قال الدكتور محمد عبدالقادر نصار، الأستاذ بجامعة عين شمس، الداعية بالطريقة النقشبندية الجودية بالقاهرة، إن إحياء ذكرى السيدة زينب فى مصر خلال شهر رجب المبارك يأتى من حب المصريين للسيدة زينب الذى ألقاه الله فى قلوب العباد، مؤكدًا على مجيء آل البيت إلى مصر تكريم من الله لأرض مصر الطيبة وأهلها.
وأوضح الداعية بالطريقة النقشبندية الجودية، فى حواره مع "البوابة نيوز" أن للسيدة زينب مكانة خاصة فى القلوب نظرًا لما تتمتع به من نفحات وكرامات لمسها الناس بتفريج كروبهم وقضاء حوائجهم، مشيرًا إلى أن أهل السنة الحقيقيين يحبون آل البيت، فكيف تكون سنيا وعندك جفاء فى المشاعر تجاه آل البيت؟.. لو وجد هذا الجفاء فهذه سنية منقوصة.
ويعود ابتعاد بعض الناس عن آل البيت لسببين، أولهما هو الانشغال بهموم الحياة وطغيان المادية جعلهم يبتعدون عن الروحانيات والثانى دعاية المغرضين الوهابية الذين يصدون الناس بدعاوى الشرك عن زيارة آل بيت النبي.
وأكد على أن ظاهرة الاحتفال بالموالد ظاهرة طيبة ولكنها بحاجة إلى تقويم، كما أحوال الدنيا كلها تحتاج إلى تقويم، وكلما وجدنا سبيلا إلى التجويد جودنا، والموالد هى اجتماعات بشرية كبيرة يظهر فيها الجيد وقد يظهر فيها غير الجيد من ممارسات بعض الناس السلبية الوارد حدوثها، ولكن هذه السلبيات لا تبطل المعنى الحقيقى للاحتفال بالمولد. مزيد من التفاصيل فى نص الحوار التالي..
■ بداية كيف ترى السيدة زينب رضى الله عنها داخل الوجدان المصري؟
- إن حب المصريين للسيدة زينب رضى الله عنها هو أمر إلهى خالص، يعود برمته إلى الله سبحانه وتعالى إذ ألقى حب آل البيت فى قلوب العباد، فلا شك أن مجيء آل البيت إلى مصر واستقرارهم بها لم يكن قرارًا اعتباطيًا ولكنه بالتأكيد شيء وفقهم الله له وألهمهم به، بعد ما عرفوا أن هذه الأرض الطيبة - أى مصر - هى مستقرهم فأتوا إليها.
وعرفوا أن فى قلوب أهلها محبة لهم فجاءوا إليها، ثم إن الله عز وجل كما أراد أن يأويهم إلى هذه البلاد أراد أن يكرم هذه البلاد بمجيئهم إليها، يعنى أن المسألة بين الطرفين بها اشتراك، ففى مجئ آل البيت إلى مصر هى تكريم إلى أهل مصروفى نفس الوقت هى مكان يناسبهم للإقامة بعد ما تعرضوا له من البلاء والاضطهاد.
■ وفى رأيكم ما السر فى امتلاك السيدة زينب لكل هذه الخصوصية لدى المصريين؟
- نحن نقول دائما عن سبب زيارة الناس لهذا المقام أو ذاك، أنه إذا كثرت الزيارة وزادت على غيرها، فذلك يعود فى الأصل إلى أن النفوس جُلِبت على محبة من أحسنت إليها، ومعروف أن السيدة زينب عظيمة الإحسان إلى أهل مصر، وأن الكثير من الناس لهم معها قصص ولها معهم كرامات وتفريج كربات وقضاء حاجات وكلها مواقف وتجارب فوق الحصر.
ومن طبيعة الأمور أنه عندما يحدث لإنسان موقف أو تجربة فيها شيء من قضاء الحاجات وتفريج الكربات، يقوم على نشره بين ذويه، فيتسامع الناس بفضل السيدة زينب وكونها معدودة لتفريج كروب الناس وقضاء حوائجهم، ولأن أقل ما يجب من الود بعد الإحسان أن تزور المحسن إليك، فلهذا أحب المصريون سيدتنا زينب وهذا من جانب.
بينما الجانب الآخر من سر هذا الحب لسيدتنا زينب، يرجع إلى أنها بضعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبضعة ابنته السيدة فاطمة الزهراء والإمام على بن أبى طالب، ومن الذى يملك ألا يحب حفيدة سيدنا النبى وأخت الحسن والحسين، أى الأمور متشابكة وتعود لعدة اعتبارات تجعل هذه المحبة عظيمة فى قلوب المصريين للسيدة زينب.
حتى مسألة أن الله سبحانه وتعالى قد خصص لها فضل تفريج الكربات وقضاء حوائج الناس كى يجذب القلوب إليها، لأن الله وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأن يجعل لهم "ودا"، وهذا الود ليس من الضرورى أن يكون فى الآخرة فقط، بل يمكن أن يكون فى الدنيا والآخرة معا.
■ وبماذا تفسر لنا أسباب هذا الاحتفاء الذى نراه دائمًا بآل البيت بصورة دورية؟
- أعترض بشدة على ما يتردد على ألسنة بعض الكتاب والمثقفين بأن المصريين "سنة فى العقيدة وشيعة فى المحبة"، واعتبرها مقولة خاطئة تماما فى أصلها وأساسها، فكأنها تنفى محبة أهل السنة لآل البيت، وهذا خاطئ تماما، فى حين أن محبة الشيعة هى معلولة فى الأصل وكلها كدرأى ليست صافية، إذ ليس من السليم أن يكون جزءا من محبة آل بيت سيدنا النبى أن تلعن صحابته، كما يفعل الشيعة بمحبتهم المريضة، ليس من الصحيح أن تعتبر آل البيت فريق والصحابة فريق آخر، بينما الواقع هنا هو أننا كمصريين "سنة في العقيدة وسنة فى المحبة".
■ وهل يندرج هذا الحب وهذا الاحتفاء ضمن حالة عامة يشعر بها المصريون جميعا ناحية آل البيت أم هو أمر مرتبط بالسنة عموما؟
- من الطبيعى أن أهل السنة الحقيقيين يحبون آل بيت سيدنا محمد، فكيف تكون سنيا وعندك جفاء فى المشاعر تجاه آل البيت؟.. لو وجد هذا الجفاء فهذه سنية منقوصة، ويعود ابتعاد بعض الناس عن آل البيت لسببين، أولهما هو الانشغال بهموم الحياة وطغيان المادية جعلهم يبتعدون عن الروحانيات والثانى دعاية المغرضين الوهابية الذين يصدون الناس بدعاوى الشرك عن زيارة آل بيت النبي، والنهل من معينهم.
وبالتالى من البديهى أن يكون السنى محبًا لآل البيت بل يجب أن يحبهم أكثر من نفسه، و"الفاهم" يعرف أنه عندما يزور السيدة زينب فهو يزور شقيقيها الحسن والحسين وأمها فاطمة الزهراء وأبيها على بن أبى طالب، بل وكأنه يزور جدها سيدنا رسول الله.
■ إذن ما تعريفك للمسلم السنى الحقيقي؟
- المسلم السني الحقيقي - وليس السنى المدعى أوالسنى الناقص- هو الصوفى الذى يحب آل بيت النبى ويعرف لهم قدرهم ويحب صحابة رسول الله ويعرف لهم قدرهم، ويمسك عما صدر من بعض الخلاف، ولا يعتبرهم فريقين أى لا يعتبر آل البيت فريقا وصحابة النبى فريقا، لأنه قد وقعت فى التاريخ أشياء كثيرة تدل على أن القسمة لم تكن كما يصورها الرافضة هداهم الله.
■ وهل يمكن أن تحكى لنا عن مشاعرك الخاصة ناحية السيدة زينب وآل البيت؟
- مما نحبه فى مولد السيدة زينب هو أنه يتزامن مع ذكرى الإسراء والمعراج، فيكون هناك ارتباط مستمر بين الاحتفالين لقربهما فى التوقيت، كما أننى أحب آل النبي، ولا أملك ألا أحبهم بحكم عقيدتى السنية، ولأن آل البيت مطلعون على القلوب، فلو كان فى قلبك برود فهم يعرفون هذا البرود.
والسنى يعيش مدار حياته على مبدأ المراقبة، يراقب الله عز وجل ويراقب سيدنا النبي، وبفضل هذه المراقبة يجد نفسه محبًا لآل البيت، فعند حال المراقبة هذا تتحرك العاطفة داخليا نحو حب النبى وآل بيته، وبالإضافة إلى ذلك حتى لو كان أحدهم لم يجد فى حياته ذكرا كثيرا لآل البيت على سبيل المثال، فعند دخوله طريق التصوف تجدهم يديمون ذكر آل البيت فتبدأ مشاعرك وعواطفك بالتحرك ناحيتهم رضوان الله عليهم.
■ إذن تعتقد أن هذا أمر مشترك عند كل الصوفية؟
- بعد دخولى الطريق الصوفى بمدة عام أو عامين تحدثت مع شيخى الدكتور جودة أبواليزيد المهدى عميد كلية القرآن الكريم بطنطا الأسبق - المتوفى عام ٢٠١١ - عن هذا الأمر، وذكرت له أن من أسباب بعد كل من هو خارج دائرة التصوف لحب آل البيت، هم الوهابية الذين لن يتواصوا بهذه المحبة، وقولنا حتى أن طريق التصوف مشيد بحب آل البيت، ولذلك من أعظم الأشياء التى يقدمونها الصوفية لعموم المسلمين أنهم يجمعون قلوبهم على هذه المحبة.
واختصارًا نقول: (محبة آل البيت هى ركن ركين من التصوف)، وبالتالى أكون على أثر أهل الصوفية وأنمى هذا الحب وأكثره وأزيده كى أحظى بفضل الله ومنته ونعمته، لأنه إذا أحبك النبى لحب أهل بيته أحبك الله سبحانه وتعالى، كما جاء بالحديث الشريف (أحبوا الله لما يغدوكم من نعمه، وأحبونى بحب الله وأحبوا أهل بيتى بحبي) - رواية عن عبدالله بن عباس – لذا نفهم أنه دوائر متصل بعضها ببعض أى حلقة توصل بالحلقة الأخرى وهكذا، فمن لم يصل للحلقة الأخيرة وهى حب آل البيت فحبه "منقوص منقوص منقوص"، لأنه لو أحب سيدنا النبى أحب أهل بيته.
■ وأخيرًا كيف ترى ظاهرة الاحتفال بالموالد عندنا فى مصر؟
- ظاهرة الاحتفال بالموالد ظاهرة طيبة ولكنها بحاجة إلى تقويم، كما أحوال الدنيا كلها تحتاج إلى تقويم، وكلما وجدنا سبيلا إلى التجويد جودنا، والموالد هى اجتماعات بشرية كبيرة يظهر فيها الجيد وقد يظهر فيها غير الجيد من ممارسات بعض الناس السلبية الوارد حدوثها.