخدود.
لقد وضع الشيخ عصام تليمة رأسه على مقصلة المحكمة العسكرية للإخوان على يد محمود حسين وهمام على يوسف مسئول المكتب الإدارى فى تركيا ومقصلة يحيى موسى وعلاء السماحى قيادات العمل النوعى، أو جبهة محمد كمال، فلا يخفى على أحد الآن الصراع بين جبهتى محمود حسين وجبهة إبراهيم منير بعد رحيله للاستحواذ على الجماعة والتنظيم السرى.
الظلال التى أرادتها الجماعة
كنت عندما تسأل أيًا من الإخوان عن الشيخ عصام تليمة فتكون الإجابة فورا «خَيْرُنَا وابنُ خَيْرِنَا، وأَفْضَلُنَا وابنُ أفْضَلِنَا؛ ضحى وهاجر فى سبيل الله ولا يخاف فى الله لومة لائم، ماتت ابنته فى الغربة وصبر واحتسب ولا نقول فيه إلا ما يرضى الرب».
وفجأة وبعد صدور الطبعة الجديدة بمقدمة الرجل أصبح «شَرُّنَا وابنُ شَرِّنَا، وتَنَقَّصُوهُ وخرجوا من جحورهم لينالوا من خيرهم وابن خيرهم تقربا إلى سيد قطب فى معالمه التائهة».
حملة كبيرة على الطبعة والناشر
حملة كبيرة على الطبعة والناشر والاتجاه؟!، وأخيرا المقدمة وصاحبها عصام تليمة ووصفت الحملة دور النشر بدور «النشل» واعتبرت أنه مخطط من مجموعة إبراهيم منير لتفريغ الجماعة من آليات الصراع التى سنها وابتكرها «قطب» فى الظلال، وليوكل مهمة وضع آليات التيار الجديد «العميل» عصام تليمة.
أيضا يأتى من وراء الستار الدكتور حلمى الجزار مسئول المكتب السياسى السابق الذى يدير مشهد جبهة منير ومجموعة الشباب بداخلها، وخاصة أنه فى آخر لقاء جمع بينهم فى منزل الدكتور يوسف القرضاوى أسرّ الرجل له ببعض الكلمات «ابدأ وتوكل على الله».
كما وصفت مجموعة حسين وشركائه، تلك الطبعة بأنها طبعة مسروقة ومحرفة ومغصوبة ومختلسة وأفتوا بحرمة شرائها واقتنائها، ووصفوا النسخة بـ«الظلال المزيف» وشنت حملة على السوشيال على تليمة ومن وراءه.
أعلم أن قطب لم يمت على حبل المشنقة، وهو القائل: إن كلماتنا ستظل عرائس من الشمع، حتى إذا متنا فى سبيلها دبت فيها الروح، فخرج من بعده قوم ورثوا أفكاره يقولون: متى تَشرب كَلماتى من دِمائى!»، فقد تنبأ الرجل بهذه المعركة وأعد لها عدتها الفكرية الحركية بشكل جديد بطريقة ماكرة.
ابتدع «هيغل» مفهوم دهاء ومكر التاريخ خلال القرن الثامن عشر، ويُقصدُ بدهاء ومكر التاريخ، أنّ للتاريخ مُستويين اثنين: الأوّل ظاهري، والمستوى الثانى هو باطنى وخفى، مكر التاريخ هى مقولة هيغيليّة خالصة، هذه المقولة تنطبق على سيد قطب وكتابيه «المعالم» و«الظلال»؛ فقد سعى قطب لأن يتحكم فى التاريخ الباطن بكلماته بدهاء ومكر لتشكل عوالم خاصة لمريديها فيما بعد .
مدارس السخط ومدينة المعالم
فى تصورى تحول قطب إلى الكتابة الإسلامية بعد المرحلة النقدية التى واكب فيها محمد حسين هيكل والعقاد وطه حسين فى نتاجهم الفكرى، وقد كان يجيد فن المعارك الفكرية، وفن إدارتها، وهنا يكمن دهاء قطب فى أفكاره التى دبجها طوال حياته وقصة تحولاته الفكرية.
هو لم يخرج كثيرا عن منهجه الذى سطره فى مقالة مهمة لم يلتفت لها كثيرون، وهى مقالة نشرت فى مجلة الرسالة بعنوان «مدارس للسخط» عام 1946م فى عدد 691، لم يلتفت لها أحد سوى الرئيس جمال عبدالناصر لأنه كان يحب سيد قطب فى بدايته، وتأثر كثيرا بهذه المقالة حتى أيقظه من غفوته صديقاه جمال وصلاح سالم، وقالا له: «من يسخط على المجتمع يسخط بسهولة على السلطة».
مدارس السخط المعاصرة
ووردت القصة فى مضابط مجلس قيادة الثورة، ففى «ظلال قطب» وفى جميع الطبعات هناك مدارس السخط المعاصرة، السخط الحركى المعاصر، ومن هنا تأتى أهمية مراجعة أفكار الرجل، وتفنيد ما يصلح منها وما لا يصلح فى فقه الواقع المعاصر.
تجدد المعارك حول «مدارس السخط» ومدينة المعالم المعاصر لسيد قطب النائية البعيدة عن حاضر المسلمين ومستقبلها يدل على أن أفكار قطب لم تنته ولن تنتهى؛ لهذا كله أقول إن فعل تليمة قد يعبر عن مرحلة جديدة يريدها بعض الإخوان بلا شك، لكنه وقف عند سيد قطب أيضًا ولم يتجاوزه قط، لم يجتهد بما يكفى فى مراجعة أفكار المعالم والفكرة الأساسية عند قطب والقطبيين والتى دفع ثمنها الإخوان أنفسهم فى سجن الواحات وحكها القيادى القطبى مصطفى محمد كامل مؤسس جماعة «الصادعون بالحق» فى مذكراته «قصتى مع سيد قطب» واسألوا الشيخ حسن الشافعى عن مراجعات «لجنة الهدف والوسيلة» فى أواخر الستينيات والتى تأمر على إخراجها الإخوان أنفسهم حتى يومنا ولم يذكرها بالتفصيل فى مذكراته «حياتى فى حكاياتى».
تجربة قطب الفكرية
قطب أراد الجدل والمعركة منذ بداية مسلكه وحتى نهاية حياته، فحتى محاضر التحقيق الأخيرة تحولت إلى جدل؛ فعمد إلى كتابة عنوان مثير لمعركة سيخوضها الرجل بعد موته فى كتاب أو رسالة «لماذا أعدمونى ؟!»، وتم حذف الأسئلة ووضعت الأجوبة فى سياق مختلف ليطرح كل أفكاره بقوة ويثبتها على نفسه وعلى الإخوان وجميع من تعامل معه، ويقال إن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل استخرجها من تحقيقات النيابة وباعها لجريدة المسلمون وبطلها كان الكاتب فهمى هويدى.
يتضح من تجربة قطب الفكرية سواء قبل الطبعة الجديدة أو بعدها؛ رمزية قطب عند الإخوان والتى لم يمسها الشيخ عصام تليمة، فلا هى مراجعات كما يدّعى البعض ولا هى مناقشات، هى معركة أرادها قطب منذ زمن وطبقها قيادات «تنظيم الجهاد» و«الناجون من النار» و«طلائع الفتح» يومًا ما فى مصر ونفذها «همام البلوى» القيادى القاعدى منفذ العملية الانتحارية ضد الأمريكان فى أفغانستان، وصاحب رسالة «متى تَشرب كَلماتى من دِمائي» وما زالت أيقونة فى فكر داعش حتى الآن فهى الركن المادى للمعركة.
قصة همام البلوى
ولو حاولنا أن نتأمل قصة همام البلوى «أبو دجانة الخرسانى» وزوجته الصحفية «دفنة بيرق» ومآلات أفكار قطب عليهما وعلى الجيل الحالى وهنا سنجد كثيرا من الدلالات والإشارات الفكرية والأيديولوجية، وأما الركن المعنوى فحاول الشيخ عصام تليمة تطبيقه فكان فى مرمى هدف جماعة الإخوان الآن «فاجلدوه يا أخوان.. اجلدوه.. وأدينوه.. كيف شئتم واجلدونه فهو يدرى وربما ليس يدرى أنَّ أفكار قطب أُغلقت دونه».