تجمعنا الكنيسة اليوم لنحتفل بعيد مار مارون، الكاهن والناسك ابي الكنيسة المارونية وفخرها ورافع لواء إيمانها وأمجادها مدى الأجيال.
شبّه يسوع نفسه بحبة الحنطة، وحبة الحنطة مثلها مثل جميع البذور يجب أن تدفن في الأرض لتعطي ثمرًا، وهي لا تحيا حياة جديدة وتعطي ثمرًا وفيرًا إلا بعد دفنها في الأرض الجيدة.
كلمات يسوع في الإنجيل الذي سمعناه كانت بمثابة خارطة طريق إتبعها القديس مارون بكل أمانة مسلمًا أمره للرب يسوع الذي أحبه والذي جعل من كلمات إنجيله أسلوب حياة مرتكزة على التجرد والصلاة والإنجذاب الكلّي نحو السماء متأملًا في كمالات الله، عائشًا من أعمال يديه وشغل الأرض قاهرًا جسده باللباس الخشن مع تحريم الجلوس أحيانًا والنوم لساعات قليلة. منصرفًا إلى وعظ الزوار وإرشادهم وتعزية المصابين والحزانى منهم. وبما أن الله غنيّ، كثير الإحسان إلى قديسيه منحه موهبة الشفاء. فذاع صيته في الآفاق كلها. فكان يتمكن من كل الأمراض بدواء واحد وهو الصلاة.
الأطباء جعلوا لكل داء دواء، غير أن صلاة الأولياء هي دواء نافع من جميع الأمراض.
إن مثال قداسته المرتبطة بتقدمة الذات في سبيل الآخرين ليست إلا تطبيقًا لإتباع المسيح حبة الحنطة التي ماتت وأتت بثمر كثير. ينقل لنا القديس بطرس في رسالتة الأولى دعوة الله الموجهة إلى كل واحد بطريقة شخصية (1بط 1:16 ) " كونوا قديسين لأني أنا قدوس ".
حياة القديسين ليست مثالية إنما صور أشخاص عبَر الله من خلالهم. القديسون هم إخوتنا وأخواتنا الذين قبلوا نور الله في قلوبهم ونقلوه إلى العالم، كل بحسب نعمته. لكنهم جميعًا شفافون، قد جاهدوا كي ينزعوا بقع الخطيئة وظلامها فجعلوا نور الله اللطيف ينفذ إلى الآخرين من خلالهم. هذا هو هدف الحياة: أن نسمح لنور الله بأن يمّر. وهذا أيضًا هدف لحياة كل منّا.
قد تتحقق دعوتنا إلى القداسة من خلال مبادرات صغيرة. على سبيل المثال نلتقي معًا لا للإنتقادات وعدم التكلم بالسوء على أحد. الإصغاء إلى الآخرين بصبر ومحبة، نلتقي بفقير نتوقف للحديث معه بمحبة. تلك هي خطوات تساعدنا للسير في طريق القداسة.
نستخلص من ذلك، أن القداسة ليست مرتبطة بالقديس مارون والذين أتوا من بعده حتى أيامنا هذه. يقول البابا بندكتوس السادس عشر في القديسين أنهم قد ساهموا كمعاونين لله في خلاص العالم.
أنا اليوم أمامي القديس مارون أتعلم من شهادته وسيرة حياته كما هناك قديسون كثر كلُ له ميزته وشخصيته وقد عرف كيف يجعل مسيرة حياته طريقًا نحو القداسة.
إستنادًا إلى ما تقدم، يصبح واضحًا أين يكمن دور القديسين في حياتنا، هم الذين يشجعوننا ويرافقوننا كي لا نتوقف عن متابعة المسيرة نحو الهدف، أما وقد بلغوا إلى حضرة الله فإنهم يحافظون على رابط المحبة والشركة معنا.
ومسؤوليتنا أن يميز كل مؤمن مسيرته ويُظهر أفضل ما في ذاته، والمواهب التي منحه الله أياها وألا ينهك نفسه في السعي للتشبه بشيء لم يعُد له.
يقول البابا فرنسيس في رسالته: " إفرحوا وإبتهجوا " القداسة تقطن قربنا لذلك يطيب أن أرى القداسة في شعب الله الصبور في الآباء والأمهات الذين يربون أبنائهم بمحبة كبيرة ويعملون بجهد ليحملوا الخبز إلى منازلهم في المرضى والعجز في الراهبات اللواتي لا تفارق الإبتسامة ثغورهنّ. في هذه المثابرة للمضي قدمًا يومًا بعد يوم، أرى قداسة الكنيسة المجاهدة. هذه هي القداسة التي تقطن بقربنا، قداسة الذين يعيشون قربنا وهم إنعكاس لحضور الله.
نحن نتعلم من القديس مارون ومن سائر القديسين الأساليب والطرق التي تساعد للوصول إلى القداسة.
يقول الأب ميشال حايك في موضوع: المارونية ثورة وحرّية: " إن كنيستي المارونية التي جاهدت ما يزيد على الألف وستماية سنة مدعوة لتبقى شهادة للشرق، شهادة على التعدد الإنساني، ودعوة مستمرة إلى الحرية، وإختبارًا للقاء روحي وإرادة للتجدد والإبداع. لا امتيازات لنا إلا بما نتميز به من مبررات في تجميل الأرض والفكر والروح. وعلينا أن نشكر المسيح يسوع الذي قدر لنا نصيب مشابهته في هذا الشرق. وجودنا فيه نعمة لنا وخدمة للآخرين وشرف للعالم.
صلاة:
أعطنا يارب أن نستحق عطاياك، وأعطنا أن نتعالى عن الأذى ونرتفع إلى مستوى ما تريدنا، على مثال حبة الحنطة. وإذا أردتنا أن نتبرأ من كل شئ، فإحفظ لنا محبتك ومحبة الناس أجمعين، فكل شيء فيها، آمين.